• ×

أسماء محمد جمعة : شباب الطقوس الغريبة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية قبل أيام انتشر فيديو لشباب وأطفال يَرقصون في شارع النيل في الصّباح الباكر، قيل إنّهم يُمارسون طقوساً غريبة تُسمى الشروق وكانوا قد أمضوا الليل بشاطئ النيل ينتظرون شروق الشمس حتى يَستمدوا منها (الطاقة). ويبدو عليهم جميعاً أنّهم لم يتجاوزوا السابعة عشر بكثير، الرقصة أثَارت حفيظة الكثيرين باعتبار أنّها فاضحة ولا تَشبه المُجتمع السُّوداني المُحافظ، فكتب البعض يَستغرب ويَبكي على حال المُجتمع وتناسوا أن يُحاكموا الحكومة التي هيّأت للشّباب كل الظروف لينشئوا بلا عُقُولٍ وبلا طاقةٍ تشغلهم الطقوس الغريبة والظواهر السالبة.
بعدما انتشر الفيديو، ألقت الشُّرطة القبض على الشباب، وحسب ما نقلت الصحف أنّ التحريات كشفت أنّ الشباب من صغار السِّن وأحدهم عمره لم يتجاوز الـ (12) عاماً، واتّضح أنّ المُتّهمة الأولى سبق لها الزواج أي أنّها مطلقة وأم لطفلة، وأفادت في أقوالها أنّها لم تكن في كامل وعيها، وظلّت الشرطة تَبحث عن المُتّهمة التّاسعة التي تُبيّن من خلال المعلومات التي وردت إليها أنّها مُعتادة سهر في الكافيهات والملاهي الليلية وأنّها هاربةٌ من العدالة (قال) وتُواجه تهمة السرقة في بلاغ بقسم شرطة الرياض.
صحف أول أمس نقلت أنه تمّت مُحاكمة الشباب بعُقُوبات رادعة وهي 40 جلدة والغرامة خمسة آلاف جنيه لكل منهم وفي حالة عدم الدفع السجن ستة أشهر، وهذه ليست المرة الأولى التي تُلقي فيها القبض فيها الشرطة شباباً يُمارسون طُقوساً غريبة ولن تكون الأخيرة ولن تكون الظاهرة الوَحيدة، بغض النظر عن طبيعة الطقوس ومن أين أتَت، الأسئلة المُهمّة التي تطرح نفسها هنا ما هو الوضع الاجتماعي الذي تُعيشه أُسر هؤلاء الشباب، وكيف نشأوا؟ فهم وُلدوا وَتَرَبّوا تحت رعاية هذه الحكومة وهذا غرسها، ثُمّ لماذا يتّجه الشّباب لمُمَارسة هذه الطُقوس بحثاً عن الطاقة؟ وهل يُمكن أن يلجأوا إليها إذا ارتادوا مدارس مُحترمة أو جامعات أو وجدوا مؤسّسات تُؤهِّلهم وتَمنحهم المهارات والقُدرات والطاقة، ثُمّ ماذا بعدما تمّت مُحاكمتهم بالجلد والغرامة بمبلغ يقصم الظهر في هذه الأيام العجاف؟ ومن يَستحق المُحاكمة هؤلاء الشباب أم الذين تَسبّبوا في ضياعهم؟ أليست الحكومة مَن فتحت لهم الشوارع وأغلقت أمامهم أبواب الرعاية والتقدير؟
هؤلاء الشباب ضحية الظُروف التي يُعيشها السودان منذ أن ولدوا وحتى هذه اللحظة فهم ليس أمامهم ما يفعلوه او مكان يذهبون إليه غير الشارع، واذا قُمنا بدراسة اجتماعية لهم جميعاً لن نجد احدا منهم عاش حياة مستقرة، ومعلومات الشرطة عن البنتين تكفي لتثبت ان الحال من بعضو، وقطعاً المُحاكمة لن تردعهم، وإن ضَيّقت عليهم الشرطة شارع النيل فما أكثر الشوارع التي تقع بعيداً عن عينها والأماكن المغلقة.
عُمُوماً مُحاربة مثل هذه الظواهر لا يأتي بالجلد والغرامة، وإنّما بإصلاح حال المُجتمع لتعيش الأُسر في حالة استقرار وإصلاح مُؤسّسات الدولة الاجتماعية لتقوم بدورها في بُناء عُقُول الأطفال والشباب وتأهيلهم بالمهارات والخبرات واستيعابهم في الأعمال وتوفير أماكن لقضاء أوقات الفراغ وممارسة الهوايات، إمّا هذا أو الطقوس الغريبة والظواهر والسالبة والتفلُّت.. وقبل ان تحاكموهم حاكموا انفسكم..!
التيار


بواسطة : admin
 0  0  794
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:42 مساءً الخميس 9 مايو 2024.