• ×

يوسف الجلال : حاربوا اسباب التخابر اولا

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية سُيكتب للأجهزة الأمنية أنها تمكنت من تفكيك خلية تجسس، تعمل لصالح دولة عربية مجاورة. وسيُكتب لها أنها أوقعت بمنظومة خطيرة لها قدرة فائقة على إلتقاط المعلومة من "بيت الكلاوي".. لكن بالمقابل هناك ظلال سوداء لحادثة توقيف "20" شخصاً بتهمة التخابر مع دولة آفروعربية، انطلاقاً من مدينة بورتسودان. لا بد أن نتفحصها، لتلافي المترتبات الكارثية لحوادث التخابر.



شخصياً، أجد نفسي ميّالاً لتفسير الظاهرة بعيداً عن الجوانب الأمنية. فهي عندي بمثابة تأكيد جلي، وتبيان قاطع، ودليل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، على تراجع الانتماء الوطني وتدني الإحساس بالوطنية لدى قطاعات مؤثرة وكبيرة من أبناء الشعب السوداني. وهذه منقصة ومذمة كبيرة يجب أن نتوقف عندها جميعاً. إذ أن الشعب السوداني تحصّن من مثل هذه الممارسات البغيضة، وتمكن من نصب حائط صد كبير بينه وبين مثل هذا النوع من الدناءات. صحيح إن أضابير التاريخ وسجلات الأرشفة تحفل بالكثير من حالات التخابر لصالح دول خارجية، لكن الأمر لم يكن بمثل ما نحن عليه الآن. ولست في حاجة لتأكيد حجم الكارثة الماثلة حالياً، إذ أن شبكة التجسس التي تم ضبطها بمدينة بورتسودان مؤخراً، شملت العديد من الفاعلين في المشهد المجتمعي والاقتصادي والتنفيذي في الولاية. بل أن قائمة المتخابرين ضمت ابن مسؤول تنفيذي رفيع، بجانب شخصيات معروفة في الجهاز التنفيذي. ولكل هذا يمكن توصيف هذه الشبكة بأنها الأخطر، لكونها تملك كلمة مرور للعديد من الجهات التنفيذية. وهذا يعني أن تلك الشبكة لها قدرة فارقة في الوصول إلى المعلومة.



حسناُ، فالأمر أكبر من أن ننظر له على أساس أنه مهدد أمني فقط، خصوصاً أن المترتبات التي يمكن أن تنجم عنه، ترقى لمرحلة الكارثة الأخلاقية. وهذا بدوره يجعلنا نصدع بالسؤال عالياً، حول الأسباب التي تسببت في تدني الحس الوطني. بل أن الحادثة برمتها تفتح الباب على مصاريعه عن التغافل الحكومي، إزاء الانحدار الأخلاقي الذي اجتاح قطاعات واسعة من الشباب. وأبعد من ذلك يجعل من الحكومة مُدانة بصورة مطلقة، إذ أنها أسهمت وتسببت في تراجع الحس الوطني بعد أن احتكرت المشهد السياسي، وبعد اختصت نفسها بالحق المطلق في توزيع صكوك الوطنية لمن تشاء وتحجبها عمّن تشاء. وقطعا هذا أفرز غبناً جعل البعض لا يفرّق بين الحكومة والوطن، وظني أن ذلك ناتج من حالة التماهي بين الحزب الحاكم والدولة، في ظل عدم الفصل بين الاختصاصات والسلطات. وبالتالي ظهر من يبرروا ويبيحوا معارضة الوطن، طالما أن الحكومة احتكرته لنفسها من خلال مشروع أحادي إقصائي. وبجانب ذلك كله فإن الوقوع في فخ التخابر يمر عبر ظاهرة البطالة وتصاعد معدلات الفقر، وهذه هي جوهر مسؤوليات الحكومة المنوط بها إطعام الناس من الجوع وتأمينهم من الخوف.



نشر بصحيفة (الصيحة) في 8 نوفمبر 14م


بواسطة : admin
 0  0  1633
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 10:12 صباحًا الأحد 5 مايو 2024.