• ×

(ضمن التراث العالمي) نفض الغبار عن جبل البركل

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية ـ متابعات 

جبل البركل أو الجبل المقدس كما ورد في كثير من المخطوطات والوثائق في العالم القديم وها هو الآن بعد أن أصبح ضمن التراث العالمي يتوشح من جديد، بعد أن نال منه الدهر وتركوه وحيدا يعاني الطبيعة القاسية وتنهش حناياه الأقدار.. نفر كريم من أبناء هذه الأمة يريدون نفض الغبار عنه ويكون مرتعاً للثقافة السودانية ورمزاً لوحدة الهوية السودانية، والتي أصبحت هاجساً يؤرق معظم المفكرين والمؤرخين.. ولطالما كان تراث الأمم ركيزة أساسية من ركائز هويتنا الثقافية والاجتماعية..
وعنوان اعتزازها بذاتيتها الحضارية في تاريخها، ولطالما كان التراث المادي والثقافي عموماً للأمم منبعاً للإلهام ومصدراً حيوياً للإبداع المعاصر ينهل منه فنانوها وأدباؤها وشعراؤها.. كما مفكروها وفلاسفتها لتأخذ الابداعات الجديدة موقعها في خارطة التراث الثقافي.. وتتحول هي ذاتها تراثاً يربط حاضر الأمة بماضيها، ويعزز حضورها في الساحة الثقافية العالمية.. وتنعكس صدى الحضارات المتعاقبة على الفلكلور وأغانٍ وموسيقي وحكايات ومعارف تتوارثها الشعوب عبر أجيال وعصور، وكل تلك الصروح المتعددة والمختلفة، وتلك البقايا المادية من أوانٍ وحلي وملابس ووثائق وكتابات جدارية وغيرها، إذ كلها تعبرعن روحها ونبض حياتها, والآثار وما تحتويها من اطلال المعابد والإهرامات والقصور، وهو تراكم خبرة الإنسان في حواره مع الطبيعة وحوار الإنسان مع الطبيعة، إذ يعني التجربة المتبادلة بين الإنسان ومحيطه، وهذا المحيط الذي يضم حتى الإنسان الآخر فرداً كان أم جماعة.. ويعني كل مفهوم يتعلق بتاريخ الإنسان في تجارب ماضيه وعيشة في حاضره وإطلالته على مستقبله، أما التراث الحضاري والثقافي فهي الممتلكات والكنوز التي تركها الأولون حيث هي السند المادي، ومن خلالها تستمد جذورها وأصالتها لتضيف لها لبنات أخرى من مسيرتها الحضارية لتحافظ على هويتها وأصالتهما، وتقاس حضارة الأمم وعراقتها بما تملك من تراث إنساني، توارثه الأبناء عن الآباء جيلاً بعد جيل، معتزين بما تركه لهم الأجداد وتظهر ملامحها وتتميز مواصفاتها، كلما كانت هذه الحضارات متفردة وفي خدمة الإنسانية بل تعبر هوية الفرد والجماعات.. ونحن للآن ننادي بالهوية السودانية وظهرت مدارس كثيرة لها ولكن عدم اهتمامنا لتلك المعالم أبعدنا كثيراً ولم نفكر يوماً من هؤلاء...!!!

وأصبحنا نقحم ونتساجل في أروقة الثقافات ودور المفكرين زمناً طويلاً لكي نعرف من نحن ونسينا أن هناك دليلاً واضحاً يدل لنا الطريق وينطق صامتاً ويقول لنا أنتم منا.. ولا أحد يستجيب له حتى الآن

وفقدان التراث الثقافي يعني فقدان الذاكرة.. إن الذاكرة هي التي تساعد على القرار لتقول من أنا.. فالفرد الفاقد ذاكرته لا يستطيع أن يستدل على باب بيته ولا حتى على أبويه، فكيف والحال هكذا أن يصنع مستقبله ويطور ذاته، ومثلما ينطبق هذا على الفرد ينطبق على الشعوب أن التراث الثقافي وكما هو معروف لدى الباحثين والمختصين يحتوي على جانبين أولهما الملموس المادي، مما انتجه السابقون من مبانٍ ومدنٍ ومعابد وغيرها، وثانيها التراث غير الملموس المادي من معتقدات وعادات وتقاليد، فالحفاظ على هذين العنصرين هو حفاظ على هوية الأمة وذاكرتها.

وإذا رجعنا أنفسنا نجد هناك قاسماً مشتركاً يجمع كل القبائل والبيوتات السودانية خاصة ماذكرناها وهي التي تحكم وتحدد الهوية، ونجدها عادة من طقوس العبور(الزواج، الميلاد, الوفيات) إضافة لعاميتنا التي تحمل كثيراً من المفردات غير العربية مأخوذة من لغات سودانية مختلفة.. الخ... كل هذه المعطيات تبشر بهوية سودانية بازخة.. ومعروف بأن الهوية مأخوذة (هو) بمعني جوهر الشيء وحقيقة أي كالبصمة للإنسان يتميز بها عن غيرها (سلوك ميل- مزاج)، ومفهوم الهوية لايجب أن يؤخذ بالبساطة العفوية، إذ ما يزال يلفه الكثير من الغموض، فهناك من المفكرين من يصل به الأمر الى حد القول بإن الهوية لا وجود لها أصلاً, ذلك أن الهوية الشخصية تفترض أن تبقي الهوية الجماعية.. أما الهوية الجماعية، فهي أكثر إشكالية نحن.. الجماعية بينما البشر مختلفون تبعاً لطبيعة الظروف التي تكونوا في إطارها، وتبعاً للبيئة التي يحيون فيها.. (هذا ما عبر عنها الفيلسوف الفرنسي ديول ريكور)

والهوية الثقافية الحضارية متجددة في أعماق كل سوداني خاصة في تفردنا وتميزنا افريقياً وعربياً، وأن هذه الخصائص من أهم العوامل المساعدة في دعم العلاقات الإنسانية بين الشعوب ووفاق لتتويج هوية، ولو كانت بالتراضي الوطني القومي.. وفي اعتقادي أن مثل هذه المهرجانات القومية والرافده من عمق جذور الإنسان المعاصر يسهل كثيراً لدراسات حالية ومؤتمرات وندوات، والجميع في حضرة جدودهم وذكرياتهم المنسية حتماً يسود الاحترام وحب الناس لبعضهم، ويجرهم الحنين لهم ويبقى الأمل لهوية سودانية خالصة..

أخيراً التحية لسعادة الفريق عبد الرحمن حطبة رئيس اللجنة العليا للمهرجان وركبة الميمون ووزير الثقافة والإعلام والسياحة بالولاية الشمالية د/ الفاتح أبو شوك.. وتحية خاصة لكل من أخذت منه علماً في مدرجات الجامعات أو أمهات الكتب ومن أعطوني خلاصة تجاربهم من المفكرين داخل وخارج البلاد.. من زودونى فكرا ومعرفة.. ولنا لقـــــاء.
فريد مكاوي


بواسطة : admin
 0  0  1435
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:11 صباحًا السبت 4 مايو 2024.