• ×

مني مجدي حوكمت بصور فاضحة في هاتفها ..محتويات الجوال تحت نظر النظام العام

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية عبد الحميد عوض

تبدو الهواتف المحمولة أو النقالة أو الذكية اليوم أشبه بأرشيف شخصي يحتوي صورنا ومعلومات نعدّها شخصية. لكنّ الخصوصية التي تُمنَح لتلك الهواتف معرّضة إلى الانتهاك في السودان، وهذا ما يُسجّل أخيراً.

قبل أسابيع، تداولت تقارير صحافية سودانية أنباءً عن حكم قضائي صدر في حقّ المطربة المشهورة منى مجدي سليم التي كانت تشارك في حفل غير مرخّص بأحد أحياء الخرطوم، بحسب ما يشير الادعاء. لكنّ قائمة الاتهامات شملت نقاطاً أخرى. واللافت كان تفتيش هاتف المطربة المحمول واستخراج صور منه قدّر القاضي بأنّها فاضحة ومخلة بالآداب. بالتالي، عاقبت المحكمة المطربة بالجلد 10 جلدات إلى جانب غرامة مالية.

يعيد ذلك الحكم إلى الأذهان قصصاً - ليست قديمة - لأحكام مماثلة ضد سودانيين تمّ تفتيش هواتفهم المحمولة وأُرغموا على فتحها قبل تفتيشها، في إجراء يضعه كثيرون في خانة الانتهاك الصارخ لمبادئ الخصوصية. ومن تلك القصص ما جرى مع الصحافي مصعب الهادي الذي كان يعمل في صحفية "التيار" السودانية، والذي ذهب في عام 2016 إلى مناطق التنقيب عن الذهب بشمالي السودان، بغرض إجراء تحقيق صحافي عن تضرر الأهالي من جرّاء عمليات التنقيب عن الذهب الذي تنجزها شركات عدّة وعن مخلفاتها التي تتسبب في أضرار بيئية وأخرى صحية على الإنسان والحيوان على حد سواء.

بدأ الأمر حين شرع الهادي في جمع المعلومات وتوثيقها بالصور. ويخبر "العربي الجديد" أنّ "أحد رجال الشرطة طلب منّي عدم التصوير، وحينما امتنعت بحجة أنّني صحافي ومن حقي القيام بذلك بموجب الدستور والقانون، جرى توقيفي واقتيادي إلى قسم للشرطة في منطقة البرقيق". يضيف أنّ "الإجراء الأوّل الذي اتخذ في حقّي هو مصادرة هاتفي الشخصي مني وتفتيشه. وبعد ذلك، سُجّلت ثمانية بلاغات ضدّي، من بينها الاحتفاظ بصور فاضحة ومخلة بالآداب. قضى قرار القاضي بجلدي 40 جلدة وتغريمي 600 جنيه سوداني (تعادل نحو 100 دولار أميركي حينها)، إلى جانب مصادرة بعض مقتنياتي لمصلحة الحكومة السودانية". ويشير الهادي إلى أنّ "تفتيش هاتفي أصابني بأضرار نفسية بالغة، لما فيه من انتهاك لخصوصيتي وتطبيق خاطئ للقانون واستغلال للنفوذ. وقد مثّلت الحادثة بمجملها صدمة حقيقية لي". ويشرح: "ذهبت إلى هناك من أجل نقل مشكلة يواجهها المواطنون للرأي العام، فكان ذلك جزائي. والحكم الذي صدر هو وحده الذي قدّر أنّ الصور فاضحة، ذلك لأنّ نصوص القانون فضفاضة ولا تستطيع التحديد بصورة واضحة ما هو فاضح أو ما هو مخلّ بالآداب العامة".

تقول الناشطة الحقوقية تهاني عباس لـ"العربي الجديد" إنّ "السبب الرئيس لتوسّع دائرة تفتيش الهواتف المحمولة ومحاكمة البعض على خلفية محتوياتها، هو قانون النظام العام المعيب الذي أصاب كثيرين في المجتمع السوداني بالرعب". تضيف أنّ "أصوات مناهضيه المطالبين بإلغائه قد بُحّت، وكذلك أصوات مناهضي المادة 152 سيّئة الذكر من القانون الجنائي". وتشير إلى أنّ "هذا القانون وتلك المادة أريد بهما الحطّ من كرامة الإنسان السوداني والإبقاء عليهما كسيفين مسلطين على رؤوس الجميع". تضيف عباس أنّ "ناشطين كثيرين تعرّضوا لانتهاك خصوصيتهم، سواء من خلال تفتيش هواتفهم أو غيرها من أجهزة إلكترونية يملكونها، بما في ذلك الحواسيب. وقد قُدّم بعضهم إلى المحاكمة كنوع من انتقام".

