تفاصيل قضية "مصاصي الدماء" ..العثور علي 9 جثث في منزل السفاح

السودانية تحقيق: محمد يوسف إبراهيم
برزت على السطح قبل سنوات ظاهرة خطيرة وغامضة وغريبة في نفس الوقت أرقت مضاجع المواطنين والحكومة معاً، خاصة على تخوم ولايتي غرب ووسط دارفور، وتتمحور الظاهرة حول سحب الدم من المواطنين بطرق غريبة أشبه بطريقة “مصاصي الدماء” مما أدى الى موت العديد منهم، فضلاً عن اختفاء آخرين في ظروف غامضة، وقد عرفت الظاهرة بين أوساط الأهالي (بالأمقجامة) نسبة لأن الشبح القاتل الذي يسحب الدم يترك أثراً واضحاً في الجنب الشمال لعنق الضحية، (الأخبار) وقفت على الظاهرة وكشفت خيوطها حيث ظلت تتابع مجرياتها منذ العام 2012م وحتى اليوم، وذلك بعد استطلاع رأي المواطنين وبعض المسؤولين، وقد اتفق الجميع بوجود الظاهرة ولكن لا أحد يعرف كنهها، غير أننا هذه المرة سنورد معلومات جديدة تكشف لأول مرة عن الظاهرة وذلك بعد أن تم القبض على السفاح الذي ظل يرعب الناس طيلة الفترة الماضية، وبالقبض عليه تكون الأجهزة الأمنية والشرطية قد أماطت اللثام عن أكبر جريمة قتل وأكثرها بشاعة ارتكبت في حق الأبرياء في ولايات دارفور.. (الأخبار) من خلال هذا التحقيق الاستقصائي تكشف الغموض عن الظاهرة بشكل كامل لتحسم بذلك حالة الجدل بين كافة الأطراف الرسمية والشعبية، وسيتم ذلك عبر عدة حلقات، مصحوبة بالصور.
الغموض سيد الموقف
ما زالت الجريمة يكتنفها الغموض ولا أحد يعرف من الذي يرتكبها وفي كل مرة تظهر ضحية جديدة خاصة في مناطق جميزة بابكر بغرب دارفور وأم جكوتي بوادي صالح مما جعل عدداً من الأسر تترك مناطقها بالقرى النائية وتحتمي بالمدن، وفي ذات الوقت بدأ الاهتمام للظاهرة يتنامى، الشيء الذي أدى إلى انحسار الظاهرة في مناطقها الأساسية ووقوعها في أماكن أخرى بعيدة ومغايرة تماماً لزوم التمويه وتشتيت الانتباه، لكن وفي تلك الأثناء بدأت تظهر حوادث أخرى جديدة بمناطق غرب دارفور خاصة منطقة مورني شرق مدينة الجنينة حوالي 30 كيلو وهي إحدى الوحدات الإدارية التي تتبع لمحلية كرينك شرق الولاية، والحوادث تتمثل في اختفاء أشخاص بصورة غير طبيعية من النساء والرجال، وكان البعض يعتقدون أن المختفين ربما نزحوا والتحقوا بمعسكرات النزوح أو تركوا المنطقة وتحولوا الى مناطق أخرى، الا أن أعداد المفقودين ظلت في تزايد يوماً تلو الآخر، وكذلك ظل الغموض هو سيد الموقف الى أن جاءت لحظات كشف الحقيقة وإزاحة الستار عن الكابوس الذي أرق الأهالي كثيراً..
اختفاء أشهر الجزارين بمنطقة مورني
تفاجأ سكان منطقة مورني بانضمام أحد أشهر الجزارين بالمنطقة الى قائمة المفقودين وهو الجزار صالح يوسف والذي فقد يوم 7/5/ 2017 حيث خرج صالح الى عمله ولم يعد بعد ذلك وظل مفقوداً لمدة 7 أيام متتالية مما جعل أسرته تقوم بتدوين بلاغ بقسم شرطة مورني بتاريخ 7/8/2017 بفقدان المواطن صالح يوسف حيث بدأت الأجهزة الأمنية في البحث عن المفقود وبجمع المعلومات والأدلة التي قد توصلهم الى رأس الخيط، وقد تم استجواب عدد من أصدقاء الجزار صالح المفقود ومن ضمن أصدقائه شخص يسمى الشيخ إسماعيل تيراب، بعد التحقيقات الروتينية تم إطلاق سراح المستجوبين جميعاً لعدم كفاية الأدلة، وظلت الأجهزة الأمنية والشرطية تتابع عملها وتجمع معلوماتها علها تجد الجزار المفقود أو تعثر على دليل يوصلها الى ذلك.
