• ×

السوداني الحاج احمد ابراهيم تجاوز عمره 120 سنة ،ومازال يزرع ويحصد

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية يعيش بيننا، وقد تجاوز عمره (120) عاماً، تجاوز الزمن ولم يتجاوزه ما يزال يعشق النيل، يسكن في منزل صغير على بعد خطوات من قيف النيل، ظل يتابع مياهه وهي تنساب شمال لـ(12) عقداً من الزمان، وعرف الأرض التي تحتضن حي شمبات وكلية الزراعة منذ أن كانت غابة تجاور النيل، رأى الأشجار تتلوي بفعل الرياح وتابعها وهي تسقط لتتحول إلى كلية ومساكن وشوارع. منزله الصغير شاهد عصر على أحداث ومواقف، يخيل إليك وأنت تدخل إليه، أنه يحرس البحر، وصاحب المنزل لا ينام إلا تحت هدير المياه وخريرها، لا يرعبه ثوران البحر ولم يفقده عشقة للنيل فقدانه ابنته ذات الـ(12) عاماً التي جرفتها المياه ووجدها جثة طافية، ولا أمواله ومقتنياته التي جرفتها مياه البحر، ورفض كل الإغراءات وحتى التهديدات لترك (قصره)، ظل حاضراً وشاهداً للعديد من الأحداث والمواقف على مر التاريخ، وفي طريقنا إليه كنا نظن أن الرجل لا يستوعب حديثنا وأن الزمن قد أكل ذاكرته ولكننا وجدناه حاضراً ومدركاً لكل ماضيه وحاضره، جلسنا إليه نقلب معه ذكريات مائة وعشرين عاماً مليئة بالقصص والأحداث، فمعاً نتصفح تلك الذكريات. * حوار: ناهد عباس * *بداية من أنت؟-أنا أحمد إبراهيم أبوسفيان، ولدت ونشأت في هذا المكان ويسمى المرسى، حيث كانت ترسى فيه المراكب القادمة من أم درمان، ووالدي ولد في هذا المكان أيضاً وعملت بالزراعة وبالمراكب وكنت أعمل مع الإنجليز وشاركت معهم في بناء كلية الزراعة التي تتبع لجامعة الخرطوم حالياً، وأسست عدداً من المشاريع المجاورة للكلية. *هذا المكان ألا يمثل خطراً على حياتكم خاصة وأنه لا يفصلكم حاجز عن البحر؟-نعم فيه خطر كبير وجرف منازلنا وأموالنا وفي كل عام يهددنا البحر وتصل الماء إلى تحت سرائرنا، وزي ما انت شايفة بيوتنا بسيطة بيوت طين لا يفصلنا حاجز عن البحر ويجرفها في كل عام ونبنيها مرة أخرى، وسبب لنا البحر خسائر كثيرة لا تعد جرف منازل وأخذ جنائن وقبل عشرين عاماً ظهرت جزيرة في وسط البحر وبدينا نزرع فيها وكنت أملك فيها (16) فداناً، وجاء البحر وجرفها وكنت أدفع ضريبة الفدان وكل الرسوم المفروضة، وبعد أن جرفها البحر لم أجد أي تعويض.*هل توجد خسائر في الأرواح؟-تحسر قبل أن يرد قائلاً: البحر أخذ أغلى ما أملك في الحياة، أخذ ابنتي وهي في عمر الـ(12) عاماً عندما ذهبت تجلب بعض الماء من شاطئ البحر، ووقع من يدها الجردل وحاولت أن تمسكه إلا أنها غرقت وظهر جثمانها بعد ثلاثة أيام.*بعد كل تلك الخسائر لا زلت مصمماً على العيش بجوار البحر؟-نعم أنا مولود في هذا المكان ولن أخرج منه إلى أن يأخذني الموت، وجاتنا جهات عديدة وأغرونا وهددونا بالخروج من المكان، هذا غير تهديد البحر لنا في كل عام ولكننا رفضنا واتحملنا فيضان البحر و(50) سنة يهددوا فينا بأن نترك هذا المكان وعرضوا علينا التعويض ولكننا رفضنا.**من يسكن معك في هذا المكان؟-أربعة من الجيران وأنا أقدمهم، وبقية الناس خافوا من تهديد البحر وتفرقوا إلى أنحاء أخرى وقد ربيت أبنائي هنا وتزوجوا وتفرقوا ولكني لا أبرح هذا المكان رغم إصرار أولادي بالرحيل منه.*يقولون إن البحر تسكنه الشياطين والجن، هل واجهك شيء في هذا المكان؟