• ×

اكتشافات جديدة في عوالم "الكابلي" قد لا تعرفها

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية يأتي الحديث في هذه المساحة عن هرم من أهرامات الغناء السوداني، وأعمدته التي يتكئ عليها، فهو الفنان والشاعر والملحن والمحاضر الجامعي والمثقف والفيلسوف والأديب، والإنسان قبل كل شيء؛ عبد الكريم الكابلي.في اليوم الثالث عشر من شهر إبريل من عام ١٩٣٢م أشرقت شمس بور تسودان على وجهٍ صبوح ممتلئٍ بحب الحياة وحب الناس والوطن، ليكون إمتداداً لوالده المثقف والأديب والفنان وأحد رموز مدينة بور تسودان عبد العزيز الكابلي.
أما والدته فهي كريمة الشريف أحمد محمد نور زروق، وهي من الأسر التي وفدت من منطقة مكة المكرمة، وأنشأوا الخلاوي لتعليم القرآن الكريم.
والحديث عن أسرة الكابلي خاصة والده المولود في بورتسودان عام ١٨٩٨م، بعد أربع سنوات من استيلاء المهدي على الخرطوم، وهو شاعر وأديب، ويحفظ كثيراً من أعمال شكسبير عن ظهر قلب، وهكذا فإن تفرد ابنه وتعدد مواهبه أمر طبيعي.
عبد الكريم الكابلي أضاف أبعاداً جديدة في تاريخ الأغنية السودانية لحناً وشعراً وغناءً، فهو يعرف كيف يوائم بين هذه التراكيب التي تشكل الأغنية، ويختارها بتُؤدة وتأنٍ لتتوافق وطبيعة الأفكار التي يؤمن بها.
هناك فنانون سودانيون حملوا راية الغناء السودانية في محطات دولية، وفي المرة السابقة تناولنا سيد خليفة وغيره كثيرون ممن سنفرد لهم مساحات قادمة، لكن الكابلي يعتبر سفير الأغنية السودانية الأكبر، لأنه أعطى التراث جزءا كبيرا من حياته.
وليس هذا فحسب، بل إنه صار محاضرا عن هذا التراث السوداني في عدد كبيرٍ من الجامعات الأوروبية، ولأنه كان متحدثًا لبقًا صار ضيفا مهما على الإذاعات والقنوات العالمية خاصة هيئة الإذاعة البريطانية (bbc).
وفي استقصاء أثر الأنغام السودانية والسعودية والأجنبية ومساهمتها في تكوين الكابلي الفنية، يرى صاحب موسوعة (من تاريخ الغناء والموسيقى في السودان) معاوية حسن يس أن الأمر يعود إلى طبيعة بور تسودان ومينائها الذي لا يخلو من الأجانب.
ويقول الكابلي عن تكوينه الفني كما جاء في الموسوعة: ” تفتحت مداركنا على ما تبثه إذاعة أمدرمان، وكنتُ في صغري أطرب كثيرا للفنان عبد الدافع عثمان، ثم افتتنت وقتا طويلا بالتاج مصطفى.. وما لبثتُ أن اكتشفتُ روعة أصوات الفنانين حسن عطية، وأحمد المصطفى، وإبراهيم الكاشف، ومحمد عوض الكريم القرشي”.
سنتجاوز كثيرا من المحطات المهمة في حياة الكابلي لندلف مباشرة إلى حياة المثقف القلقة وروحه المتمردة، وعدم مقدرة الناس على التكهن بما يمكن أن يقوم به هذا المثقف كما أوردنا في قراءة سابقة لكتاب المثقف والسلطة لإدوارد سعيد.
ولكن قبل ذلك لا بد أن نشير إلى قصة مهمة في حياة الكابلي وعلاقته بالمبدعين السودانيين، فقد أعطى عددا من الفنانين أغنيات من تأليفه وألحانه من بينهم إبراهيم عوض وغيره كثيرون…
ولكن هنا أورد لك عزيزي القارئ قصة أغنية (يا زاهية) التي غناها الرائع عبد العزيز محمد داوود وهي من كلمات وألحان الكابلي، وهذا ما أفاد به لبرنامج أسماء في حياتنا الذي يقدمه عمر الجُزلي.
يقول الكابلي إنه كتب (يا زاهية) ووضع لحنها وهو لم يلج عالم الغناء بعد، وكان أبو داوود في تلك الأيام (طالع الكفر)، وكان للكابلي خال تجمعه صداقة بأبي داوود، فعندما عاد هذا الخال من لندن قال له الكابلي أريد أن أسمعك أغنية جديدة لأبي داوود وأسمعه الأغنية فأُعجب بها إعجابا شديدا…
وفي تلك الأثناء أخبر خاله بأن تلك الأغنية من تأليفه وألحانه ويريد أن يتغنى بها أبو داوود، لأن صوته (ما حلو)، وفعلا ذهب برفقة خاله، فافتتن أبو داوود بالأغنية التي صارت من خوالد الأغنية السودانية.
بالعودة إلى الكابلي المثقف فنجد أنه مثقف لا منتمي، وهذا نجده في واحد حواراته الصحافية فيجيب عن سؤال الانتماء لحزب أو جماعة قائلا:
” أنا ضد التحزب بشكل مطلق، في أي لون من ألوانه. إنني أتمزق من هذه الصراعات التي تجري أمام عيني الآن… السياسة ضيقة للغاية بالنسبة إلى رؤية الفنان الذي أتصوره…”
وفي سؤال آخر عن هجرته الشهيرة إلى السعودية، وسبب تلك الهجرة، يقول الكابلي:
” الغالب على القرار إحساس بالضيق.. وللتعبير عن هذا الضيق كانت الهجرة، فما معنى أن يهاجر فنان ليعمل في وظيفة لا صلة لها بفنه من قريب أو من بعيد…
ويضيف: ” وليس بالضرورة أن أكون قد تعرضت لضيق، أو مضايقات بصفة شخصية مباشرة، فقد كان يؤرقني كل ليلة الضيق الذي يعيشه أهلي في كل مكان، الناس حولي جياع، فكيف أهنأ بلقمة وأنا الفنان؟
ويشير الكابلي إلى أن الناس ما كانوا يستطيعون تعبيرا عما حاق بهم، بينما تنطق الإذاعة والتلفزيون بأشياء مختلفة تماما عن الحقيقة…
وحتى نضع القارئ في الموقع الصحيح فإن الحوار كان يتحدث عن نظام نميري وهجرة الكابلي في عهده، لكننا نجد أن الكابلي هاجر إلى واشنطن في هذا العصر هجرة قال عنها كثيرون إنها نهائية..
لأن الكابلي يرى أن الأنظمة الديكتاتورية تحيل نهار المبدع إلى ظلامٍ دامس كما ذكر في ذات الحوار، ويقول: أحيانا أتلقى خطابات من طلبة جامعيين بها أخطاء مدهشة ومحيرة بالمقارنة مع ما كان سابقا، حتى صحافتنا اليوم لا تخلو من أخطاء.
والكابلي عبارة عن سيرة عطرة تنفح أنوف من يتحلق حولها بالشذى والعبير، أعاده الله إلى وطن لا يحيل نهار المبدع إلى ظلامٍ دامس.

المصدر: خرطوم ستار/ نصر الدين عبد القادر


بواسطة : admin
 0  0  1816
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:57 مساءً الجمعة 26 أبريل 2024.