• ×

الروائي إبراهيم إسحق إبراهيم:لست مقتنعًا بأننى قد بذلت كل ما هو مستطاع، لا في الكم ولا في الكيف.. لكننا قدريون بما يكفي لأن نقول بأن هذا هو المكتوب لنا

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية العامية هي إحدى العقبات في نقل أدبنا للعالم

المصداقية ليست وقائعية الحدث.. بل موافقتها لمعتاد الناس

أنوي التقاعد... وأفسخ العقد بيني وبين آل الكباشي

النقاد العرب ليس لديهم المزاج للقراءة

النقد الصحفي عجول.. وغالبًا ما يلتقط بعض الجماليات

حوار: عوض الكريم المجذوب

إبراهيم إسحق من مواليد قرية "ودَعة" شرق دارفور بغرب السودان في العام 1946م. تلقى تعليمه الأولي بمدينتي الفاشر وأم درمان، وتخرّج في معهد المعلمين العالي في العام 1969م (كلية التربيةـ حالياً ـالتابعة لجامعة الخرطوم)، ومعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بـجامعة الخرطوم في العام 1984م. أقام منذ مطلع العام 1982م في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية ومكث بها لعدة سنوات إلى أن استقر به الحال في السودان.

وعن بداياته قال لنا: (بدايتى كانت بست قصص قصيرة غير ناضجة فى عام 1964م على ما أرى وقدمتها للقاص المعروف مصطفى مبارك وكان مسؤولاً عن الصفحة الثقافية بجريدة (الأيام) فلما قرأها طلب مني أن أعود فأقرأ زيادة في الإبداع القصصي للمجيدين وفي التنظير لكتابة القصة القصيرة.. ولا أستعجل.. لم أغضب.. وتفهمت الوضع.. وأفادتني كثيراً تلك النصيحة.. والدليل على ذلك كما قلت من قبل هو أن إحدى تلك الأقاصيص تطورت عام 1970 إلى رواية (أعمال الليل والبلدة).

وإبراهيم اسحق صنفه كثير من النقاد داخل السودان وخارجه بأنه لا يقل مكانة عن الطيب صالح، وأن اعماله صورت الحياة السودانية بكل تفاصيلها وخاصة في دارفور.

سنحت لنا الفرصة أن نجلس معه وندردش حول قضايا الثقافة والأدب والقصة، فكانت الحصيلة التالية:

ـ أستاذ إبراهيم متى بدأت كتابة القصة؟ وما هي المؤثرات التي دفعتك في هذا الاتجاه؟

اسمحوا لي أن أشكر كل من يحاورني حول عملي.. وعبركم استسمح القراء المهتمين بالقراءة لي حول حرجين أجدهما في نفسي وأنا أجيب على تساؤلات المحاورين.. الحرج الأول هو اضطراري لتكرار بعض الإجابات التي صرحت بها لمحاورين سابقين.. والحرج الأخر هو أن مبدع السرد يحتاط جدًا في كشف تفاصيل تجاربه.. وسبب ذلك هو أن كل حكايات الدنيا هي تركيبات يجمعها المبدع في صياغة توافق معتاد الناس، ومن هنا فتجاربه الخاصة كثيرًا ما تختفي في أعماله.. فإذا ما صرح بها في إحدى المقابلات احترقت.. وبدايتي كانت بست قصص قصيرة غير ناضجة فى عام 1964م على ما أرى وقدمتها للقاص المعروف مصطفى مبارك وكان مسؤولاً عن الصفحة الثقافية بجريدة (الأيام) فلما قرأها طلب مني أن أعود فأقرأ زيادة في الإبداع القصصي للمجيدين وفي التنظير لكتابة القصة القصيرة.. ولا استعجل.. لم أغضب.. وتفهمت الوضع.. وأفادتني كثيراً تلك النصيحة.. والدليل على ذلك كما قلت من قبل هو أن إحدى تلك الأقاصيص تطورت عام 1970 إلى رواية (أعمال الليل والبلدة)..

