• ×

شيخ الاسلاميين الترابي مؤمن بتعدد الزوجات نصير للمرأة ولكنه يكتفي بزوجة واحدة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية الدكتور حسن الترابي يتصفح رواية (ظل الأفعى) ليوسف زيدان، أو بدا كأنه يحاول تأصيل فكرتها ليمنح المرأة صوتها المفقود، حظي الرجل بحفاوة بالغة وهو يدلف إلى مسرح تكريمه من قِبل نساء الأحزاب، كان يوماً وردياً وبذوق نسائي محض، أفتى الشيخ بجواز تولي المرأة منصب الرئيس، وأهليتها في توحيد ما تبقى من السودان، وزفاها إماما للصلاة، وقاضية بين الناس.. وتحسر على خروج آمنة ضرار من آلية الحوار، انتصب منحازاً على طريقة ابن عربي: (ما لا يؤنَّث لا يعوَّل عليه).. مساء كانت إحدى أشهر المغنيات الشابات تغني بصوت وقور قبالة الشيخ وتثني عليه، فطفقت الجمهرة تردد إزاء ذلك: ( ما الذي يريده الترابي من هذه الدنيا بعد أن أصبحت عافية حسن مؤتمر شعبي.. وأصبح هو بذلك المعني أكثر بالمناجاة يا حنين زي عش العصفور).؟

السوربوني المتحرر

عافية المعتزلة للغناء استهلت وصلتها الغنائية بالثناء على الترابي الذي أضاء لها طريق الهداية كما تردد على الدوام وأشارت له بالعبارة: (الترابي رضي الله عنه)، ومن ثم حلقت فوق بستان القرضاوي الشعري وعادت لتترنم بأيقونة الشهيد عبد القادر علي: ( طير السقد ما بنوم.. وسط اليالي يحوم).. عافية وقبلها نساء الأحزاب كن يتداولن منشورات الترابي القديمة وهو يبتهل بها لخلاص المرأة: (لعل أقسى ما جرى على المرأة هو عزلها من المجتمع, فجعل ظهورها كله كشف عورة حتى الصوت, وسمى وجودها حيث يوجد الرجال اختلاطا حراما، وأمسكت في البيت بذات الوجه الذي لم يشرعه الدين)، عطفاً على ذلك فقد أخرج الشيخ منذ سنوات رسالته الشهيرة: (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع)، والتي أثارت جدلاً متعاظماً حينها، فثارت عليه ثائرة بعض الفقهاء ونعتوه بالاستلاب (السوربوني) والضلال- في إشارة إلى دراسته في فرنسا.

ظل الأفعى

رسالة الترابي تلك شابهت على نحو بعيد رسائل والدة بطلة (ظل الافعى) إلى ابنتها نواعم وهي تتلقى من القصاصات ما يرقي بها مرتقى القداسة، في زمان مضى، وتجابه القهر في بيتها، التهمت نساء التيار الإسلامي تلك الرسالة والتي فتحت أفقا جديدا في فكر الحركة الإسلامية، ثمة من يردد بأن الشيخ كان وقتها يطمح في استقطاب النساء لمشروعه السياسي- وبالخصوص المستنيرات لكن بطول الزمان اتضح جلياً أنه مؤمن بالفعل بتحرير المرأة من الموروثات السالبة، وبدا أنه لا ضير لو تمثل ما استعاره يوسف زيدان: (الأمومة.. طبيعة، والأبوة ثقافة.. الأمومة يقين، والأبوة غلبة ظن.. الأمومة أصل في الأنثى، والأبوة فرع مكتسب)، بالنسبة للترابي فإن المجتمع وقتها كان مكوّناً من أبواب مغلقة ومحرّمات وقوانين واضطهاد، وبالنسبة لمبادرة (لا لقهر النساء)، فهو لا يزال كذلك، لذا انفجرت ثورتهن على مشروع الترابي الحضاري وقوانينه المروعة واتسعت موجة الغضب نظير ما يشعرن به من اضهاد.

