• ×

الخرطوم..صحيفة : ثورة السودان السلمية تهزم نظام الإخوان.. وهذه (…) الاسباب سر نجاحها

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية/ الخرطوم/ يكمن سر نجاح ثورة السودان الشعبية التي اندلعت في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018 لتتوج انتصارها الكامل في الثاني عشر من إبريل/ نيسان 2019 بإطاحة نظام الرئيس المعزول عمر البشير، في عدة أسباب، أولها: سلميتها التي هزمت الآلة العسكرية والأمنية لنظام جماعة «الإخوان المسلمين» بعنفها وقمعها وجبروتها وتسلطها. ثانياً: شموليتها حيث انتظمت الثورة في كل مدن وقرى وبوادي ونجوع السودان. ثالثاً: وضوح شعاراتها المتمثلة في «الحرية والسلام والعدالة». رابعاً: إجماع الشعب بمختلف فئاته وطوائفه وتصميمه على إنهاء 30 عاماً من حكم«الإخوان» عادت بالسودان القهقري إلى عصور التخلف والاستبداد والفساد المنظم، وانتهت بانفصال جنوب السودان في يوليو/تموز 2011، وتراجعت البلاد في شتى مناحي الحياة، وتشرد أبناؤها في قارات العالم لا يلوون على شيء إلا العودة إلى وطن معافى يتساوي فيه المواطنون في الحقوق والواجبات، وينعمون فيه بالحرية والأمن والأمان، ويتمتعون بما حباهم الله به من ثرواث.

وخلافاً لثورتي 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1964 و6 إبريل/ نيسان 1985 اللتين أطاحتا بنظامي حكم عسكريين، كانت شرارة ثورة 19 ديسمبر الماضي، قد اندلعت في الولايات وتحديداً من مدينة عطبرة، التي كان لقبها الأثير «عاصمة الحديد والنار»، احتجاجاً على انعدام الخبز والوقود، ثم توسعت لتعم أنحاء البلاد، وتطالب برحيل النظام.

لم تكن قضية انعدام الخبز والوقود وحدها هي التي حركت الثوار، بل تراكمات سنوات طويلة من حكم «الإخوان» الشمولي والقمع والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وإهدار موارد البلاد على الأمن والصرف البذخي على مؤسسات النظام ومحسوبيه وتدمير البنية التحتية وتخريب مؤسسات الدولة تحت دعاوى الخصخصة، وتخريب علاقات السودان الخارجية وربطه بأحلاف التنظيم الدولي للإخوان، علاوة على احتكار السلطة، وإشعال نيران الحروب والصراعات في دارفور وجبال النوبة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتعديل الدستور حتى يتسنى للرئيس المعزول البشير الترشح لولاية انتخابية جديدة في 2020.

إحراق دور الحزب الحاكم

كانت الجماهير الغاضبة تدرك أن أساس المشكلة هو «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم الذي يترأسه المعزول، فعمدت إلى إحراق دوره ومقراته في عدة مدن، كانت البداية في عطبرة في 19 ديسمبر، تم انتشرت العدوى الى مدن القضارف، الرهد، وبورتسودان، وتواصلت الاحتجاجات لتشمل مدن دنقلا وكريمة والدامر وبربر والباوقة والزيداب والمتمة وسنار، وشهدت حرق مقار الحزب الحاكم، وظلت دائرة الاحتجاجات تتسع يوماً بعد آخر وتشمل مدناً وقرى نائية كلها تطالب برحيل النظام.

النظام يتخبط..والمخلوع يهذي

ظل النظام يتخبط في تعامله مع الاحتجاجات، فأعلن حالة الطوارئ وحظر التجول في عدة ولايات، وأعلن توقيف «خلية» في ولاية الخرطوم بزعم أنها كانت «تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية». واعتقلت قوات الأمن 15 من قيادات المعارضة، في مقدمتهم رئيس تحالف قوى الإجماع الوطني، فاروق أبوعيسى، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير. وفي أثناء ذلك، ظل رئيس النظام يهذي ويوزع الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال، فتارة يصف المحتجين بالمخربين والعملاء، وتارة يقول إن السودان سيخرج من الأزمة «رغم أنف كل الذين يحاربونه»، وإن «الأمن سلعة غالية، ولن نفرّط في أمن المواطن والمنشآت، والهدف ليس قتل المواطنين».