السؤال عن المؤثرات سؤال صعب.. فالمبدع كخامة يبتدئ بالقراءة ليجد التعبير أولاً وذلك على الأقل قبل عشر سنين من قدرته على الكتابة.. فلما يعهد في نفسه القدرة على التعبير يبدأ يمتحن نفسه حول قدرته على صياغة قصة مشوقة كما يفعل الآخرون.. ومن هنا ينطلق إذا ما كانت لديه الامكانيات التي تقنع النقاد.

ـ كيف تتكون القصة عندك، وهل هناك قواعد أو عناصر معينة يجب أن تتوفر في القصة؟

هنالك خبر تسمع عنه.. أو منظر تراه.. أو حكاية تروى لك.. غالباً أحد هذه المواقف يبدأ ينحت في ذهنك بأن هنا تجربة إنسانية كاشفة لطبائع البشر.. ولعلاقات الناس بمجتمعهم وبكونهم.. فتبدأ تتصور تفاصيل ذلك الحادث.. وتستعرض الأفكار الأساسية التي دارت بذهن الشخصيات المعنية وبذهن الراوي للحكاية.. وهذه في مجموعها الهيكل العام للعقدة التي تبنيها.. ولا يعود يشغل بالك بعد ذلك إلا إجادة التعبير عن الأحداث والمشاعر بلغة جيدة وبصدق في السرد والحوار معاً.

ـ الأستاذ إبراهيم إسحق.. ابتداء من أول قصة لكم ومرورًا إلى آخر ما كتبت، هل أنت راض عن نفسك حتى الآن؟

بالقطع أنا لست مقتنعًا بأننى قد بذلت كل ما هو مستطاع، لا في الكم ولا في الكيف.. لكننا قدريون بما يكفي لأن نقول بأن هذا هو المكتوب لنا.. ثم نعيد النظر في خريطة العمل.. أجدني كتبت خمس روايات ما بين 1968و1982 ومعها 16 قصة قصيرة.. وفي الغربة كتبت رواية واحدة وعشر قصص قصيرة.. ولي الآن عامان بعد العودة من الاغتراب كتبت فيهما خمس قصص قصيرة.. ومشروعي كما ارتأيته قبل 35 سنة (ولم يتعدل كثيرًا)، يشير إلى أن المطلوب لإكماله هو حوالي 5 روايات أخرى و5 قصص قصيرة.. وأنا أنوي التقاعد عن كتابة القصة بعد هذه المطلوبات وأفسخ العقد بيني وبين آل الكباشي.. إذن أنا ألوم تقصيري أولاً.. وألوم الغربة ثانيا.. وألوم المؤسسات العامة والخاصة التي لم تهيئ الظروف الملائمة لتحفيزنا للمزيد من العطاء.. لكنني أطمح بأن أحل اشكالاتي على كل حال إن منحنا ربنا عز وجل فسحة من الزمن وقدرة.. وبكل إخلاص أعترف بأن على النقاد أن يوضحوا تقييمهم لعملنا فذلك يرضينا كثيراً.. فإن لم يفعلوا، وإن لم يساعدنا مجتمعنا، واظبنا على عملنا حتى يكتمل.. لأن تحقيق الذات عبر الكتابة هو قدرنا..

ـ الغربة ماذا أضافت للأستاذ إبراهيم اسحق؟

نحمد الله حمدًا كثيرًا على سنوات الغربة.. حججنا إلى بيت الله الحرام واعتمرنا عدة مرات.. وكنا في كفاية معيشية لأكثر من عقدين.. وساعدنا أهلنا.. وهيأنا لعودتنا.. وتعلم أبناؤنا.. لكن الجو الثقافي في الخليج كان في الحقيقة شبه مغلق على المواهب الآتية من خارج الخليج.. فلم نستطع أن نخترق المجتمع الثقافي الخليجي إلا في أضيق المفاصل، وبمنافسة شرسة وحظ كبير.. والحالة النفسية للمغترب تحرمه من اطمئنان المواطنة والتشرب من الاحساس بالوجود مع مواطنيه في بيئتهم.. كل هذه السلبيات، إضافة على صعوبة الوصول إلى المجلات والكتب التي تربطك بما يدور عالمياً حول الثقافة، هذه أحبطتنا كثيراً.. لكنني بحمد الله قرأت شيئاً غير يسير في التراث الإسلامي والعربي وعدت من الخليج بمكتبة ضخمة أعاننى خيار من الناس جزاهم الله خيرًا في توصيلها إلى الوطن..

