• ×

يا فرفور لا تفتخر قبل ان يرفع جهاز الامن اياديه عن حقوقنا في الحرية والحياة الكريمة

في رسالة من الفنان والمؤلف طارق الامين ..

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الخرطوم ـ (السودانية ) لقد مرت سنوات طويله ومياه جرت تحت الجسور منذ اخر مره التقينا- كنا ضيوفا فيها معا علي برنامج بإذاعه امدرمان باسم (اوﻻد دفعه )من اخراج اﻻذاعيه المتميزه انعام عبد الله كنا قد طفنا فيه بسنوات الدراسه الجامعيه بجامعه القاهره فرع الخرطوم في ثمانينات القرن الماضي وعلي ايام الديمقراطيه الثالثه -وما امتع الدراسه الجامعيه في العهود الديمقراطيه حيث تشبعنا باحترام الحريات وقبول و احترام الراي والراي اﻻخر وكانت الحريات تتري علي مايرام-ربما هي الزماله وانت ابن الدفعه في دراسه القانون اقول ربما هي التي الهمتني لكتابه هذه الرساله لك- املاً ان تجدك بخير وفي صحه وعافيه -اما بعد

اﻻخ جمال
طالعت قبل ايام حوارا صحفيا لك في صحيفه حكايات الغراء- حوارا اجاب علي كثير من اﻻسئله الساخنه والجريئه وقد كنت فيه واضحا ووضعت نقاطا كثيره علي حروف شتيمما يقتضي اوﻻ تهنئتك علي هذا الوضوح الذي ﻻزم اجاباتك علي اﻻسئله المطروحه في اللقاء- لقد استوقفتني اجابه وددت ان اقف عندها كثيرا ﻻجعلها حجر الزاويه لرسالتي هذه املاً ان تكون نافذه لطرح فني وفكري وثقافي واجتماعي وابداعي متجدد-تلك اﻻجابه التي حملت اقرارا منك بانتمائك الي ضباط جهاز اﻻمن والمخابرات السودانية كما انك تفضلت باضافه انك تفتخر بهذا اﻻنتماء وهذه الوظيفه وبالطبع فان من حقك اﻻفتخار بانتماءاتك لكن من حق الزماله علينا ان نهمس في اذنك جهرا ناصحين ومشفقين راجين منك التكرم بالتمهل قليلاً واﻻصغاء لهذه الرساله قبل الشروع في اﻻفتخار-اذ ربما هي سانحه ملائمه لمراجعه مستمره ﻻدوارنا في الحياه العامه ونحن نسعي بين الناس لتقديم المتعه والفائده عبر اﻻشتغال بفعاليه في انشطه الفنون والثقافه وتقديم الرسائل المجتمعيه الهادفه كدور اصيل اخترناه في مجتمعنا العريض وﻻ نزال.

اﻻخ جمال
لقد ظلت العلاقة بين الفنان والسلطه علاقة يشوبها الحذر والتعقيد والتناقض ﻻختلاف منطلقات كل منها عن اﻻخري- وحتي الفنان اﻻكبر وسيد الشعراء ابو الطيب المتنبئ كان قد توغل في كنهها وتناقضاتها وهو يتقلب بين مدح كافور اﻻخشيدي وهجاءه الي ان استقر علي تباين الممارسه اﻻبداعيه وممارسه السلطه حين قال:

ولولا فضول الناس جئتك مادحا
بماكنت في سري به لك هاجيا
اما ملهم ومؤسس فنون الغناء والشعر السوداني خليل فرح فقد نصح مسامره في احدي نصوصه مشهرا عداوته لحرس السلطان قائلاً:

