• ×

ترشيح البشير للرئاسة ..(إعادة تدوير الأزمة الوطنية)

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية رشحت تسريبات من متنفذين في الحزب الحاكم وطفقت تتحدث عن ضرورة تعديل الدستور لإعادة ترشيح الرئيس البشير للرئاسة مرة أخرى وكان البشير قد أطلق في متون حواره مع صحيفة الشرق القطرية تصريحات جوهرها أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية القادمة في العام 2020 ،وعلى الحزب الحاكم اختيار البديل خلال المؤتمر العام القادم ، وهي تصريحات مشابهة لتلك التي قذف بها قبل انتخابات العام 2015،ولكن اتضح أن تلك التصريحات كانت محض تكتيكا هدفه جس نبض الولاء له خاصة في داخل المنظومة القيادية العليا، وعندما انتظم الحراك كثيفا داخل الحزب الحاكم لاختيار البدائل تم وأد هذا الحراك بعزل وإقصاء كل الرافضين لترشح الرئيس البشير في تلك الانتخابات الرئاسية، وربح الرئيس البشير الجولة التكتيكية، بينما خسر العمق الاستراتيجي في قضية التغيير والإصلاح الاستراتيجي، حيث اضمحلت الحاضنة الاجتماعية للحزب الحاكم، وضعف الإلهام الفكري في موسساته،وانزوت وتسربت منه الكثير من مجماوعة الوعي والاستنارة، وانكمش النظام في أقلية سلطوية.وتفاقمت الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية بصورة لا تطاق ،وتأزمت علاقاتنا الدولية ،وتعاظمت الحالة الثورية وسط قطاعات المجتمع مستلهمة تجارب الربيع العربي وانفجرت في ثورة احتجاجات في العام 2012 و2013 وهي الأعوام التي تخلخلت فيها شجرة الإنقاذ واهتزت بشدة قاربت السقوط.لأنها فقدت العقل الفكري المبدع الذي يجترح الرؤى والمقاربات الفكرية التي تحدث التحولات الكبرى في المنحنيات التاريخية الحرجة، وتحشد الولاءات وتعمق المشروعية للتجربة والمشروع داخل المجتمع وطفقت المجموعة الحاكمة تلتمس المشروعية السياسية في القبضة الأمنية والتي مهما تعاظمت قوتها فإنها لن تصمد أمام إرادة المجتمعات إذا نزعت للثورة والتغيير.

معلوم أن الرئيس البشير تجاوب وتبنى الطرح العقلاني لقضية الحوار الوطني ولم يكن مبادرا في دفعها ولذلك ظللنا نحذر من التعاطي التكتيكي أو الالتفاف على المبادرة في أي مرحلة من مراحلها بطريقة تختزل وتعتسف الحل في إعادة إنتاج النظام بشخوصه وسلوكه السياسي مع تغييرات شكلية وديكورية، لأن ذلك يعني إغلاق الباب أمام الحلول السياسية السلمية، والدخول مباشرة في المعادلات الصفرية في ظل حالة سيولة وهشاشة وطنية ، وحالة اضطراب وفوضى في محيطنا الإقليمي، مما يعني المضي في سيناريو التفكيك والانهيار الوطني،ولعل العمق الاستراتيجي الذي حققته مبادرة الحوار الوطني أنها جعلت الحوار والحل السلمي هو الأصل في التعاطي مع القضية الوطنية المتأزمة ، وكذلك رسخت من مظان ان مشروع التغيير والاصلاح الوطني لابد أن يمضي حتى غاياته الاستراتيجية والمتمثلة في بناء العقد الاجتماعي والدستوري الذي قوامه واصل مشروعيته كل المجتمع السوداني بكل تنوعه وتناقضه وتضاده تحقيقا لدولة المواطنة والعدالة والقانون والديمقراطية.