فتاوى جدلية

بالنسبة للمحبوب عبد السلام، وهو أكثر وعياً ودراية بأفكار الترابي وفطانة في شرحها، فإن الاجتهاد الاجتماعي الأكبر للدكتور الترابي هو مساهمته الفذة في تحرير المرأة المسلمة، يقول المحبوب إن ذلك التحرير جاء وفقاً لأصول القرآن وأصول السنة والسيرة، بعد أن استلبت شعار (التحرير) مناهج الفكر الغربي وأصول فلسفته المادية الاجتماعية، وحاولت مسخ المرأة المسلمة في الأخرى الغربية، فالشيخ الترابي أسس بجلاء أطروحته عن المرأة على أصل التكليف المستقل لكل مؤمن كما هو لكل مؤمنة، وكان ذلك بعد أن عُزلت المرأة المسلمة قروناً بأثر طغيان التقاليد على السنن وألحقت تبعاً للرجل وأهملت عن كل كسب في العلم أو العمل. لم ينته حديث المحبوب بالطبع، لكن الملاحظ أن أبرز نساء الحركة الإسلامية تمثلن أفكار الرجل في حياتهن، فطفقت الدكتورة سعاد الفاتح تبشر بمشروع تحرر المرأة وفقاً لما خطاه الشيخ، وحتى بالنسبة للحجاب والنقاب فهي أقرب في التفرقة للترابي من الفقه الآخر المناوئ. الدكتورة نادية الشرقاوي أعادت قراءة رسالة الترابي وتقديمه للمرأة العربية بوصفها دراسة جديرة بالاهتمام، المثير في الأمر أنه وعقب اشتداد الحملة على الترابي بخصوص زواج المسلمة من كتابي، رشح للصحافة تصريحات لأُمامة حسن الترابي تقول فيها: ( إنها لم تكن تمانع في الزواج بيهودي) وهي بذلك تؤمن بفتوى والدها الخاصة بإباحة زواج المسلمة من كتابي، ورغم ما قيل عن تحريف حديث أمامة إلا أن بنات الترابي أشد حماسة لطرحه فيما يبدو- وعلى ذات النحو فقد احتلت المرأة في أطروحاته موقعاً مرموقاً.

حوار الدين والفن

لا أحد يستطيع أن يجزم هل هي الصدفة وحدها التي حملت الفنانة عافية حسن لقراءة كتاب الترابي (حوار الدين والفن).. أم أن وراء الأمر قصد غير معلوم.؟ عافية وبعد أن غاصت بعيونها في الأسطر اهتدت إلى ما وصفته بحرمة الغناء العاطفي، وشددت على أنها ماضية في مجاهداتها الصغيرة في الحركة الإسلامية، صوتها هذه المرة ليس للعشاق، لكن للمشروع الإسلامي الرسالي، المحكوم بضوابط دينية، لذا انفتحت بصوتها على نصوص ديوان القرضاوي (مسلمون مسلمون) و(أنا عائد أقسمت أني عائدُ) بجانب تجربة الأغنيات الجهادية، وهنا لم يعد صوتها عورة، ولا ضير أن يكون الملهم نفسه هو الشيخ الذي بلغ في وصفه الشهيد عوض عمر السماني القول: ( فتى أخلاقه مثلُ)، ومثلما صعد بالحركة الإسلامية إلى سدة السلطة، فقد صعد بالمرأة إلى الصفوف الأمامية، وبين أن الحياة العامة ليست مسرحا للرجال وحدهم ولا عزل بين الرجال والنساء في مجال جامع، فالصلاة مشتركة ومجالس العلم مشتركة.

زوجة واحدة تكفي

ذلك هو الترابي وفتواه المعروفة، لكن حياته الخاصة لم تخل أيضاً من مناصرة المرأة، هذا إذا اعتبرنا أن التعددية ليست محبذة للنساء، بل تكاد تكون مكروهة رغم أنها فُعل حلال، ومن المفارقات المدهشة أن زعيم الإسلاميين في السودان يكاد يكون هو الوحيد الذي شذ عن القاعدة التي أطر لها، الدكتور الترابي دون تلامذته لزم بيتا واحدا في المنشية، واكتفى بزوجة واحدة، المفاجأة المذهلة أصابت الدكتورة المصرية نوال السعداوي بدهشة، فطفقت تتغزل في الترابي من خلال حديث سابق لصحيفة (الأهرام اليوم)، نوال تساءلت في صيغة المدح الذي يشبه الذم.. (هل منع الرجل تعدد الزوجات؟ ومن ثم تجيب، كلا، الترابي تزوج امرأة واحدة لكنه لم يمنع تعدد الزوجات). !! لكن الترابي ضمن قيادات الحركة الإسلامية ليس وحده الذي اكتفى بواحدة وإنما مثله آخرين شغلتهم التصاريف العامة وربما كانت لديهم ظروفهم الخاصة أيضا، غير أن الأكثرية انفتحت على التعددية في الزواج، لدرجة أن الدكتور حيدر إبراهيم أبدى ملاحظات ساخرة وقال: (إن التعدد في الزوجات أصبح مع الإنقاذ ثقافة وطريقة حياة وسلوك، متجاوزا التعددية الديموقراطية إلى تفاخر البعض ودعوتهم الصريحة للآخرين، بغض النظر عن اختلاف الظروف، ما ساهم في الترويج لممارسة تعدد الزوجات).. كل هذه الشواهد تدل على أهمية المرأة في حياة الترابي، سواء أكانت أما.. زوجة، أخت أو ابنة.. فهي في اعتباراته على الدوام





اليوم التالي



بواسطة : admin
 0  0  2817
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:19 صباحًا الخميس 9 مايو 2024.