• ×

صافرة إنذار ..حظيرة الدندر ..الحيوانات تهاجر ايضاً

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية ـ متابعات 
عندما حملت أمتعتي واتجهت صوب (محمية الدندر) الاتحادية بولاية سنار، كان يدفعني فضول لمعرفة كنه هذه المملكة التي تحرسها من الداخل ملوكها المعروفة بالأسود، ويصطرع على أطرافها من الخارج رأسماليو الغفلة، الذين تحدوا القانون وتجردوا من الأخلاق في خضم هجمتهم على أكبر محمية طبيعية في أفريقيا يجب الحفاظ عليها لا اقتلاعها من جذورها.

لا أستطيع أن أقول عن نفسي بأني لم أشعر في حياتي بتعاسة، ولكن ما انتابني عندما كنت أتنقل بين قرى ولاية سنار في طريقي إلى (محمية الدندر)، كانت تعاسة تحمل جينات من عالم آخر، كادت تنهي مغامرتي وتحرمني من الوصول، وقد ظل شبح المجازفة يخيم عليّ حتى عدت أدراجي إلى مدينة سنجة.

منطقة منزوعة الخدمات

وخطورة الوصول إلى أكبر منطقة يفترض أن تكون سياحية، يتمثل في انعدام تام للطرق المعبدة التي تربط بين القرى التي تقع على طول امتداد فيضانات مياه الخريف التي لا تحتملها أنهار الولاية رغم كثرتها، وهذا ما يجعل عشرات القرى التي تقع بين مدينة (الدندر) والمحمية تنقطع تماماً عن العالم الذي يحيط بها في الخريف، مما يجعل التنقل بينها ضرباً من الخيال والمجازفة.

دخول المحمية على ظهر دوشكا..

بعد رحلة سير استمرت لـــ (خمسة) أيام من تحركي من مدينة الدندر (قضيت منها ثلاثة أيام في قرية أم بقرة)، وصلت برفقة إحدى دوريات شرطة الحياة البرية (كروزر عليه دوشكا وقوة مكونة من ستة عساكر) إلى معسكر (قلقو) الذي يقع في عمق المحمية نحو الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً.

أوجه صراع المتنفذين الجد

ما يعتمل داخل المحمية التي تقدر مساحتها بعشرة آلاف كيلومتر مربع يختلف كثيراً عن ما يدور خارجها من صراع يقوده بعض المتنفذين الجدد من أجل غرس أنيابهم في خاصرة أكبر منتجع طبيعي للسياحة في أفريقيا، تعيش داخله مئات الأنواع من الحيوانات المعروفة والمألوفة، وتفتقر كثيراً إلى أنواع أخرى بعضها هاجر بسبب التصحر الذي أصاب المحمية في سنوات خلت، وبعضها الآخر انقرض جراء أمراض وأوبئة انتشرت بين حيوانات معينة قضت عليها، ولكن رغم الصراع الدائر خارج المحمية الذي يتمثل في اعتداء الصيادين على الحيوانات بطرق متعددة على حد قول العقيد (عبد اللطيف ضو البيت) مدير شرطة الحياة البرية بولاية سنار، الذي كشف عن قيام الصيادين باصطياد الحيوانات النادرة وغيرها، خاصة النمور التي يستفاد من جلودها في صناعة الأحذية والحقائب، وكذلك يمتد الصيد إلى حصد مئات الأنواع من الغزلان والجاموس والطيور النادرة التي تخرج على أطراف الحظيرة في فترة الخريف، على حد قوله.

الأفيال هاجرت والزرافات انقرضت

لا يمكن التقليل من الكم الهائل من الحيوانات التي تنتشر بين غابات المحمية بصورة تجعل من يشاهدها لأول مرة يصاب بفوبيا الدهشة الذي يفقده القدرة على إحصاء بقية أنواع الحيوانات، التي بمجرد الإحساس بعدم وجودها يزرع في النفس خيبة أمل وانهزام نفسي، يحيل الحياة التي تعتمل في الدواخل إلى كوابيس وحزن يفطر القلب، كما يقول الملازم شرطة (محمد الفاتح) الذي حكى بشيء من الحزن والألم عن معاناتهم النفسية والجسدية التي تنتابهم عندما يشاهدون حيواناً يلفظ أنفاسه داخل المحمية، وهم لا يستطيعون أن يقدموا له ما يرد إلى جسده العافية. ويكشف (الفاتح) عن العلاقة التي تربط بين أفراد شرطة الحياة البرية الذين يعملون في المحمية وبين الحيوانات، إذ يقول: كثيراً ما نذرف الدموع، ونحن نشاهد حيواناً يتعرض لخطر، ومهما يكن من شيء لابد أن نوضح أن الحيوانات البرية التي توجد داخل غابات المحمية يمكن حصرها في أصناف مألوفة لكل الناس، وتتمثل في الغزلان بأصنافها الأربعة عشر وهي الباش مات، كتم بور، أب عرف.. الخ.

قليل من الأسود لا يكفي

هذا بجانب عدد قليل من الأسود، الطيور، القرود والجاموس الذي توجد منه أعداد كبيرة تعيش في شكل قطعان تتجول في الغابات الكثيفة تحت حراسة مشددة من أفراد قوات شرطة الحياة البرية الذين يواجهون أخطاراً من عدة جهات من أهمها تربص الصيادين بهم خاصة وأن بعض هؤلاء الصيادين يتسلحون بأشد أنواع الأسلحة فتكاً.

ولكن هناك حيوانات انقرضت تماماً كالزراف، الفيل، وحيد القرن الذي كان شعاراً للسودان منذ تاريخ 1956 وحتى 1969م وتم استبداله بصقر الجديان.

وإن كان الزراف انقرض منذ وقت طويل يرجعه عدد من العاملين في المحمية إلى الثمانينيات، وعلى خطاه سار وحيد القرن، فإن النمر اليوم يترجل على ذات الخطى، وهو في طريقه للانقراض بسبب الصيد الذي يتعرض له في كثير من الأحيان.
محمد عبد الباقي ـ اليوم التالي


بواسطة : admin
 0  0  2875
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:15 مساءً الأربعاء 8 مايو 2024.