خبي كاسك ﻻينوبنا ناب اصلو خشم المركز ذئاب
اما بعد وقد جاء حديثك واضحا ﻻلبس فيه وانت تقر وتفتخر بانتمائك لجهاز سلطه الدوله فانها لمناسبه لهذا التداعي من التحاور والتأمل واﻻستدراك
لقد كان لزملائك ضباط جهاز اﻻمن والمخابرات دورا كبيرا في اعاقه وتعطيل مسيره الفنون والثقافه في بلادنا سواء ان كان ذلك في عهد الحكومه الحاليه او سابقاتها
فاﻻمنيون بطبعهم ميالون ﻻن يكون اﻻمن مستتبا وكما قال اديبنا الراحل الطيب صالح (اﻻمن مستتب-تماما كما يهدأ الموتي-)ان اعلي حاﻻت اﻻمن المستتب تتوفر في مقابر الموتي-ربما ﻻحظت معي ان اغلب مكاتب اجهزه اﻻمن في دول عديده ومن بينها السودان تقبع بجوار المقابر-اما الفنون والتي تعد انت احد الناشطين فيها فان فيها من الحيويه والحراك ما يجعلنا نبتعد بها قليلاً من المقابر حين نود اطلاق شرارتها لتشعل الحياه بالحيويه والحراك والفعل الجمالي و اﻻيجابي-ربما يكون هذا مدخل اخر لتفكير وعصف ذهني اخر يبحث في العلاقة بين مفاهيم الفنون ومفهوم اﻻمن-مفهوم اﻻمن الذي يهدف الي المحافظه واﻻبقاء كل كل شئ كما هو ومفهوم الفنون الحراكي الذي يسعي الي التمرد علي الواقع وتحديه وبذر فكره التغيير المستمر-ان مفهومي اﻻمن والفنون في خلاصاتهما يشكلان متضادان متقابلان تماما مثل حالتي الحركه والسكون.

اﻻخ جمال
لقد ظلت العلاقة بين رجل اﻻمن ورجل الفن علاقة يشوبها الشك والطبيعه المتباينه-كثير من اهل اﻻمن في العالم الثالث ينظرون الي الفنون كضجيج وفعل يستلزم الرقابه والريبه ويحتاج الي اﻻحاطه ظنا منهم بما يمكن ان يخل بمفهومهم للامن -اﻻمن المستتب في اعلي حاﻻته-او تماما كما يهدأ الموتي.

لقد برز في عالم اليوم ﻻحداث توازن في خلل مفهوم اﻻمن القديم مصطلح الامن الناعم وما زال يستخدم في كثير من الميادين في العصر الحديث ،وأول ما ظهر هذا المصطلح في بريطانيا في اواخر القرن التاسع عشر وقد كان اول من سبق لبلورة هذا المفهوم جوزيف ناي حيث كتب كتابا في هذا المجال تحت اسم القوة الناعمة (THE SOFT POWER
والعالم يسعي عبر هذا المفهوم الجديد للتخلص من فكره اﻻمن الخشن المتخلفه وان يجعل للامن طاقه ارضائيه مقنعه وخلاقة تجعل من حفظ اﻻمن فعلا اراديا مجتمعيا ذى ابعاد روحيه وثقافيه مشتركه تسود فيها ثقافه التشاركيه المجتمعيه في الحفاظ علي اﻻمن.

لكن كل ذلك ظل وﻻيزال بعيدا عن مفهومنا نحن في السودان للامن حيث ﻻزال السودان ممن يتبعون سياسه اﻻمن الخشن الذي يتغلغل في كل حياه المجتمعات ليعمل في اﻻقتصاد والتجاره منافسا ويقوم بتاسيس الجيوش والشركات التجاريه ضاربا بمهامه اﻻساسيه التي تتوسط في صلب الدستور عرض الحائط-اﻻ وهي مهمه جمع المعلومات وتحليلها وتقديم النصح والتحري بشأنها كما في دستور السودان.