-قال مبتسماً نعم، بعد أن جرف البحر كل ما أملك قلت لأم أولادي القروش العندي انتهت وماشي لولد أخوي في القضارف أجيب منو قروش، وبعد خروجي من المنزل صادفني رجل ومعه امرأتان قال لى انت ماشي وين، أرجع وجيب مويه للحرمتين وقال لى أنا جيت عشان أهديك هدية وأداني قروش وقال لي قوم تعال ووقف جنب شاطئ البحر ومعه الحرمتان ومسك الرجل بسبحة وبدأ ينادي بأسماء غير مألوفة، وفي شجرة نخيل في وسط البحر قال ليها اطلعي، والله شوف عيني جات طالعة بره البحر، وقال ليها خلاص أرجعي، قال لي شفت قدرة الله، والهدية التي أعطاني إياها أغنتني عن الناس إلى الآن.*ذكرت أنك كنت من المؤسسين لكلية الزراعة، حدثنا عن تلك الفترة؟-في يوم كنت أحفر في الأرض لزراعتها، جاءني أربعة أشخاص أجانب أسماؤهم مستر بيكن ومستر طونسسن وحسين المغربي وعوام أفندي نمر، وطلبوا مني حفر تراب من الأرض ومد لي أحدهم منديلاً وطلب مني أن أضع عليه التراب، ثم طوى المنديل وذهبوا، وبعد فترة بدأ يظهر حراك حول المكان، وعندما سألتهم عما ينوون فعله، قالوا إنهم يريدون افتتاح مشروع في هذا المكان، وطلبت منهم أن أعمل معهم، وبعد مضي خمسة عشر يوماً، جاءوا ببقرتين من دنقلا وثورين ومحراث، وأنا كنت مسؤولاً عن رعاية البقرتين، وكانت هذه بداية إنشاء الكلية، وكان عدد الطلاب (36) طالباً، والسكن كان عبارة عن قطية واسطبل خيل يتبع للمصريين، وبعد سنتين تم بناء مباني للكلية.*واصلت العمل معهم؟-لا، حدث لي موقف وبسببه تم رفتي من الشغل، ففي يوم لم آتي بالحليب للخواجة حيث ذهبت لوفاة الشريف التقلاوي في أم درمان، وبعد أن عدت سألني الخواجة أين كنت، فقلت له عندنا شيخ توفي، فقال لي انت بره من الشغل مفصول، فبعد أن عملت معهم (15) سنة وشاركت في تأسيس الجامعة فصلوني، وبعدها أسست قهوة بالقرب من الجامعة، وعندما جاء العام 1946م فاض البحر وجرف القهوة، وبعد عام بنيت مرة ثانية دكاناً وجرفه أيضاً وعندى مخزن أخذه البحر أيضاً.*من عاصرت من الفنانين والسياسيين في ذلك الزمن؟-نسبة لعملي في المراكب من وإلى أم درمان، فقد عاصرت كبار وأعلام رجال أبوروف وبيت المال، ومن الفنانين خضر بشير وكانت لي معه قصة عن زواجه، ومن التجار أبو مرين صاحب محلات المجوهرات بأم درمان، وقصة مع محمد عثمان ابن السيد أحمد ابن السيد الحسن صاحب الطريقة الختمية في كسلا. *ما هي قصة زواج الفنان خضر بشير؟-كنا نُشرك في البحر يومياً ومعي خضر بشير، وفي يوم جاءت خالتي وقالت لخضر انت ما داير تعرس؟.. قال ليها والله إلا تجي براها، وبعد سنة جاء شخص ووجدنا جالسين نصطاد السمك قال يا اخوانا عايز لي زول خايف الله وعابد عندي بنت وأمها مطلقة، قام خضر بشير وقال أنا بتزوجها، وتم الزواج وتحقق له ما قال، وأنجب منها عدداً من الأولاد.*ما الذي يربطك بابن السيد الحسن؟-جاء من كسلا شخص يدعى محمد عثمان ابن السيد أحمد ابن السيد الحسن صاحب الطريقة الختمية إلى شمبات واشترى عدداً من الأراضي، وكنت أعمل معه في التجارة وحلاق له ولأولاده وعلاقتي به كانت وطيدة وفي يوم وجدته يرتدي جلابية وراقد على الأرض وطلب مني أن أحلق له شعر رأسه بموس، وعندما سألته عن نومه على الأرض قال أنا أطالب في ربي الآخرة، وفي تلك اللحظة دار في خاطري حديث عن النعم التي ينعم بها، ودون أن أفصح له رد عليّ قائلاً: (انت فاكر يا أحمد النعم دي أنا عاملها عشان أتمتع بيها، أنا عاملها للناس الجايين من خارج البلاد عشان يعرفوا أن السودان غني وأنا متعتي الأرض دي)،* ولم يمضِ شهر على حديثه ذلك، وتوفي.*أنت ما شاء الله تتمتع بذاكره قوية، ماذا تحب وتكره من الأكل؟-بحب آكل من الخضار البزرعو في جروف البحر، وبشرب من لبن بقري ولا زلت أزرع وأحصد بنفسي دون مساعدة من أحد.
آخر لحظة.


بواسطة : admin
 0  0  1596
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 06:53 صباحًا الأربعاء 15 مايو 2024.