ومع بداية العام 2019، ولمناسبة الاحتفال بالذكري ال 63 للاستقلال، أصدر البشير قراراً جمهورياً ب«تشكيل لجنة تقصي حقائق حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد».

القفز من السفينة الغارقة

بيد أن الأوان كان قد فات على محاولات الترضية والتعمية، فبدأت لجنة أطباء السودان المركزية، إضراباً عن العمل في 28 مستشفى بعدد من الولايات. وحتى من داخل النظام بدأ البعض متفهما للمطالب الشعبية، فدعا اللواء محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، والذي كان البشير يسميه بكلمة اخرى هي «حمايتي» بدلا من لقبه الذي اشتهر به «حميدتي»، إلى«توفير العيش الكريم».كما بدأت الأحزاب المشاركة في الحكومة، في الأول من يناير، القفز من مركب السلطة الغارق، حيث أعلن 23 حزباً عزمها تقديم مذكرة إلى البشير، تطالب فيها بتشكيل «مجلس سيادة انتقالي لتسيير شؤون البلاد»، و«تشكيل حكومة قومية».

في 22 فبراير، اعتقل جهاز الأمن عدداً من ناشطي المعارضة من بينهم الأمين العام للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب وثلاثة أعضاء بارزين من حزب الأمة، والمتحدث باسم تجمع المهنيين. وفي ذات اليوم، أعلن البشير، حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة عام، وحل حكومة الوفاق الوطني وحكومات الولايات، كما دعا البرلمان إلى تأجيل النظر في التعديلات الدستورية، قبل أن يشكل حكومة جديدة.

6 إبريل..علامة فارقة

شكل يوم 6 أبريل علامة فارقة في تاريخ الثورة السودانية، حيث وجه تجمع المهنيين بتسيير موكب في ذكرى انتفاضة 6 إبريل 1985 التي أطاحت الرئيس الأسبق جعفر نميري، صوب قيادة الجيش لتسليم «مذكرة التنحي» ومنذ ذلك التاريخ ظلت أعداد المعتصمين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة تتجاوز المليون شخص الى أن أعلن النائب الأول للرئيس وزير الدفاع عوض بن عوف يوم الخميس 11 ابريل في بيان اعتقال الرئيس البشير، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي، وبدء فترة انتقالية لعامين، كما أعلن أيضاً إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وحظر التجوال لمدة شهر.

وفي اليوم التالي 12 إبريل، أعلن ابن عوف، التنازل عن منصبه واختيار الفريق أول ركن عبدالفتاح برهان خلفاً له. كما أعلن إعفاء الفريق أول كمال عبدالمعروف نائب رئيس المجلس. كما قبل المجلس العسكري لاحقاً استقالة أربعة من أعضائه هم: الفريق أول ركن عمر زين العابدين، الفريق أول جلال الدين الشيخ الطيب، الفريق أول شرطة الطيب بابكر، والفريق مصطفى محمد، مدير الاستخبارات العسكرية.

فض الاعتصام

في فجر 3 يونيو، وبعد تصاعد الخلافات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، قامت السلطات بمحاولة لإفراغ منطقة كولومبيا التي قالت إنها شهدت ممارسات مخالفة للقوانين الا أن القوات المكلفة بالأمر تجاوزت التفويض وقامت بفض اعتصام القيادة العامة للجيش. وسببت هذه الحادثة قطيعة بين المجلس العسكري وقوى اعلان التغيير. ولم تردم الهوة بين الطرفين الا بوساطة افريقية قادها رئيس الوزراء الإثيوبي آبى أحمد ومبعوث الاتحاد الإفريقي محمد الحسن لبات، حتى تم التوصل في 17 يوليو، إلى توافق بشأن الإعلان عن الاتفاق السياسي لتقاسم السلطة وإقرار الإعلان الدستوري الذى يحدد صلاحيات هياكل الفترة الانتقالية ويمثل الدستور الانتقالي للفترة الانتقالية ومدتها 39 شهراً، ومن ثم في 20 أغسطس/‏‏آب تم تشكيل مجلس السيادة الانتقالي برئاسة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان وضم المجلس 5 عسكريين و6 مدنيين وسيرأسه البرهان لمدة 21 شهراً، على أن يخلفه مدني للفترة المتبقية ومدّتها 18 شهراً.

