• ×

عثمان ميرغني : (التيار) في (مملكة الشحاتين)

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية في الصفحة الأولى اليوم، وصفحة 3 تجدون تفاصيل تحقيق استقصائي صادم.. هو حصاد تجربة مثيرة ومخاطرة أنجزها صحفيان من (التيار) الأستاذان عبد الله الشريف وعمار حسن.. غاصا متنكرين بثياب متسولين.. في أعماق (مملكة الشحاتين) كما أسميناها..

لولا أنَّ ما يرويانه في التحقيق هو رؤية شاهد عيان.. ومتسول حقيقي في الشارع العام لما صدقنا ما أتيا به.. مؤسسة تعمل بمنتهى النظام والانضباط.. وبتراتبية هيكلية.. قيادات ميدانية وأخرى وسيطة وفوقها قيادة عليا تدير نشاطاً كبيراً ومعقداً وأموالاً طائلة، تنهمرُ من جيوب الشعب السوداني المحسن المتفاعل والمتكافل..

هذا التحقيق ليس دعوة لقبض اليد ومنع الإحسان للمحتاجين.. لا.. بل هو إضاءة في قلب عالم مجهول قد يتسببُ في ضرب الأسرة السودانية في مقتل، خاصة الأطفال الصغار الذين يجدون ما يحصلون عليه من التسول أفضل ألف مرة، من وجع القلب والدماغ في مقاعد المدرسة بمصروفاتها العسيرة.. تخيل طفلاً يلتقطُ من التسول في الشارع يومياً حوالي (300) جنيه (300 ألف بالقديم).. رزق مجاني سهل.. لماذا يعود إلى المدرسة؟ وحتى بالنسبة لأسرته لماذا تتكفلُ بمصروفات الدراسة والوجبات والترحيل؟ إن كان في وسعها تحويل طفلها إلى أداة لجمع المال السهل الوفير..

أنا أدركُ أنَّ الحكومة غير معنية بالأمر لأنها (ملهية) في مشاكلها المتراكبة.. حتى ولو تراصت صفوف المتسولين في كل الشوارع.. فيكون أول ما يلحظه أي زائر أجنبي في شوارع عاصمتنا كثرة المتسولين وشدة بأسهم وإلحاحهم بمختلف الصور.. ومن ثقب الباب يرى الأجنبي صورة أخرى للشعب السوداني.. صورة تنقضُ تماماً ما ندعيه من عفة وكرم ونبل..

صحيح في كل مجتمع طائفة من المعوزين المقهورين الباحثين عن يد المساعدة.. لكن هنالك فرقاً بين من يمد يده عن فقر حقيقي.. ومن يستثمر في التسول.. فالأخير لا يأخذ أموال الناس بالباطل فحسب.. بل يحرم من هم في أمس الحاجة إليها، علاوة على تعطيل طاقته وحرمان نفسه من أن يكون منتجاً يساهم في دفع حركة المجتمع ما أمكنه..

دعونا.. في سياق معالجة هذه الظاهرة.. نبحث عن الأولويات.. فلنبدأ بإنقاذ الأطفال أولاً.. لا يعقل أن نرى ما تقترفه قيادات (مملكة الشحاتين) ونتفرج عليهم.. المسؤولية علينا جميعاً. كل طفل يفقد مستقبله تحت ضراوة إعصار الحياة نحن كلنا مسؤولون عنه خاصة من نراه يمد يده في الطرقات.. فنضع فيها حفنة جنيهات ونظن أننا نرضي ضميرنا ونشبع رغبتنا في الإحسان.. بينما في الحقيقة نحن نحرق مستقبله ونساهم في تدميره وأسرته.. لماذا لا نبحث في حالة كل طفل تدفعه المقادير لامتهان هذه المذلة.. ونقدم لهم ما يغنيهم عنها.. ونحصنهم ضد الضياع في طرقات العاصمة المظلمة في عز النهار..

دعونا نعيش الحل لا المشكلة.. حتى لا نبكي كالنساء على جيل لم نحافظْ عليه كالرجال.
التيار


بواسطة : admin
 0  0  1130
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:01 صباحًا الأحد 19 مايو 2024.