جثة مجهولة تحت كبري مورني
في شهر 10 / 2017 تم العثور على جثة مجهولة الهوية متحللة ملقاة تحت الكبري الرابط ما بين طرفي المنطقة بوادي أزوم، عثر عليها رعاة الأبقار شرق المنطقة وتم إبلاغ الشرطة بذلك وإخطار ذوي المفقود صالح الذين فشلوا في التعرف عليه لأن الجثة كانت قد تحللت تماماً، قامت الشرطة والمباحث باستجواب أصدقاء الفقيد صالح للمرة الثانية، الا أنهم وجدوا أن أحد أصدقائه الذين تم استجوابهم في المرة الأولى اختفى، وكان قد أُخذت أقواله وهو إسماعيل محمد تيراب، وعند البحث عنه تأكد لهم بأنه غادر منطقة مورني بعد الاستجواب الأول مباشرة، هذا الاختفاء فتح شهية المباحث في أخذ الأمور بجدية ورفع درجات اليقظة وبالتالي تشديد البحث عن إسماعيل وجمع المزيد من المعلومات عنه وقد تأكد للمباحث بأن إسماعيل غادر المنطقة متجهاً الى “أم شالايا” ومنها الى محلية كرينك شرق ولاية غرب دارفور 27 كيلو من مورني حيث تمت متابعته لكن لم يتم العثور عليه.
تجهيز تيم للملاحقة
تحرك تيم من حاضرة الولاية الجنينة مكوناً من عدد ستة أفراد للقيام بمهمة البحث بصورة مكثفة، مستغلين سيارة إسعاف لزوم التمويه وبعد جمع المعلومات توصل التيم الى أن المدعو إسماعيل يسكن داخل معسكر سلوما بمورني دخل التيم الى المعسكر باعتباره من جهة صحية لتقديم العلاج بالمعسكر، بعدها تم وضع خطة مزدوجة لمراقبة الطرق الداخلية والخارجية للمواصلات، وأخيراً تم إلقاء القبض على المدعو إسماعيل تيراب أو (الصندوق الأسود حيث كان على متن عربة مواصلات من الجنينة الى مورني.
من هو إسماعيل محمد تيراب
سوداني الجنسية من منطقة أروم، جنوب غرب منطقة مورني، على بعد 4 كيلو و56 متر ولد في العام 1961 نشأ بمنطقة زالنجي، وترعرع خارج السودان تحديداً جنوب أفريقيا، يعمل ميكانيكي وابورات مياه وطبيب أعشاب في ذات الوقت ويدعي أنه مزارع، يعمل بالشعوذة والدجل والسحر، يسكن منطقة مورني في المنتصف في معسكر سلوما الذي يعتبر من أخطر المعسكرات حسب التصنيف، يقع جنوب غرب مورني يحيط به من الجنوب جبل مورني، ومن الشرق ميدان الحرية ومن الجهة الجنوبية الغربية جبل مدريد، منزله من المواد البلدية الحطب والقش به قطية وراكوبة وكرنك.
مرحلة الاستجواب
بعد القبض عليه استوجب استجواباً استدراجياً، للتعرف على مكان سكنه بدقة، ووضع الحراسة، وتم الذهاب الى منزله من قبل تيم المباحث، وعمل اللازم من تفتيش ومسح خارجي ومن ثم الدخول الى المنزل، حيث تم العثور على والدته العجوز واثنين من بنات أخواته، كما تم تصوير المنزل بالكامل، كل ذلك تم تحت ساتر تجارة الدواء والعلاج، وعند سؤال التيم والدته عنه أكدت بأنه خرج منذ شهر ولم يعد حتى الآن، تم استجوابه ثانية وعند الاستجواب سئل عن صديقه صالح الجزار المفقود، لكنه أنكر معرفته أي شيء عنه وأنه لم يسمع عنه أي خبر منذ اختفائه، الا أن المباحث أكدت له بأنها تمتلك أدلة دامغة ومعلومات تفيد بأنه يعرف مكان صالح، لكنه لم يبدِ أي اعتراف، قام أفراد المباحث بعرض صور فيديو من داخل منزله ووالدته وبنات أخواته، وأكدوا له بأنهم عثروا على جثث بشرية بمنزله، انهار إسماعيل فوراً وجلس على الأرض، لكنه أنكر وقال أنا ليست لدي جثث بالمنزل الجثث بالمقابر، الا أن المباحث أصرت على أن الجثث توجد بالمنزل ومنها جثة صالح، لكنه قال لهم جثة صالح يمكن أن تكون تلك التي وجدت متحللة تحت الكبري، لكن إصرار المباحث أدى الى اعترافه بالكامل وكانت المفاجأة.