تجمع المهنيين يقود

التف السودانيون حول «تجمع المهنيين» الذي تأسس بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد في سبتمبر/‏‏ أيلول 2013، إلا أن الإعلان الرسمي عنه كان في أغسطس/‏‏آب 2018 في ظل تعتيم على أعضائه وهيئاته لأسباب أمنية. ويضم التجمع أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والمحامين والصحفيين وغيرهم من المهنيين. تشكل التجمع ليمثل بديلاً للنقابات الرسمية التي كان يسيطر عليها النظام، ومن أهدافه تغيير النظام الحاكم بوسائل سلمية. ومع ازدياد وتيرة الاحتجاجات خلال ديسمبر، وما تلاه من أشهر، ظل التجمع هو القائد الحقيقي للحراك حيث يعلن عن جداول الحراك في المدن والقرى، وفي التوقيت المحدد تخرج التظاهرة في المدينة أو القرية المعنية، الأمر الذي أربك حسابات النظام وأجهزة أمنه، وبدأ النظام حملة منظمة للتشكيك في هذا التجمع ووصمه بأنه تجمع وهمي وخفي لبقايا اليسار تحركه جهات خارجية.

بروز قوى إعلان الحرية والتغيير

تأسّس هذا التحالف العريض الذي يضم أربع قوى أساسية هي:«تجمع المهنيين»، «تحالف قوى الإجماع الوطني»، «نداء السودان»، و«التجمع الاتحادي» المعارض في يناير/‏‏كانون الثاني 2019، واكب التحالف الثورة في كافّة منعرجاتها على مدى نصفِ عام تقريبًا وبحلول إبريل وفي ظلّ تعنت النظام الحاكم حيال مطالب المُحتجين؛ دعمت قوى التغيير العصيان المدني بل نظمت وقادت الاحتجاجات في الشوارع.

قام التحالف بصياغة «إعلان الحرية والتغيير» و«ميثاق الحرية والتغيير» الذي دعا الى إسقاط البشير وتحقيق سلام شامل وعادل وتشكيل حكومة انتقالية لمدة 4 سنوات. واصل التحالف تنسيق الثورة في وجهِ «المجلس العسكري الانتقالي» الذي حكمَ البلاد بعد سقوط نظام البشير، وسير العديد من المسيرات المليونية كان أشهرها مليونية 30 يونيو/‏‏حزيران، ثمّ دخل بعدها في مرحلة مفاوضات برعاية الوساطة الإفريقية مع المجلس العسكري الانتقالي حتى توصّل معهُ في 17 يوليو/‏‏تموز إلى خطة لتقاسم السلطة خلال الفترة الانتقالية.

تحديات تواجه الحكومة الانتقالية

لا شك أن التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية كثيرة ومتشعبة، على رأسها الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي ورثتها من النظام المباد، ووجود اسم السودان على قائمة الدول الداعمة للإرهاب التي جعلت المؤسسات الدولية تحجم عن التعامل مع السودان، علاوة على علاقات خارجية متوترة مع العالم والمحيط الاقليمي حيث كان نظام «الإخوان»يحشر أنفه في شؤون دول الجوار ويسعى الى تصدير نموذجه المتخلف لها.

خمس محاولات انقلابية

ظلت عناصر النظام المباد تسعى بشتى السبل للعودة إلى السلطة، ولجأت الى الانقلابات العسكرية، التي تم احباط خمسة منها في فترة وجيزة كان آخرها بقيادة رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول هاشم عبدالمطلب.

إن قضية وقف الحرب وتحقيق السلام أيضا تشكل أولوية لاستتباب الأمن واستقرار الأوضاع حتى تتفرغ الحكومة الى البناء وتعمير ما خربته الإنقاذ، وفي هذا الإطار تسير الحكومة بخطوات ملموسة لتحقيق السلام عبر معالجة جذور الأسباب التي أدت الى النزاعات والحروب، وفي هذا الصدد، جاءت مفاوضات جوبا لحسم هذا الملف.

ويشكل الاصطفاف الشعبي خلف الحكومة الانتقالية والدعم الدولي والإقليمي والوعود التي تلقتها الحكومة من الولايات المتحدة الأمريكية برفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب بمرافقة الثورة في تحقيق أهدافها تشكل صمام أمان لشعب السودان وثورته المجيدة.

