• ×

مصطفي اسماعيل ..غاضب من الاقتصاد والاستثمار ولكنه لا يلعب تحت الضغط

وزير من حمائم الانقاذ ..هل تطيحة موجة التغييرات

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الخرطوم ـ (السودانية ) عزمي عبد الرازق

في التاسع عشر من الشهر الماضي وقف الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الاستثمار وحيداً في قبة البرلمان، دون سكرتارية ودون حراسة على طريقة الغفاري.. وقف الرجل كمن يتلو اعترافه الأخير بين يدي البابا، صعق إسماعيل النواب بتقرير سوداوي عن واقع الاستثمار وهروب المستثمرين من السودان، وبلغ به المدى التعزي ببيت الشاعر ابن مطير الأسدي:

ولي كبد مقروحة من يبيعني

بها كبدا ليست بذات قروح؟

كان حال الاقتصاد هو المدخل الرئيس لغضبة الوزير، لكنه في ذات الوقت أسفر عن وجه حزين بخلاف الهيئة الدبلوماسية التي وسمت شخصيته المعروفة بالحكمة والصبر الجميل، ساعتها غصت المدينة بشائعة تقول إن وزير الاستثمار سيودع استقالته لدى رئاسة الجمهورية، ولكن اتضح فيما بعد أنها محض شائعة.

أمس علقت الزميلة (التيار) على صدر صفحتها الأولى خبراً مثيراً باللون الأحمر، الخبر وهو (مين شيت) الصحيفة الأول خط على ذلك النحو: (مصطفى عثمان يغادر غاضباً ويعتكف بالقاهرة)، معلومات الخبر أسندت إلى مصادر مطلعة، حيث أبلغت الصحيفة أن وزير المجلس الأعلى للاستثمار غادر البلاد مغاضباً إلى القاهرة، تفاصيل الخبر تولى رسمها مراقبون حيث اعتبروا الخطوة احتجاجاً شديد اللهجة من الرجل الذي لعب الدور المحوري في عملية الحوار السياسي الشامل، فيما تأتي غضبته بحسب (التيار) إلى النكوص الذي يتهدد التسوية السياسية وهو غير راض عن الطريقة التي عالج بها المؤتمر الوطني عملية الحوار ويعتقد أن هذه الطريقة أهدرت فرصة الوصول إلى تسوية سياسية شاملة. إلى هنا ينتهى متن الخبر..

المعلومة المؤكدة أن مصطفى عثمان غادر بالفعل إلى القاهرة ولكنه لم يسلم اعتراضا مكتوبا للحزب ولم يبد على سيماه الغضب وهو يعبر حواجز مطار الخرطوم برفقة أسرته. وبحسب ما رشح من معلومات لـ(اليوم التالي) فإن مصطفى عثمان غادر إلى القاهرة لظروف خاصة ممارضاً أحد أعزائه القريبين إلى قلبه، الراجح أنها زوجته.

طبيب الأسنان الشهير هو أحد حمائم الإنقاذ فقد ظل يتصدى لقضية الحوار الوطني ويدفع بالآراء المعتدلة ولا يكاد الناس يحتفظون له بعبارات قاسية في وجه المعارضة، بل إنه يحمل وصف مسؤول لجنة الحوار التي شكلها الحزب، ذات اللجنة التي وزعت بطاقات الدعوة للقوى السياسية للمشاركة في الحوار الوطني، وقد كلف الرجل بمجالسة رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي، يسير بمحاذاته في الملعب السياسي ويبذل له النوايا الطيبة، ولربما للعلاقة القوية التي ربطته بالإمام أصبح ملماً بتضاريس الخارطة النفسية لرئيس حزب الأمة، ولكنه في نفس الوقت ظل محاذراً في التعامل مع ملف المؤتمر الشعبي.. إسماعيل اهتدى إلى خطة لعب مع خصومه في (المنشية) حتى ولو انتهت المباراة بينهما بالتعادل السلبي، المهم أنه يتجنب المشاحنات واللعب الضاغط.. وحتى عندما انفجر الخلاف الشهير بين الرئيس والترابي في نهاية التسعينيات كان إسماعيل تنتازعه مشاعر الولاء التاريخي والحفاظ على السلطة، لم يدخل ميدان الصراع ولكنه مضى إلى الساحل وانتظر هنالك قريباً من أمواج البحر الأحمر حتى تنقشع سحابة المفاصلة السوداء التي جثمت على ظهر الإنقاذ. في بورتسودان استخار إسماعيل وتخير البقاء إلى جانب الرئيس البشير..