ولما كانت التحولات التاريخية الكبرى من مقاصدها بروز فكر جديد وسلوك ووعي سياسي جديد ،والأهم صعود قيادات جديدة وفق محددات واستراتيجيات المرحلة القادمة، فإن السؤال الاستراتيجي يبقى هو هل سيغادر الرئيس البشير الكابينة القيادية للحزب الحاكم ويفسح المجال أمام جيل قيادي جديد? ام يوظف مخرجات الحوار الوطني والانفتاح المحدود في علاقاتنا الإقليمية والدولية في تعزيز هيمنته وقبضته على التنظيم الحاكم والدولة ثم يمضي في تعديل الدستور ليرشح نفسه لدورة رئاسية قادمة ??
ربما يقذف التيار المقاوم للتغيير داخل المنظومة الحاكمة بمبررات زرائعية غايتها التكريس لاستمرار الرئيس البشير في قيادة الحزب وبالتالي الدفع به مرشحا للدورة الرئاسية القادمة، وهي ضمان ولاء المؤسسة العسكرية والأمنية وهذا منطق مردود لأن الدستور حدد مهام هذه المؤسسات وهي حماية التراب الوطني وجمع المعلومات وتحليلها وصيانة النظام السياسي والدستوري للأمة، وكذلك فإن عبرة التجارب الوطنية والخارجية أثبتت ضرورة ابتعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم. وذلك لان ترسخ الانظمة الاتوقراطية العسكرية خاصة ذات النزوعات العقائدية في الحكم يؤدي في نهاياته إلى انهيار الدول والمجتمعات وانهيار المؤسسة العسكرية ذاتها ، وقد يدفع التيار المقاوم للتغيير دلخل المنظومة منطق ان الرئيس البشير هو الخيار الوحيد الذي يتحقق فيه الرضا والإجماع داخل المنظومة الحاكمة واستمراره يعني وحدة وتماسك الحزب، وهذا ينم عن أزمة التنظيمات المغلقة التي ترتكز على مواهب القائد الكارزمي لا على فاعلية النظام وحركية المؤسسات وجدلية الاتكاء على القائد الملهم تقود إلى غياب الحرية والتدافع الداخلي وانعدام الروح الجماعية وضعف عملية توليد وإحلال القيادات وصولا إلى القطيعة التاريخية والجمود ،وتلاشي التنظيم ذاته بغياب قائده وهكذا اتجاه ينم عن أنانية ونزعة استبدادية.كما إن الرئيس البشير ضعف رصيد الولاء له داخل الحزب الحاكم وتعاظمت الرغبة على ضرورة وحتمية التغيير ، لذلك فالاجدى له الاعتزال والمغادرة بقرار ذاتي واستراتيجي، لأن استمراره يعني مزيدا من تسرب وخروج المواهب من الحزب الحاكم وتعني مزيدا من الانقسام والتشظي داخل الحزب الحاكم،وتعني انزواء من تبقى من المبدعين، وكذلك فإن إعادة انتخاب الرئيس البشير لا تتسق مع مبادرة التغيير والإصلاح والتي تصدى لقيادتها واقنع بها كبار قادة النظام والحركة الإسلامية بالترجل، وأكد أنه سيترجل عن القيادة ريثما نضجت مبادرة الحوار الوطني واستوت مؤسساتها السياسية والدستورية على أصولها ، واستمراره في الحكم وقيادة الحزب تعني أنه تعاطى مع عملية الحوار الوطني والإصلاح الحزبي لتجيير مخرجاتها نزوعا للكنكشة في الحكم ، وللتخلص من القيادات المدنية والتاريخية للحركة الاسلامية،ومعلوم أن الحزب الفاعل فكريا وسياسيا هو من يصنع القيادات ويقدمها للمجتمع كرة بعد كرة، وقد يدفع التيار المقاوم للتغيير داخل المنظومة منطق ان الرئيس البشير يحظى بالقبول وسط المجتمع السوداني وهذا أيضا منطق معلول فأسهم الرئيس البشير في بورصة المجتمع السوداني تكاد تكون في أدنى مستوياتها نتيجة الإخفاقات السياسية والتخريب الاقتصادي والفقر المدقع،وتذيل السودان لقوائم التصنيف الدولي في كل المجالات، حدث كل هذا البؤس والتردي والرئيس في قمة الهرم ومركز اتخاذ القرار،وأي اتجاهات لتنحية وتحميل اوزار الفشل لمن هم دون الرئيس محض تعمية وهروب إلى الأمام ولعل خروج الجماهير على سياسات النظام في ثلاث هبات ثورية تؤكد نزوع ورغبة المجتمع في التغيير ،كما أن الرئيس وصف الثائرين بنعوت تفتقر للقبس التربوي زادت من حالة الشحن والغبن المجتمعي، وهذا يعزز من منطق ان الرئيس البشير ليس هو الرمز المناسب للمرحلة القادمة،وقد يقذف ايضا التيار المقاوم للتغيير داخل المنظومة منطق ان الرئيس البشير تسنم مبادرة الحوار الوطني خاصة إذا أفضت إلى تحقيق الغايات الوطنية الكبرى والمتمثلة في وقف الحرب والوفاق الوطني وترميم العلاقات الدولية خاصة مع الغرب وأمريكا ، ويصور إن هذا الإنجاز الوطني كفيل بطرحه لقيادة الحزب ونيل ثقة المجتمع في الانتخابات القادمة،ولكن في رأي الأجدى ان يدفع البشير في اتجاه تحويل كسوب مخرجات الحوار الوطني لتصب في تعزيز فرص التنافس للمؤتمر الوطني كمؤسسة ومنظومة في الانتخابات القادمة لضمان استمراره حزبا فاعلا في الحياة السياسية السودانية بدل تحويلها لمغنم شخصي،خاصة أن التدافع السياسي الوطني في المرحلة القادمة يتطلب قيادات بمواصفات فكرية ومعرفية وثقافية معيارية وظيفتها بناء الحلم والرؤية وإلهام القواعد والمجتمع للتحرك في جماعية وموسسية لتحقيق الرؤية التي تعمق عملية الانتقال السياسي والدستوري حتى تتوطن التجربة الديمقراطية كمفهوم وممارسة وسلوك وثقافة،فالقائد في المرحلة القادمة لابد أن يكون مخططا استراتيجيا ونزاعا إلى الوعي التصوري والتأملي أكثر من العملي والحراك الدائري فكلما توغل التنظيم في مخاض تحولات فكرية وسياسية كبرى وفي أجواء من التنافس والتدافع الحر مع الآخر المنافس والمغاير، كلما اشتدت الحاجة إلى صعود القيادات ذات العقل النشط والمبدع والذهن النقدي المثقف.
وقد يقذف التيار المقاوم للتغيير داخل المنظومة بمنطق ان الرئيس البشير تعلو أسهمه في العلاقات الإقليمية والدولية وإن إعادة انتخابه وتسويقه من جديد ستنعكس إيجابا على الأوضاع الداخلية خاصة الاقتصادية والمعيشية،ولكن في رأي ان الرئيس البشير كان يتسنم قيادة السودان في مرحلة (تاريخانية) لها ايديولوجيتها وخطابها الثوري المائز وانطبعت شخصيته هكذا في العقل الجمعي الوطني والدولي ولذلك الأجدى الدفع بقائد مدني جديد في المرحلة القادمة، وكذلك الانفع تحويل هذا الرصيد والزخم في العلاقات الخارجية كنظام مؤسسي وسياسات ووعيا ملهما لأجهزة إدارة العلاقات الخارجية الرسمية والمجتمعية حتى تتكامل لتصب في تحقيق المصالح المشتركة بين الدول والشعوب بدلا من اختزالها في إطار العلاقات الشخصية.
في رأي ان إنفاذ مبادرة الحوار الوطني والإصلاح الحزبي لن تحقق الغائية النهائية إلا بمغادرة وذهاب الرئيس البشير وكل الطاقم القديم وإفساح الحرية والحراك داخل مؤسسات الحزب الحاكم، وتفعيل الشورى الداخلية لإنتاج وتوليد جيل قيادي جديد ،وهذا مدعاة لتجديد عملية المفاهيم والبناء داخل الحزب الحاكم ،واكتساب فضاءات جديدة وسط المجتمع، قد تتوج هذه العملية بوحدة التيار الإسلامي الوطني في تكتل سياسي عملاق تجعله فاعلا في معادلة الحكم تحت سقف الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وهذا الحراك سيؤدي لاجتذاب تيارات شبابية جديدة إلى دائرة الفعل السياسي والحراك الثقافي والفكري حتما ستساهم في عملية البناء الوطني وصناعة النهضة السودانية والتي أساسها وراسمالها الإنسان الحر،وستؤدي جدلية هذه العملية لإزالة التشوهات الماثلة في الحياة السياسية وستتوحد الأحزاب في كتل كبيرة،بدلا من حالة التناسل البكتيري الراهنة، وستحفز أيضا هذه العملية القيادات التاريخية للقوى السياسية الوطنية على الترجل وصناعة قيادات جديدة متقاربة في العمر والتجربة والأفكار والهم الوطني.

