• ×

الطيب مصطفي : "المكجنك في الضلمة بحدر ليك"

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية تصعُب الكتابة أحيانا حتى عند وضوح الرؤية حول الموضوع مثار الفكرة التي تود تناولها، سيما عندما ترى اختلاف أهل الرأي في ما لا ينبغي أن يكون محل خلاف وتجاذُب، وهل يجوز أن يشتجر الناس ويتنازعون حول الحق المبين؟!

كتبتُ بالأمس حول مبادرة تقشّفية جريئة يقودها المجلس الوطني قدّم فيها (بعض) التنازلات من حقوق أعضائه، انفعالاً بالوضع الاقتصادي المتردّي ومشاركة للمواطن المنكوب ببعض الأعباء التي فُرضت عليه من خلال الموازنة الأخيرة على أمل أن تقود مبادرة المجلس إلى تحرّك مماثل في الجهاز التنفيذي الذي يُمسك بتلابيب البلاد على امتدادها مركزًا وولايات.

ما إن أعلن عن خبر مبادرة المجلس التقشّفية حتى انتفض (المناضِلون) قدحاً وذماً ونبشاً وتهكُّماً من تلك الخطوة.. بعضهم كتب قادحاً في قيام رئيس البرلمان - وهو القائد للجهاز التشريعي والموازي لرئيس الجمهورية - بالسفر على الدرجة السياحية موفّراً بذلك ما يقرب من أربعة أخماس كلفة السفر لحضور جلسات الاتحاد البرلماني الدولي الذي يجمع كل رؤساء برلمانات العالم، فكتب وتساءل: لماذا يسافر أصلاً؟!

رؤساء البرلمانات في كثير من الدول يسافرون بطائرات خاصة لكن (مناضلينا) يريدون للسودان أن ينغلق في قرية معزولة وكأنه (مقطوع من شجرة) وليس جزءاً من عالم يمور بالتعاون والتآزر أو بالتآمر و(الحفر).

لم يُقرر رئيس المجلس لوحده، إنما قرّرت قيادة المجلس جميعها أن تفعل ما فعل رئيسها، وأن يسري ذلك على العام كله وأن يقصر ذلك على الأسفار الضرورية بهدف تعظيم دور السودان وحراسة مصالحه.

ما أقدمت عليه قيادة البرلمان يشمل حزمة من الإجراءات التقشفية التي بدأتها ولاية نهر النيل، ويأمل المجلس في أن تنداح إلى كامل الجهاز التنفيذي إن شاء الله، بما فيه ولايات السودان، ولكن من لا يعجبهم العجب لن يرضوا حتى لو (نقّطت ليهم العسل في حلاقيمهم أو كببته كباً في أجوافهم).

بعض (المناضلين) قالوا إن الأوْلى به قبل أن يتبرع بتذكرة السفر أن يمارس دوراً رقابياً أكبر على الجهاز التنفيذي.

قولة حق لا أريد أن أتهم فأقول: أريد بها باطل وهل انخرطنا في الحوار إلا لذلك؟!

لسنا في دولة ديمقراطية كاملة الدسم ولا نزال نعمل على إنفاذ مخرجات الحوار من أجل الحريات والإصلاح الذي نأمل أن يعزز من أداء البرلمان بما يتيح لرئيسه ولنا جميعاً ممارسة الدور المطلوب بعيداً عن دعوات الحريق الذي يريده (المناضلون) رغم أنهم يعلمون أن بلادنا أكثر هشاشة من سوريا التي تمارس الانتحار منذ سنوات.

مناضلة أخرى (نطّت) كالملدوغ، وهي تعقّب على الإجراءات التقشّفية التي ابتدرها البرلمان فأعادت الحديث عن الضجة المفتعلة حول شِقق البرلمانيين.

تلك الكذبة التي ضُخّمت بدون أدنى حيثيات موضوعية، فقد كتبت تلك (المناضلة الجسورة) على طريقة (المكجنك في الضلمة يحدر لك) أو بعين السخط التي لا تبدي غير المساوئ، كتبت تتساءل: ماذا عن الشقق التي (مُنحت) للبرلمانيين؟!

(تطير عيشة) البرلمانيين الذين حولت الشقق التي اشتروها بحر مالهم في المويلح البعيدة، وليس في الوادي الأخضر القريب، إلى منحة مجانية بفعل التحامُل والتباغُض وعدم الإنصاف الذي لا يليق بممارسي مهنة ينبغي أن تحتكم إلى الأخلاق ولوائح الشرف الصحفي.

كُثر من أولئك البرلمانيين، وأنا منهم، لم يقترعوا أو يحصلوا على تلك الشقق البائسة لأني إن قررت أن أشتري سأختار مواقع أفضل وأقرب.

يحق للصحفيين وللأطباء والنظاميين والعمال ولكل الناس الحصول على مساكن وسيارات وغير ذلك، أما البرلماني فلا.. لماذا؟ لأنه ينبغي أن يعود إلى دائرته الجغرافية بعد انقضاء أجل دورته البرلمانية، وعليه أن يستأجر منزلاً بالمبلغ الهزيل الذي يتقاضاه ليستقبل فيه ناخبيه، ويوفر العيش لأطفاله وحرام على البرلماني أن يفكر في ما يفكر فيه الناس ويعيش كما يعيشون، لأنه ينبغي أن يكون رسولاً نبياً وملاكاً طاهراً! هذا ما يقوله (المناضلون) الذين يتمرغ كثيرون منهم في النعيم لكنهم يرفضون معشاره لمن يُبغضون.

لا أكتًب ذلك انحيازًا للبرلمانيين، فأنا صحفي قبل أن أكون برلمانياً، لكني أنحاز إلى الحق وليتهم انحازوا إلى شرعة ربهم التي تأمرهم بأن يكونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين ولا يحملهم بُغضهم لخصومهم على تجنّب العدل والإنصاف.

أعجب ممن ينادون بالديمقراطية، وفي ذات الوقت يحملهم قصر النظر والغباء السياسي والعداء على تحطيم أهم آليات الممارسة الديمقراطية المتمثلة في البرلمان.

أشهد أن ما رأيته خلال الفترة القصيرة التي قضيتُها في المجلس الوطني أكبر بكثير مما كنتُ أظن أو أتوقّع ولولا ضيق المساحة لأفضت.
الصيحة


بواسطة : admin
 0  0  1014
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:50 مساءً الأحد 19 مايو 2024.