لو كان صحيحا ما نقل عن غضبته أو انتهى الخبر بتصويب عاجل؛ فإن مصطفى ظل مهموماً بقضية الحوار الوطني مبشراً بها وحاملاً لواءها، ولكن نتيجة للإجراءات الأمنية الأخيرة والتي عدتها المعارضة ردة عن الحريات، فإن مصطفى اختار مواجهة البرود في عملية الحوار بالصمت، وفسر البعض صمته بأنه نوع من الاحتجاج الناعم.

أخطر الأزمات التي واجهها الرجل في مسيرته السياسية هي تصريح شهير نسب إليه ولكنه سرعان ما نفاه، وقد حملت صحيفة (الشرق الأوسط) قبيل أكثر من عام أن إسماعيل أشار بالقول إن "هذه الحكومة عندما جاءت إلى السلطة، الشعب السوداني كان مثل الشحاتين". الصحيفة تلقت رسالة بالبريد الإلكتروني من إسماعيل وأخرى بالفاكس من السفير السوداني بالرياض عبد الحافظ إبراهيم ساعتها إضافة إلى مكالمات هاتفية للإيحاء بأن ما نشر في (الشرق الأوسط) لم يكن دقيقا. وجاء التصويب بأن عبارة مصطفى عثمان كانت على ذلك النحو : "إننا كنا، قبل مجيء الإنقاذ، نقف في الصفوف مثل الشحاتين لنحصل على جالون البنزين وعلى رغيفة الخبز وعلى كيلة الدقيق".. التصريحات الصادمة والتي تنسب للرجل ظلت تطارده أكثر من مرة، وإبان احتجاجات سبتمبر نقل عنه القول: "إن الشعب السوداني تعوّد على الدعة وإنه يصعُب فطامه"، وهو التصريح الذي أنكره أيضاً.

تلك الواقعة وما سبقها تشيران إلى أن مصطفى مأزوم في علاقته بالصحافة رغم الابتسامات المتبادلة، ولأكثر من مرة يضطر الرجل إلى نفي تصريح منسوب إليه، لكن البعض يشير إلى أن الأمين السياسي للمؤتمر الوطني مر بأكثر من منعطف، آخرها أنه كان مرشحاً لموقع نائب الرئيس لشؤون الحزب في مكان البروفيسور إبراهيم غندور، بيد أن التصاريف حطت به في موقع آخر، فضلاً على ذلك فهو يحمل تصورا للحوار لا يتوافق مع تصورات بعض إخوانه، مما جعله يتخذ مساراً مغايراً ربما قلل من ظهوره في الفترة الأخيرة، الشاهد على ذلك أنه عندما تم اعتقال الصادق المهدي قبيل أسابيع وأودع سجن كوبر خرج مصطفى بتصريحات متحفظة على ذلك الاعتقال، تصريحاته حملت نوعا من العتاب المبطن لإخوانه، وبالرغم من ذلك فليس بمقدور أحد أن يتكهن بمصير إسماعيل في المرحلة المقبلة، فهل سيصعد ابن القولد إلى سدة السفينة أم سيلحق بإخوانه الذين حملتهم موجة التغييرات؟
عزمي عبد الرازق ـ اليوم التالي


بواسطة : admin
 0  0  1048
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:58 صباحًا الجمعة 3 مايو 2024.