اﻻخ جمال
لقد عرفت بالصدفه ومن خلال هذا اللقاء انك تعمل اﻻن كضابط لذات الجهاز الذي يخالف عمله مقتضيات تاسيسه بموجب الدستور وﻻشك انك كقانوني تعرف كل ذلك ثم اسمح لي ان اذكرك اخي بان الجهاز الذي تعمل به قد توقفت في عهده ﻻسباب امنيه كثير من منابر الثقافه والفنون والتي تعتبر انت بحسب نشاطك الفني من اهلها ولنذكر هنا علي سبيل المثال بعض هذه الدور التي تعطلت بحجج امنيه ﻻترقي لمستوي الحجج القانونيه التي درسناها معا علي ايام الجامعه ومنها:
مركز بيت الفنون الثقافي الخرطوم بحري والذي لم يشفع قرار وزير الثقافه اﻻتحادي كاعلي سلطه ثقافيه في اعادته للعمل مما يشئ بان اﻻمن هو المتحكم اﻻول واﻻخير في عمل منابر الفنون والثقافه وليس وزاره الثقافه وقس علي ذلك ماحدث من تعطيل وايقاف لمركز الخاتم عدﻻن للتنميه البشريه ومركز الدراسات السودانيه وما يحدث لمنتدي شروق بالقضارف وماحدث من اغلاق لمركز سالمه النسوي وكثير مما يحدث من مضايقات لمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي ومنتدي اﻻحبه بشارع النيل-انها نماذج قليله لمنابرتوقفت بفعل اﻻمن وتوقف نشاطها وقد كان حريا بك اخي المدافعه والمنافحه عن منابر تنشط في الثقافه والفكر والفنون وانت تعد نفسك من تلك القبائل لكنك عوضا عن ذلك بادرت باﻻفتخار لجهه تقوم بتعطيل منابر الثقافه والفنون.

اﻻخ جمال
ان كنت مكانك لتعمقت وزملائى في مفاهيم جديده للامن تخرجه من دور القاضي والجلاد الي ممارسه اكثر عصريه وعلميه في سبيل البلاد والعباد
فضلاً ﻻتفتخر قبل ان تطلب من زملائك الضباط ومؤسستهم ان يرفعو اياديهم عن امر الثقافه والفنون ويتركو منابرها ومراكزها الثقافيه ومنتدياتها تقدم خدماتها وبرامجها للناس والمجتمع دون ان يتوجسو منها فالذي يريد ان يحفظ امن الناس والبلد ﻻيخاف- لكن قومك يخشون احتفاﻻت النساء بيوم المرأه واحتفاﻻت اﻻطفال بعيد اﻻم ومطالبه الصحفيين باطﻻق حريه التعبير ويحظرون ويطاردون روايات بركه ساكن وينزلون اللوحات من معارض التشكيل وقد حدث كل ذلك وكنت والمجتمع شهودا عليه.

اﻻخ جمال
ولعلك تذكر اننا قد درسنا معا في كليه( الحقوق) قبل ان نعمل في مجال الفنون -دعنا اﻻن نلتزم بكل حقوق الناس التي تعلمناها هناك ﻻسيما حقوق اﻻنسان وان ﻻننتمي الي جهه اﻻ وكانت تلك الحقوق حاضره في اجندتها فهلا نصحت جهاز اﻻمن الذي تفتخر باﻻنتماء اليه لمراعاه هذه الحقوق وان ينأي بنفسه عن كل مايحدث من انتهاكات للحقوق في السودان-وان تظل كرامه اﻻنسان موفوره ﻻيحط من قدرها اي ظلم او اعتداء او تعذيب-لماذا ﻻتنصحهم اخي بمراعاه حق الصحفيين في الكتابه بحريه وحق التعبير والتنظيم والتجمع والتظاهر بموجب ماهو وارد في دستور البلاد وانت القانوني المدرك لكل ذلك.

اخي جمال
ﻻتفتخر قبل ان تنصحهم بكل ذلك فيكونون اهلا ﻻفتخارك وانت تنفذ رساله القانون والفنون- فلقد تيبست في عهد هذا اﻻمن شرايين الثقافه واﻻبداع واظلمت الليالي وتهدمت دور السينما وذبل نشاط المسرح والتشكيل وتهدجت اصوات الكمان واﻻت الموسيقي حزينه فلا مسرحيات فاخره تبهج النفوس وﻻ اطﻻله حره تمنح الشعور بالحريه والكرامه وﻻ اطفالا يرسمون ويرقصون لفجر قادم في الطريق.

ﻻ تفتخر قبل ان يرفعو اياديهم عن حقوقنا في الحياه الحره الكريمه ويطلقو سراح من اقتادوهم من الناس والثقافه والفنون وﻻ تكن كمن يريدون اﻻمن مستتبا تماما كما يهدأ الموتي فالفنان ضمير شعبه ورفيق المظلومين وليس زينه للحاكمين.
والسلام.

طارق الامين .


بواسطة : admin
 0  0  1567
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:41 صباحًا السبت 18 مايو 2024.