• ×

قنصلية جدة ووكالة سفر ..تعليق المعتمرين علي شماعة الوعود

د. أسعد علي :

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية ـ متابعات 

تكبدوا المشاق العظام ليحققوا حلم العمر بأداء العمرة في رمضان وزيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام.. جمعوا تكاليف الرحلة بشق اﻷنفس ابتغاء مرضاة الله والفوز برحمته ومغفرته والعتق من النار.. قضوا مناسكهم في أجواء مفعمة باﻻيمانيات والروحانيات.. وبعد أن فرغوا منها و حمدوا الله كثيراً على نعمه، وجوده عليهم بالعمرة وزيارة نبيه.. توجهوا صوب شركة النقل البحري (باعبود) ليحجزوا للعودة وفي مخيلة كل منهم نسج جميل من الأحﻻم بعيد سعيد يقضيه على أرض الوطن وسط الصحاب واﻷهل واﻷحباب يسامرهم ويحكي لهم عن أرض الحجاز تحفهم في جلساتهم فرحة اﻷطفال بما جلبه لهم من من هدايا وألعاب.. إلى أن اصطدمت أحﻻمهم جميعاً على كاونتر شركة النقل البحري وهي تخبرهم بأن وكالة السفر السودانية التي قدموا عن طريقها لم تسدد قيمة تذاكر العودة! اتصلوا بوكيل السفر وهم متوسمون لكل الخير فيه خاصة وأنهم ﻻزالوا يذكرون وجهه الصبوح المشع باﻻيمان الذي ترتسم عليه لحية دائرية وقورة وعﻻمة صﻻة تزين كامل جبينه من أثر السجود ولسان ﻻ يتوقف عن ذكر الله إلا قليلاً ومسبحة صغيرة ﻻ تكاد تتوقف عن اﻻنسياب بين أصابعه.. رد عليهم رجل اﻷعمال -الشيخ الجليل- صاحب الوكالة بكل لطف ووعدهم -بعد اﻻعتذار- والأيمان المغلظة في نهار رمضان بتحويل قيمة التذاكر فوراً -طبعاً إن شاء الله. وكعادة أهلنا السودانيين وطيبتهم ابتهجوا واغتبطوا واثقين من صدق وعوده.. ساعة بعد ساعة ويوم بعد يوم والعيد يقترب و شركة النقل لم تتلقى التحويل بعد.. دقات قلوب المعتمرين تتسارع وقد طال أمد اﻻنتظار وجوال الشيخ -وكيل السفر ما عاد يجيب على اتصاﻻتهم المتكررة إلى أن أصبحت تجيب عنه فتاة بصوت رخيم.. مكررة على مسامعهم عبارتها الوحيدة (عفواً الرقم الذي تحاول اﻻتصال به مغلق اﻵن.. فضلاً حاول اﻻتصال في وقت آخر.. وشكراً) أدركوا حينها أنهم عالقون.. وأنهم وقعوا ضحية احتيال.. بحثوا في جيوبهم عن قيمة التذكرة -400 ريال سعودي ليتفاجؤوا بقفز قيمتها إلى 1500 ريال نظراً لاقتراب العيد وصعوبة الحصول على حجز! ﻻح لهم في مخيلتهم قارب نجاة يرفع علم السودان عالياً خفاقا.. أﻻ وهو القنصلية العامة بجدة.. كيف ﻻ والسودانيون قد عرف عنهم بطبعهم منذ القدم الكرم والجود والشهامة و إغاثة الملهوف.. فما بالك حين يكون من ينشدون عونه هذا موظف لديهم يصرف مرتبه من أموال الضرائب والرسوم التي يقتطعونها من قوت أطفالهم ويدفعونها لخزينة الدولة بانتظام -وان كان على مضض- كما أن واجب مهنته الذي يتقاضى عليه اﻷجر هو في اﻷصل خدمة السودانيين في الخارج.. المهم حزموا أمرهم وقصدوا القنصلية يحيطهم اﻷمل والثقة ليتفاجؤوا بأبوابها توصد في وجوههم مع اعتذار دبلوماسي لطيف من ذاك الموظف الشاب ذو الملامح الشريرة والصوت العالي وهو يتحجج بأن اليوم هو آخر أيام العمل مذكرا إياهم بتمتع الطاقم الدبلوماسي والموظفين اعتباراً من اليوم التالي بإجازة العيد.. ناقلا لهم تمنيات السفارة لهم بقضاء عيد سعيد! عادوا من حيث أتوا وبداخلهم يأس كبير وألم وحسرة.. يجرون خلفهم أذيال الخيبة والوحدة والصدمة.. يكتمون في أنغاسهم ويصارعون دموع الحرقة التي تحاول جاهدة الانسياب على خدودهم.. وأياديهم تمتشق أمامهم مرفوعة إلى رب السماء تلعن في بني كوز ومن تبعهم أو واﻻهم إلى يوم الدين.. وها هم أمام أبواب باعبود إلى يومنا هذا عالقون..!


بواسطة : admin
 0  0  996
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:22 مساءً الخميس 16 مايو 2024.