• ×

سراج النعيم : غياب التوثيق في السودان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 من الإشكاليات الواجب مناقشتها علي صعيد كل المجتمعات عدم التوثيق للأحداث الدائرة في محيطنا الخاص والعام ولا يتوقف الأمر عند سائر الناس إنما الأغلبية العظمي من المفكرين والكتاب والشعراء واﻷدباء والعظماء لم يوثقوا لحياتهم بشقيها فإذا عدنا إلي سيرتهم جميعاً نجد أنهم آثروا الصمت في الوقت الذي كان يفترض فيهم التوثيق لتجاربهم عبر الوسائط الإعلامية حتي تستفيد منها الأجيال المتعاقبة جيلاً تلو الآخر للاستفادة من أفكارهم وذكرياتهم وهي دون أدني شك جديرة بأن يحفظها عامة الناس عن ظهر قلب لما تحمله بين طياتها من مواعظ وعبر ومواقف وحكم بشقيها الإبداعي والإنساني وذلك من واقع أنهم أدوا أدواراً مميزة قبل أن يرحلوا إلي الفانية في صمت ثم يمارس المقربين منهم ذات الفعل جهلاً بأهمية الحركة التوثيقية.
وفي ظل ذلك جال بخاطري بعضاً من الأسئلة التي تصب رأساً في ذات الاتجاه الذي أتطرق له هل عمد كل هؤلاء إلي الصمت حتى الرحيل وهل مارس المقربين منهم نفس الفعل بعد رحليهم وهل كل هؤلاء علي قناعة بعدم جدوى رواية تلك التجارب التي مروا بها في حياتهم علي الصعيدين الخاص والعام أم أنهم بخلوا علينا بما نفتقده من تجارب نحن أحوج إليها في وقتنا الحاضر أم أنهم دخلوا في حالة إحباط جراء انصرام الحياة أمامهم مع مرور السنوات دون أن يحققوا ما يصبون إليه في الحياة علي المستويين وبالتالي ربما ظنوا أنه لا دافع لهم في واقع يركن إلي عدم تقييمهم التقييم المستحق أدبياً ومالياً ما جعلهم يرون في الصمت خيراً أو هرباً من ذلك الواقع المرير الذي لا نجاة منه فهو سبيل الأولين والآخرين ومهما حاولوا الهرب فأنه ملاقيهم وبما أن الأمر يمضي علي هذا الهدي فأنني أرجو أن يجد الجانب التوثيقي الاهتمام وأن تسعي الأجهزة الإعلامية لمن هم أحياء حتى نوثق لتجاربهم.
لأنني كلما توفي مفكراً أو مبدعاً في الحركتين الثقافية والفنية أو من مشاهير المجتمع أجد أن التوثيق له لم يكن بالصورة المطلوبة التي نجد علي ضوءها مادة تعرف بهم وبما أنتجوه من فكر وإبداع قبل الانتقال إلي الدنيا الآخرة وأبرز النجوم الذين افتقدنا لهم المادة التوثيقية الفنان الراحل مصطفي سيداحمد الذي لم توجد له تسجيلات إلا في بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي لم تكن بقدر الإبداع الذي قدمه في حياته ضف إليه آخرين عاشوا حياتهم ملء السمع والبصر بخلقهم مدارس فنية خالدة في وجدان الشعب وبل فيهم من فرضوا أنفسهم علي الوسائط الإعلامية من خلال الجماهير العريضة التي التفت حولهم وأكسبتهم أرضية قوية بالغناء في بيوتات الأعراس والمنتديات والجامعات وإلي آخره حتى أنهم توغلوا في عالم الثقافة والفن والإبداع ولم يكتفوا بالمحلية إنما شدوا الرحال للعديد من دول العالم لإيصال صوت السودان ومن بينهم العملاق محمد وردي الذي أنتزع لقب ( فنان إفريقيا الأول ) ليصبح سفير الأغنية السودانية في المحيط الإفريقي والراحل سيد خليفة سفيرنا لدي الدول العربية والدكتور عبدالقادر سالم سفيرنا لدي الدول الأوروبية وفي مجال الشعر هنالك الشاعرة المميزة روضة الحاج والفيتوري والهادي آدم وفي الأدب الأديب العالمي الراحل الطيب صالح وغيرهم فأين الحركة التوثيقية من هذا الإبداع المتدفق الذي لم يحظي بالاهتمام ، فمعظمهم جاءوا للدنيا وأبدعوا ثم رحلوا في صمت فإلي متى نتركهم يمارسون هذا الفعل باستثناء برنامج ( أسماء في حياتنا ) الذي يعده ويقدمه الإعلامي المخضرم عمر الجزلي عبر تلفزيون السودان وهو من البرامج المميزة فيما نطرق وإذا كانت قناة ( أنغام) ذكية فالتلتقط زمام المبادرة ببث البرنامج سهرة ثابتة في خارطتها البرامجية خاصة وأنه استطاع أن يخرج الكثير من الفنانين والشعراء والأدباء ومشاهير المجتمع من صمتهم وهو يحتوي علي مادة جديرة بإعادة بثها للمتلقي فهي أفضل من المادة التي تقدمها القناة في الوقت الحاضر.
ومن هنا لابد من الوقوف بتأمل في مسألة التزام الصمت المهيب الذي لا يعبأ في ظله من أشرت لهم بالصخب الذي يتركونه خلفهم بعد الرحيل فالفلاسفة والأدباء والشعراء والمفكرين يكون همهم الأكبر قبل الانتقال من الدنيا أن يتربي أبنائهم علي القيم والأخلاق الفاضلة ولكن هنالك قلة حادت عن هذا الخط الصارم بالإبداعات التي ارشفها لهم المعجبين والأصدقاء توثيقاً لما جادت به قرائحهم من حكم وأفكار وأشعار وقصص وأبرزهم سيبويه الذي ذاع صيته في العلم النحوي.
آخر الدلتا
وهنالك من قال شعراً في الأمل فمات المؤمل قبل اﻷمل ...
واختزل حكيم العرب الفكرة في الآتي : إذ كانوا يأخذون الموتى، ويضعونهم في أعلى قمة جبل عندهم، ويسمونه برج الصمت، وذلك ﻻعتقادهم بأن الجسد نجس ويجب عدم وضعه على اﻷرض.


بواسطة : admin
 0  0  1001
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 08:55 مساءً الإثنين 20 مايو 2024.