المفاجأة
مصادر (الأخبار) روت لها بأن المتهم إسماعيل فعلاً كان يتعامل مع السحر والدجل والشعوذة والجنون وكاد يستحوز على عقولهم ويسحرهم لولا تدخل المساعد زكريا موسى الذي لديه خبرة طويلة في مجاله، حيث كان المتهم يقوم بتصرفات غريبة جداً مثلاً، كان يستخرج لسانه بصورة غير عادية، ويضم يديه بتشابك أصابعه، ثم يوجهها نحو المتحرين، وكان يدلك وجهه بشكل مخيف، حيث كان رجال المباحث لا يستطيعون الحديث معه، إلا بعد أن أخافه أحد الأفراد وأمره بعدم التحرك أو استخراج لسانه أو القيام بأي أفعال.
تفتيش منزل المتهم
ذهب تيم من المباحث لتفتيش منزل المتهم، حيث وجدوا به أشياء غريبة جداً تستخدم في عمليات الشعوذة، من عروق، وعظام معلقة ووجدوا عظماً لفخذ بشري يرجح أن يكون لطفل، كذلك عثروا على قوارير مليئة بمواد مخلوطة عروق وحبوب وورق، وعثروا كذلك على قرن خروف يستخدمه المتهم في حالة الزنقة والضيق فينفخ على القرن لإثارة الإعصار أو الغبار ومن ثم الهروب، وكذلك عثر على بقايا دماء، كذلك عثر التيم على كميات من معدات الحفر، كواريك وطوارئ وحفارات من السيخ، وكمية من ملح اليود، وكمية كبيرة من علب مبيد الحشرات البف باف كانت فارغة تقدر بحوالي، 350 – 360 علبة وعثر كذلك الى عدد اثنين مشرط وكمية من المخدر، وكمية من الترامدول، والخرشة، جزء منها مخلوط والجزء الآخر مكيس.
تفتيش فناء المنزل
عند تفتيش المنزل وجد المباحث ما لم يتوقع أبداً، حيث عثروا في الحمام على حفرة برميلية بها جثث، كشفت الحفرة عن طريق غرس السيخ وهي طريقة يكشف بها عن الجثث، وبعد غرس السيخة وجدت آثار غريبة وريحة كريهة، تم حفر المكان جيداً فوجدوا أجزاء بشرية ركبة وساق، وبعد التأكد من الأمر وتصويره، وضعت حراسات في الموقع، وأعيد دفن الحفرة، وعاد التيم اليوم الثاني ومعه لجنة تقصٍ مكونة من كل الأجهزة الأمنية الشرطة والاستخبارات وجهاز الأمن والمخابرات، بحضور المتهم، وبدأ التيم في إتمام التفتيش حيث عثروا بداخل الحفرة البرميلية على جثتين الأولى كانت لمساعد طبي بمنطقة مورني يسمى مصطفى كان صديقاً حميماً للمتهم، أما الجثة الثانية فكانت للجزار المفقود صالح يوسف، بعدها أرشد المتهم على بقية أماكن الجثث، وأصحابها وكلها دفنت داخل المنزل، قامت اللجنة بوضع ديباجات وعلامات من ورق البوستر كتب عليها أسماء القتلى، وكل ذلك بإرشاد من المتهم، حيث بلغ عدد الجثث المكتشفة (9) جثث.
الفحص والطب الشرعي
طلبت إدارة المباحث إرسال تيم من الفريق الطبي لإكمال الملف، وفعلاً خاطبت وزارة الصحة بالولاية الطبيب الشرعي عقيل سوار الدهب الذي حضر الى الولاية على رأس تيم ضم عدداً من الأطباء والمختصين إضافة الى الأدلة الجنائية والمباحث، حيث تم نبش الجثث، بواسطة التيم الصحي، وإجراء الفحص الطبي وأخد عينات مرقمة من جزء من الأعضاء لتحديد النمط الجيني الـ((DNA، وكان ذلك استناداً على البلاغ بالرقم (353) تحت المادة (130) من القانون الجنائي السوداني.
الأخبار