• ×

عبد الجليل سليمان يكتب : القبائل والسياسة ” دحر النظارات” 2

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية/ الخرطوم/ طالبنا في حلقة أمس الحكومة المدنية بإعادة النظر في الدور السياسي للإدارة الأهلية بدحر (نُظارها – رؤسائها) إلى وظائفهم الرئيسة (الاجتماعية)، وفي ذلك على عكس ما قد تبادر إلى أذهان البعض تكريماً لهم، لا تقليلاً من شأنهم، حيثُ إن انخراطهم بصفتهم القبليِّة في العمل السياسي يجعلهم هزواً بين الناس لأن الفعل السياسي اليومي يعرض من ينشطون به إلى النقد والسخرّية والمحاسبة والرفض، وهذا ما لا يتحمله زعيم قبلي تعود على الطاعة العمياء في “المنشط والمكره”، والسياسة لا تتوفر على هذا النوع من الطاعات ولا طاقة لها بذلك، فضلاً عن أنها بنت المدينة والمدنيِّة والتنوع المُتسع بامتياز، فيما القبيلة بنت البداوة والعصبية الضيِّقة والمنغلقة.
ثم إنّ، كثيرين، حتى ممن هم يمارسون الفعل السياسي ومنخرطون فيه حتى أخامصهم، لا يعرفون أن المدينة هي من أنتجت السياسة، والمدينة عند الإغريق هي (بوليس – Polis)، بمعنى الفضاء العام والأنشطة المرتبطة به، واشتُقَّت منها لاحقاً (Police) بمعنى شُرطة؛ وظيفتها ضبط وتنظيم هذا الفضاء المدني وفقاً للقانون، و (Policy) سياسة، ثم تشعبت وتفرعت وتعمقت وصارت إلى المعنى الذي هي عليه الآن بكل تعقيداته وتشابكاته.
وفي السياق هذا، تقول حنه أرندت: ” ”البوليس، بدقة أكثر، ليست دولة المدينة بمكانها الفيزيائي، إنها تنظّم الناس كما تتبدى من خلال مبادراتهم وحديثهم إلى بعضهم، وفضائها الحقيقي يقع بين أفراد يعيشون معاً لهذا الهدف، بغض النظر، في/ ومن أي مكان كانوا”.
إذاً، هناك تناقض كلي، وبون شاسع بين وظيفة السياسة (إدارة الدولة ومؤسساتها) ووظيفة الإدارات القبلية الاجتماعية محدودة الهدف والجغرافية، لذلك فإن من الخطأ والخطل السماح لدور سياسي للقبائل وزعمائها (بصفتهم هذه)، فإذا ما أراد أحدهم أن يلعب دوراً سياسياً عليه التخلي عن (عباءة) النظارة أو العمودية، مثلما على العسكري أن يلقي ببزته جانباً.
وفوق ذلك، وبجانبه، فإن الزعماء القبليين، ليسوا محصنين ضد القانون، خاصة في دولة تدعي إنها تقوم على مبدأ المواطنة المنبني على الحقوق والواجبات والقانون وعدم التمييز على أسس دينية أو عرقية، وله ما لأي مواطن آخر من حقوق وعليه ما عليه من واجبات. لذلك على الدولة مراقبة سلوك هؤلاء الزعماء وعدم السماح لهم بالقرع على طبول الحرب حال لم يسمح لهم بلعب دور سياسي على أساس مناصبهم القبلية، بل وعلى الحكومة أن تُعيد الإدارات الأهلية إلى وظيفتها الطبيعية بحكم القانون، ومن (يفرفر) من هؤلاء سيتولى أمره ذات القانون، ولن يجد أحداً يسانده، فكم من زعيم قبلي كان يدعي إنه قوي الشكيمة وإن مجتمعه المحلي يدين له بالولاء التام، عندما زُج به في السجن، تخلى عنه الجميع ولم يسانده أحد، لذلك فإن هؤلاء يدعون بأكثر مما يملكون على الأرض من دعم ومساندة، ويحاولون ابتزاز الحكومة وإخافتها بأنهم يمتلكون قاعدة جماهيرية مستعدة للتضحية من أجل سواد عيونهم، وهذا كذب وافتراء على الحقيقة.
إلى ذلك، فإنه آن الأوان، وعبر الشرعية الثورية والمدنية والقانون – على حد سواء – لدحر النُظارات والإدارات الأهلية إلى وظيفتها الرئيسة (الاجتماعية)، وحظرها عن العمل السياسي ومحاسبة كل من يشرع من الزعماء الأهليين في إحداث فتن وشروخ بين مكونات المجتمع أو يدق ليل نهار على طبول الحرب، وفي هذه الحالة لن يجد بجانبه أي أحد، فليس لديهم هذا القدر المُدعى من القواعد الجماهيرية، بل العكس ففي الغالب قواعدهم تمقتهم، وتتمنى إزاحتهم، كونهم كانوا يعملون لمصالحهم الشخصية ضمن النظام السابق لثلاثين عاماً، ولم يقدموا لمجتمعاتهم المحلية حتى الكلمة الحسنة – فهم لا يملكون شروى نقير من المعرفة والحكمة والكياسة ليقدموها لمجتمعاتهم، ومن كان يملكها منهم فليقدمها للوطن كله، وإلاّ فهو ناقص المواطنة ولا يستحق الاحترام.

اليوم التالي


بواسطة : admin
 0  0  607
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:23 صباحًا الجمعة 10 مايو 2024.