• ×

سجن او (زريبة القدمبلية) ..قد تضحك او تبكي لحكاياته!

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية سجن القدمبلية هو سجن خارج مدينة القضارف بمنطقة القدمبلية الزراعية وهنالك سجن آخر شبيه هو سجن القبوب ، وهما بخلاف سجن القضارف الرئيسي . سجن القدمبلية يسمى بالزريبة ربما لأن سوره مبني من كتر وشوك وسلك شائك فيما يشبه الزريبة ، أو ربما لأن النزلاء فيه تتم معاملتهم كما البهائم .

يستند هذا التقرير على إفادات مساجين بسجن القدمبلية في يناير الماضي حيث حل بالسجن أكثر من مئة سجين بعضهم من القضارف ، وأغلبهم محولون من سجن أمدرمان .

كان أغلب المساجين بزريبة القدمبلية مدانين في السكر ولم يستطيعوا دفع الغرامة 300ج ، وربما لم يسطيعوا شراء السوط من ود اللواء ب20ج ، فتم نقلهم بضربة ثابتة من محكمة جنايات القضارف إلى زريبة القدمبلية .

ومصطلح "شراء السوط" يعني أن تدفع للجلاد 20 جنيها ومن ثم تنال جلدا مخففا رقيقا ، أما مصطلح "ضربة ثابتة" فيعني أن المدان يتم نقله من المحكمة إلى زريبة القدمبلية أو القبوب مباشرة دون المرور بسجن القضارف .

عقوبة تعاطي الكحول 40 جلدة و300ج غرامة وفي حالة عدم الدفع شهر سجن ، وعقوبة سجارة البنقو أو الشاش مليون جنيه غرامة وفي حالة عدم الدفع شهرين سجن . وعليه فإن الفقراء وحدهم هم الذين يصلون إلى سجن/زريبة القدمبلية .

ينوم المساجين في سجن القدمبلية على أرض ناشفة (بادوبة) حيث لا يوجد أي نوع من أنواع الفرش ، والذي يحصل على جوال خيش فهذا يكون من المرفهين . فقد ظل أحد السجناء ينام على البادوبة لمدة 11 يوم ، إلى أن ورث جوال خيش من أحد المساجين بعد الإفراج عنه . أما في سجن القضارف فالأرضية بلاط وهنالك إمكانية الحصول على مرتبة بمساهمة من الخارج أو بالمال .

يأكل المساجين بسجن/زريبة القدمبلية "الجراية" ، و"الجراية" هي خبز غير مستساق مصنوع من الذرة ، يأكله المساجين اضطرارا مع قرع غالبا أو فول رديء ، إذ أن الخيار الآخر هو الموت جوعا .

إن الحصول على حمام أو غسيل الملابس حلم بعيد المنال في سجن القدمبلية ، بل وحتى في سجن القضارف العمومي لو لم يكن لك من يساعدك من خارج السجن وليس لك مال فلن تستحم ولن تغسل ملابسك ، وقد وصل سعر باقة الموية بحمامها ـ في سجن القضارف ـ إلى 5جنيهات هنالك مساجين لاستلام المبلغ وتيسير الحصول على الماء والحمام ، وبمالك تستطيع أن تجد خدمة الغسيل والمكوة ، وتستطيع أن تأكل ما تشاء ، وتشرب الشاي والقهوة من بعض المساجين الذين يبيعونهما داخل السجن وهم بلا ريب شركاء لآخرين . في سجن القدمبلية النائي هذه أشياء بعيدة المنال .

العمل سخرة:

يأكل المساجين بسجن/زريبة القدمبلية "الجراية" مع قرع أو فول رديء عند الخامسة صباحا ، ثم يذهبون إلى العمل في الزراعة في مشارع مزارعين كاستثمار ، علما بأن المساجين يعملون سخرة دون أجر ، ويتناول المساجين بعد العودة من العمل الشاق بالمشاريع ، عند الثانية عشرة ظهرا ، الجراية مع القرع ، ولا يرى المساجين اللحم بعيونهم أبدا .

