• ×

عثمان ميرغني يكتب : لم يسقط أحد !

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية في الماضي عندما كانت تُذاعُ أسماء الناجحين في امتحان الشهادة السودانية، تعوَّدَ الناس على سماع عبارة (لم ينجحْ أحد) لمدارس معينة كانت تعاني من ضمور مستواها الأكاديمي.. دعوني أستعير مقلوب تلك العبارة.. وأفرح خميسكم هذا بأنموذج ناجح يستحق أن نقول عليه (لم يسقطْ أحد)!!

قبل حوالي أسبوع رُوّع السودان كله بحادثة دموية هزَّتْ قلوب الناس.. شابان في مقتبل العمر تعرضا لتعذيب وحشي حتى الموت.. هنا في ولاية الخرطوم وعلى بعد أقل من خمسة كيلو مترات من وسط العاصمة..

الصدمة الكبيرة زلزلتْ وقار الكثيرين وأشعلت نيران الغضب الكاسح.. في الحال انطلقتْ جموع هادرة وأغلقت الطرقات وعطلت الحركة.. وبدت في الأفق نذر فتنة رهيبة قد تسيل على حوافها دماء أبرياء كثر بلا أدنى منطق..

وفي اليوم التالي زمجر (النحاس).. قُرعت طبول الحرب في منطقة العسيلات.. وأصبح الموت بضاعة مزجاة على قارعة الطريق على ذمة الانتقام والثأر.. وأي ثأر؛ بين أبناء عمومة ربطهم الدم قبل التاريخ والجوار الحسن لعمر طويل ممتد وعميق الجذور.. الفتنة كانت كافية لتلتهم كل الأبرياء بمن فيهم النساء والأطفال وحتى الحيوانات..

لكن من وراء كل هذا الخطر الكبير كانت الاتصالات الهاتفية بين العقلاء في الجانبين تسابق الزمن لإطفاء الحريق.. كان الرهان على أنَّ أهالي “العسيلات” رغم فجيعة مصابهم لكن المعدن الأصيل تجلوه نار المصيبة.. فيلمعْ أكثر مما كان.. وفعلاً هذا ما حدث.. سبق العقل الغضب.. وسكنت النفوس وهي تغتسل بماء الصبر الجميل.. وتقبلوا الأمر في انتظار عدالة الأرض والسماء معاً.. وانتصر العقل في “العسيلات” على الشر والفتنة..

لوحة النجاح لم تتوقف هنا.. أيضاً في الجانب الآخر (الفادنية) و(الشيخ مصطفى الفادني) سباق لإبراء الذمة مما حدث.. وحسن عزاء الأهل من الطرف المكلوم في شبابه.. تقديراً لصلات القربى والجوار..

اللوحة الجميلة شملت المسؤولين في مختلف المجالات والمستويات.. القيادات الأهلية وعلى رأسها الشيخ الطيب الجد خليفة الشيخ ود بدر.. الذي خفَّ إلى قلب النار الموقدة وتحمل مخاطر الغضب في ذروة لحظات انفجاره الأولى..

ثم المسؤولون الرسميون في الدولة.. نائب الرئيس السيد حسبو عبد الرحمن الذي زار المنطقة ورغم الأجواء المُلتهبة، إلاَّ أنَّه اكتفى بالوعد بـ(متابعة) الأمر.. وتحاشى تماماً أن ينصب نفسه قاضياً ويحكم في جريمة هي الآن بين يدي العدالة..

والسيد والي الخرطوم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين الذي زار “العسيلات” مرتين الأولى في (عز الجمر) لحظات الغضب الجارف.. والثانية أمس الأول مع نائب الرئيس..

كل هؤلاء استحقوا الإشادة.. لكن نجمة الإنجاز حقاً وصدقاً.. على صدر الشرطة والأجهزة الأمنية.. أصعب مهمة أن يصبح مطلوباً منع الحريق بأقل خسائر.. فتنجز بلا خسائر البتة..

الحمدُ لله.. نجحَ الجميعُ.. العسيلات قدمتم أنموذجاً لكل السودان..


بواسطة : admin
 0  0  1683
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:29 مساءً الأحد 12 مايو 2024.