ولكن ما هي الخيارات إذا تعنت الرئيس البشير واختار أن يقف عكس حركة ونواميس التاريخ واستمر في قيادة الحزب وقرر الترشح في انتخابات الرئاسة القادمة ??، في رأي يجب على تيار التغيير والاصلاح داخل الحزب الحاكم مواجهة الرئيس البشير بجسارة فكرية وسياسية واقناعه بضرورة الترجل والمغادرة ولكن ما هو الطريق الآخر الذي ينبغي أن يمضي فيه تيار التغيير والإصلاح إن تعنت الرئيس البشير وقرر الاستمرار في قيادة الحزب والترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة?? فالطريق الوحيد هو السعي الدؤوب والكثيف على تغييره بعملية ديمقراطية داخلية عبر مؤسسات الحزب الحاكم،وينبغي التخطيط والإعداد الفكري والتنظيمي والسياسي لها منذ الآن لكسر الحواجز النفسية والصورة الذهنية لتكلل هذه الجهود في المؤتمر العام القادم تغييرا بنيويا وعميقا وراديكاليا بمغزاه الفكري والسياسي لإنهاء ما ترسخ في الأذهان بالتابو المقدس والدفع بقائد مدني جديد.
والله ولي التوفيق

عثمان جلال
الاحداث


بواسطة : admin
 0  0  1014
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:53 صباحًا السبت 18 مايو 2024.