وتتابع عباس أنّه على الرغم من زيادة الوعي حول الحقوق الأساسية للإنسان ومن ضمنها عدم انتهاك خصوصيته، فإنّ المجتمع يحتاج إلى وعي أكبر للتعامل مع ذلك، من خلال إجراءات قانونية يتّخذها أمام نيابة جرائم المعلوماتية ضدّ أيّ رجل شرطة أو وكيل نيابة يقومان بتفتيش هاتف شخصي، وذلك بموجب قانون جرائم المعلوماتية الذي يمنع انتهاك الخصوصية كلياً".

من جهته، يقول المحامي معز حضرة لـ"العربي الجديد" إنّ "دستور السودان متطوّر ويحتوي على مبادئ تحفظ نظرياً حقوق الإنسان، وتحول دون انتهاك خصوصيته"، معرباً في الوقت نفسه عن "أسفي للهزيمة التي يُمنى بها الدستور من خلال الممارسة العملية اليومية، ومن بينها حملات تفتيش الهواتف المحمولة للمتّهمين في بلاغات مختلفة. بذلك، يكون من الممكن مصادرة الهواتف المحمولة وتفتيشها بواسطة الشرطة ووضع تقارير بشأنها ورفعها أمام النيابة التي تقدّم بعض أصحاب تلك الهواتف إلى المحاكمة". ويشدد حضرة على أنّ ذلك "يخالف صريح الدستور والقانون، لأن أيّ تفتيش في ممتلكات شخصية لا يجب أن يتمّ إلا بإذن من النيابة أو القضاء"، مشيراً إلى أنّ "الأدلة التي يُستحصَل عليها بطريقة غير مشروعة ينبغي على القضاء عدم الأخذ بها في الإثبات واستبعادها مباشرة".

ويوضح حضرة أنّه "من غير الممكن ملاحقة رجال الشرطة الذين يأتون بذلك الانتهاك الصريح والواضح، بسبب الحصانات التي يتمتعون بها"، مشيراً إلى أنّ "الأمر برمّته في غاية التعقيد والصعوبة ومردّه الاختلال في عدم الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية بالإضافة إلى غياب دولة القانون". ويدعو حضرة "السلطة التشريعية في البلاد إلى القيام بدورها كاملاً من خلال رفض تلك الممارسات جملة وتفصيلاً".

تجدر الإشارة إلى أنّ قانون النظام العام يلقى دفاعاً مستميتاً من قبل الحكومة بحجة ضرورة وجود ضابط قانوني للسلوك الخاطئ في الشارع العام. كذلك يجد القانون دعماً من قبل جماعات دينية ترى أنّه يحدّ من التفلّت المجتمعي. وفي هذا السياق، يقول الأمين العام لهيئة علماء السودان، إبراهيم الكاروري، لـ"العربي الجديد" إنّ "المطالبات بتعديل قانون النظام العام أو إلغائه ممكنة بشرط أن يتمّ ذلك بصورة موضوعية وبموجب إحصاءات دقيقة بعيداً عن التكسّب السياسي الذي تمارسه بعض الجماعات ضد القانون". يضيف الكاروري أنّ "كل المجتمعات في العالم، حتى في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، تعتمد قيماً وأعرافاً مجتمعية في سنّ قوانينها التي توازي ما بين الحرية الشخصية وحقّ المجتمع، مثل ما يفعله السودان". لكنّ الكاروري يوافق على فكرة أنّه "بحسب الشريعة الإسلامية، لا يمكن تفتيش المنازل أو تسوّرها أو تفتيش الهواتف الشخصية أو التجسس عليها وعلى كل ما هو ذو خصوصية، إلا بموجب أذونات قضائية أو من قبل الجهة التي يحددها القانون".

العربي الجديد


بواسطة : admin
 0  0  2872
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 10:31 صباحًا الثلاثاء 14 مايو 2024.