لقد قدمت ثورة السودان درساً بليغاً لجماعات وتيارات الإسلام السياسي في المنطقة بأن القمع والمتاجرة باسم الدين لن تحمي نظاماً فاسداً من السقوط، وأن الشعوب متى ما توحدت تنجح في تحقيق غاياتها والوصول الى أهدافها ولن تنجح الثورات بشعب منقسم.

وأخيراً، فإن محاكمة مدبري انقلاب 30 يونيو 1989تشكل منعطفاً هاماً في تاريخ السودان الحديث، وفي وتاريخ جماعة «الإخوان المسلمين» الملطخ بالدماء، وعلى الرغم من أن هذه الجماعة لم تتعرض لأي قمع في السودان، بل شاركت في النظام الديمقراطي، الا انها لم تحتمل الديمقراطية وأضواءها الساطعة فتآمرت عليها بليل بهيم لتدخل السودان في متاهة استمرت زهاء ال30 عاماً.

لاشك أن هذه المحاكمة الهامة ستفضح زيف شعارات «الإخوان» وتطلعهم الى السلطة حتى ولو على الأشلاء بغض النظر عما سيقدمونه للشعب.

224 شهيداً تخلدهم 60 جدارية

مهر السودانيون ثورتهم بدماء زكية سالت أنهاراً في شوارع الخرطوم وعواصم الولايات والمدن الأخرى والقرى النائية والفرقان، مهراً للحرية والديمقراطية ورفضاً للواقع المأساوي الذي أدخل فيه «نظام الإنقاذ» البلاد.

على الرغم من التضارب في الإحصاءات حول أعداد الشهداء بين الأرقام التي أقرت بها حكومة الرئيس المعزول وقوى إعلان الحرية والتغيير، ثم بين لجنة الأطباء المركزية والسلطة الجديدة ممثلة في المجلس العسكري الانتقالي السابق، فإن 224 شهيداً سجلوا بدمائهم أسماءهم في كتاب ثورة الحرية والعدالة والسلام. تخليداً لذكراهم، حفر مجموعة من التشكيليين صور شهداء الثورة على بنايات العاصمة الخرطوم، ضمن حملة تهدف لتخليد ذكرى «أيقونات الثورة» الذين سقطوا برصاص النظام السابق. ورسم الخطاطون 60 جدارية على أوجه البنايات؛ لتوثيق الثورة، بدءاً من الشهداء الذين سقطوا برصاص الأمن، وانتهاء بالأيقونات التي ألهمت السودانيين والعالم. وانتشر عدد من التشكيليين في شوارع الخرطوم الرئيسية؛ لتلوين جدران البنايات برسومات تعكس كل ما علق بالذاكرة من أحداث أسهمت في اشتعال شرارة الرفض لنظام «الإخوان» الدكتاتوري؛ لتكون شاهده على ما يعتبرونه «أعظم ثورة في تاريخ السودان الحديث».

440 بلاغ فساد ضد رموز«الإرهابية»

ورثت الحكومة الانتقالية في السودان تركة مثقلة من ملفات فساد نظام جماعة «الإخوان» الذي تجاوز كل الخطوط الحمر، وتمدد في كل مؤسسات الدولة وهيئاتها، وأصبح سمة من سمات نظام الرئيس عمر البشير، الأمر الذي جعل البلاد على حافة الانهيار الشامل.

وأتخذ الفساد أشكالاً متنوعة طوال عمر حكم «الإخوان» الذي امتد لثلاثين عاماً، ابتداءً من الرشى والمضاربة في العملات الأجنبية، وبيع ممتلكات الدولة للمحاسيب،وتدمير المشروعات القومية.

على الرغم من أن حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بدأت بفتح تلك الملفات وتقديم المتورطين فيها إلى المحاكم،إلا أنه من غير المنظور أن تتمكن من حصر كل ملفات الفساد خلال ثلاث سنوات،هي عمر الفترة الانتقالية.

وصل عدد البلاغات والإجراءات التي اتخذتها نيابة الفساد ومخالفات الأراضي في مواجهة رموز ومسؤولي النظام السابق،حتى الآن، 440 بلاغاً،على رأسهم الرئيس المعزول البشير الذي كان أول الغيث في ملاحقة فساد نظامه المقبور،بعد اتهامه بالفساد المالي والثراء الحرام،بعد ضبط مبلغ 6,9 مليون يورو ونحو 351 ألف دولار و5,7 مليون جنيه سوداني في منزله.


بواسطة : admin
 0  0  520
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:37 صباحًا الخميس 16 مايو 2024.