• ×

عثمان ميرغني يكتب : درب السلام للحول قريب

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية قبل نحو أسبوع استضافني تلفزيون الخرطوم في برنامج “الساعة العاشرة”، الذي يعدّه ويقدمه الأخ دياب، وطلب مني التعليق على “مانشيت” إحدى الصحف، التي نقلت عن السيد نائب رئيس الجمهورية حسبو عبد الرحمن قوله في لقاء حاشد بمنزله (إن الحكومة ستواجه “موسى هلال” إذا اضطرت إلى ذلك).

قلت له: إن (الحرب أولها كلام)، ووددت لو أن متخذي القرار في بلدي يسلكون “درب السلامة”، الذي يصفه المثل السوداني بأنه (للحول قريب).. أي مهما طال فهو قريب.. ودرب السلامة يعني التمسك بمبدأ (لا للحرب) مهما كانت الصدور متقدة، والنفوس ملتهبة.

حرب دارفور التي تعدت الآن عامها الـ(14) بدأت بكلام.. واستهان البعض بعواقبها؛ فأرسلوا إلى المركز يبلغونه أنها مجرد نزهة عسكرية سريعة تنهي التمرد قبل أن يبدأ (كلها أسبوعان ونرفع ليكم التمام)، كانت تلك هي العبارة التي أدخلت السودان في نفق الدماء والدموع.. وكانت النتيجة ما نراه اليوم.. عشرات القرارات الأممية التي سمَّمت سمعة السودان الدولية، وقبلها أنهار من الدماء فاضت بها أرواح بريئة تركت وراءها الأيتام والأرامل والمعوقين والنازحين واللاجئين والمشردين.. كل ذلك كان ممكناً تجنبه بقليل من الحكمة والصبر.

الآن يتكرر ذات المحك؛ تراشق لفظي بلغ منتهاه بأبشع الألفاظ التي توغر الصدور؛ فتستفز القرارات الصعبة.

لكن رغم كل شيء، لا يزال– حتى لحظة كتابة هذه السطور ليلة أمس- الفرصة متاحة لعبور الخانق الصخري الضيق الحرج.

حملة جمع السلاح التي أعلنتها الحكومة هي أمر مهما طال أو قصر زمانه كان لا بد منها؛ لمصلحة المواطنين- أنفسهم- قبل أية جهة أخرى.. لكن هذه الحملة تكتمل بسرعة ودون آلام الجراحة كلما كسبت الحكومة تعاون الجميع معها.. وهو أمر سهل إذا صبرت الحكومة على الحوار والإقناع بالتي هي أحسن.. فالحكمة ليست في نصوص القانون بل آليات تطبيقه.. فليسود القانون فوق كل الرقاب.. لكن بالحكمة والموعظة الحسنة.

ليس في جسم دارفور أي موضع لمزيد من الجراح ولا تزال حالة الحرب معلنة رغم توقف العمليات، فما دام ليس هناك اتفاق سلام فسيظل الوضع مصنفاً تحت لائحة الحرب إلى أن تخمد تماماً، وتتحول البنادق إلى معاول للبناء.. وهو أمر بات قريباً، وفي متناول اليد، فلماذا نتسرع ونقع مرة أخرى في فخ المواجهات الدامية.

أي تأزم جديد في دارفور سيؤثر بقوة في فرص صدور قرار برفع العقوبات الأمريكية عن السودان، الذي تبقى على موعده أقل من شهرين.. فالمجتمع الدولي يراقب، ويتحسب، ويحسب.

بالله عليكم لا تتعجلوا القرارات.. وصدق شاعرنا المتنبي:

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني

وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ

لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ


بواسطة : admin
 0  0  1443
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:17 صباحًا الجمعة 17 مايو 2024.