• ×

عثمان ميرغني : اين تسهر في "رأس السنة" ؟

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية زمان ليس بعيداً؛ ربما حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، كان قراء الصحف يطالعون إعلاناتٍ ثابتة يومية تحت عنوان “أين تسهر هذا المساء”، فيها عرض لأفلام السينما المختلفة في كل مدن السودان، والمسرحيات والحفلات وما جاورها من أنواع الترفيه.

وكان صحفي مشهور مثل المرحوم التجاني محمد أحمد مشرفاً على الصفحة الأخيرة في صحيفة (الأيام) ودائب على نشر صور من يوميات مجتمع الخرطوم الساهر، بعض هذه الصور يقع اليوم تحت طائلة قانون النظام العام.

وعلاوة على وسائل الترفيه العام التجارية كانت العاصمة والمدن الكبيرة تضج مساءً بليالي المدينة التي تفيض بالإبداع.. ولهذا كانت فترة الستينيات حتى منتصف الثمانينيات خلاصة العصر الذهبي للفن السوداني في مساقيه الغنائي والدرامي.. أجمل الأشعار والأغنيات والمسرحيات وُلدت في حضن ذلك الطقس المعافى الذي يتقبل الفن والإبداع، يلهمه ويستلهم منه.

إلى أن جاء زماننا هذا، وأصبح مجرد إعلان عن حفل في “رأس السنة” كافياً لإثارة التهابات اجتماعية حادة قد تصل إلى حد التورم السياسي. ويأخذ السجال الآن حول احتفالات رأس السنة طابعين، الأول ديني يعبر عنه الذين ينشرون ملصقات في الأماكن العامة يطلبون مقاطعتها لأنها “تَشّبُه بالكفار”، والثاني اجتماعي من زاوية الذين يرون أسعار تذاكر حفلات رأس السنة إشهاراً لشهادة استفزاز في مجتمع بات جزء مقدر منه لا يحلم إلاَّ بوجبة في اليوم.

فيطل السؤال الحتمي، لماذا عاش السودانيون في الماضي حالة انسجام اجتماعي وديني مع مظاهر الفرح العام، بينما يعاني المجتمع السوداني اليوم من “توترات” كلما لاح في الأفق موسم فرح.

في تقديري؛ أنَّ الساسة استثمروا كثيراً في تصنيع أسلحة الدمار الاجتماعي الشامل.. فالمجتمع السوداني المسالم والمتسامح ما كان يشعر بقلق من تباين طبقاته من خلال مظاهر الفرح العام.. ولم يكن التقدير “الديني” لحدود وشكل الفرح مدعاة للشقاق أو المسك بالخناق.. لكن الاستقطاب السياسي لا يأبه للخطوط الحمراء أو ربما – وهو الأسوأ- لا يفهم ولا يتسع عقله لإدراك خطورة هذا المسلك السياسي في مسخ المجتمع السوداني، وإنتاج مجتمع (محور جينياً) فاقد لرصانة الأصالة وعاطل عن حصافة المعاصرة.

الأمر ليس حفلة “رأس سنة” يغني فيها فنان عربي بتذكرة دخول “مليونية”، القضية أكبر كثيراً.. قضية مجتمع تُزرع في حديقته كل يوم شجرة شوك سامة.

أليس في هذا البلد مؤسسات لصناعة التفكير الرصين Think Tanks تنبه للخطر وترسم خارطة الطريق لتجنبه.. نحن شعب يغني (إني أغرق.. أغرق.. أغرق).

أليس فينا عقل رشيد!!
التيار


بواسطة : admin
 0  0  1104
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:29 مساءً الأربعاء 1 مايو 2024.