ـ وما هي درجة قبول من عشت وسطهم لكتاباتك، وهل شكلت اللغة العامية حاجزًا في فهم القصة السودانية؟

لم أعرف شخصاً خليجيًا تقبل عملي لدرجة الكتابة عنه أعنى في حيز الإبداع.. غير أن الناقد السوري نبيل سليمان امتحن نفسه في (وبال كلميندو) فكتب عنها مقالاً لجريدة (الحياة) وضمنها في كتاب صدر له في الرواية العربية المعاصرة.. ربما صح افتراضكم بأن العامية هي إحدى العقبات.. لكننا في دائرة مبدعي السرد السودانيين ظللنا نشكو بأن الإخوة النقاد العرب لا يقدمون إبداعنا لقرائهم، وربما ليس لديهم المزاج للقراءة لنا..

ـ أستاذ إبراهيم أين تقف القصة السودانية من القصة العربية؟

من الناحية الفنية، لدينا روايات رفيعة المستوى وروايات وسيطة، وهنالك الضعيفة.. وهذا هو واقع كل الثقافات الإبداعية في كل دول العالم.. لكن الذي يظلم الرفيع من أعمالنا هو أن قدرتنا على تقديم عملنا للمنافسة عربياً ودولياً ضعيف جدًا جدًا جدًا.. وما لم نعتني بأنفسنا فلن يعتني بنا أحد.

ـ هل لديك هموم فنية أخرى غير كتابة القصة؟

هموم فنية؟ كلا.. فقط الرواية والقصة القصيرة..

ـ الساحة الثقافية تعج بالعديد من كتاب القصة، فإذا طلب منك اختيار ثلاثة منهم من تختار، ولماذا؟

سأخيب رجاء هذا الطلب وأرفض أن أختار.. فلكل من الذين يكتبون السرد في السودان طويلة قصيرة بعض الجيد جداً .. وبعض الضعيف.. حتى الذين فازوا بنوبل فيهم هذه الظاهرة.. إذن أطلبوا مني أو من محمد المهدي بشرى أن يكون لجنة تختار 30 أو 50 قصة قصيرة من أجمل ما لدينا وإصدارها في كتاب كما ترى في ثقافات الدول المتقدمة.. لتوزع بإكثار ويشاد بها بإكثار وتترجم بقدراتنا لعدة لغات.. لكي نعرف الدنيا بما لدينا مما ينافس الذي لديهم..

ـ توليتم رئاسة اتحاد الكتاب في السابق ولكن كنا لا نحس بوجود لهذا الاتحاد.. تعليق.

كان هذا هو إحساسي أيضاً.. والحمد لله أنها كانت مسؤولية لدورة واحدة مدتها عام.. وقد سلمناها للجنة جديدة.. في خطابنا للدورة أمام الجمعية العمومية عبرت عن إحساسى بإرجاع المستمعين إلى ما تعهدنا به عند الاستلام.. فلم نكن نبالغ في التفاؤل.. ووعدنا ببذل الجهد الذي نستطيعه.. وطالبنا بمحاسبتنا حسب ما قلناه لا حسب ما هو متوقع منا.. الكتاب والأدباء في السودان لديهم ثلاثة اتحادات، وهذا يوزع المجهودات ويضع التنافس بديلاً عن التعاون.. وهنالك من يظن أنه في أحضان السلطة وأن غيره خارج الشبكة.. والدولة لم تكترث للصرف على الثقافة بالقدر الذي يكون مقبولاً..
الصيحة


بواسطة : admin
 0  0  1796
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 06:35 مساءً الإثنين 29 أبريل 2024.