وحدث في منتصف يناير الماضي أن لدغ ثعبان أحد المساجين ، اسمه "هشام" ، من منطقة حجر الطير . أثناء قطع العيش كان "هشام" يحمل قفة عيش إلى التقا ، لدغه الثعبان عند حوالي الساعة 11 صباحا ، ولأنه لا توجد أية عربة ، ناهيك عن عربة إسعاف ، فقد تم الاتصال بتاجر للمساعدة في إيصال السجين اللديغ ، وكإسعاف أولي تم ربط رجله أعلى مكان اللدغة وتم سقيه خليط من عصير الليمون والملح ، وصلت عربة التاجر بعد أكثر من خمس ساعات من اللدغة ، عند الرابعة والنصف عصرا ، وقيل أنه وصل مستشفى القضارف عند منتصف الليل ، ولم يعد للسجن مرّة أخرى ، ووصلت أنباء متضاربة إلى المساجين بالقدمبلية بعضها يقول أنه مات والآخر يقول أنه حي وعاد إلى أهله .

مستشفى الزريبة:

إذا كنت مريضا لا تقدر على العمل يربطونك بقيد في دنقل عربية (مستشفى سجن الخلا) وتظل مكلبشا في دنقل العربية إلى أن يفرغ بقية المساجين من عملهم في المشاريع . ويقول السجانة (زول يبلغ لينا عيان مافي .. دي مستشفانا) .

وحدث في يناير الماضي أن السجين "قبرو" من أم قلجة كان مصابا في يده اليمينى، جراء الضرب ، وتقيحت جروح يده حتى أصبح جرحه مقززا ، إلى درجة أن المساجين لا يستطيعون الاكل معه ، لاحقا هرب "قبرو" لينقذ نفسه من مصير مجهول .

وعندما يطلق سراح السجين لا يوصلون السجين المفرج عنه إلى المدينة ولا يعطونه نقود لزوم المواصلات فيضطر إلى السير مشيا على الأقدام حوالي 4 ساعات من سجن الزريبة النائي حتى يصل إلى شارع الأسفلت ، ثم ينتظر سيارة تقله إلى وجهته .

هذا الواقع المأساوي ليس في سجن/زريبية القدمبلية وحده ، بل أن سجن القبوب أشد سوء وخطرا ، إذ أن هنالك بجانب العمل في الزراعة يتم تشغيل المساجين في قطع الأخشاب من الغابة .

جدير بالذكر أن هنالك منظمة تسمى "المنظمة السودانية لرعاية النزيل" ، والتي لها فروع في مختلف ولايات السوداع بما فيها القضارف ، والتي أحد أهم أغراضها تحسين الوضع الإنساني داخل السجون ، وتأهيل وصياغة النزيل تربوياً واجتماعياً ، والعمل على النهوض بمستوى المؤسسات الإصلاحية خدمياً وعمرانياً ، والعمل على تطوير وترقية أداء العاملين بالمؤسسات العقابية ، وتقديم خدمات صحية وتعليمية واجتماعية للنزلاء مع توفير المأوى والكساء والغذاء والدواء لهم.
وقد تلقت المنظمة السودانية لرعاية النزيل خلال السنوات الماضية دعما من: منظمة العون البريطاني الإسلامي ، و الهيئة الخيرية العالمية الاسلامية ، ومنظمة قطر الخيرية ، والهلال الاحمر السعودي ، ومنظمة السلام العالمية ، وديوان الزكاة ، والبر والتواصل ، وصندوق الدعم الكويتي الخيري ، ومنظمة الرعاية والاصلاح ، وهيئة الاغاثة العالمية ، وجمعية مسلمي افريقيا ، ومنظمة سبيل الرشاد ، و منظمة ذو النورين ، وشركة النيل للبترول ، وشركة الكهرباء ، والمفوضية السامية للاجئين ، وفندق السلام روتانا ، واليونيسف ، و CHF ، و RSS .
لكن واقع سجن القدمبلية ـ الذي تنتهك فيه آدمية الإنسان ـ يُغني عن السؤال ، فأين ذهبت كل أموال منظمة النزيل هذه ؟ وقبل ذلك أين تذهب محاصيل المشاريع الزراعية التي تتبع لإدارة السجون والتي يزرعها المساجين ؟ وأين يذهب الدخل الذي يتم تحصيله مقابل عمل المساجين في المشاريع التجارية ؟

إن إهانة وتعذيب واستغلال السجناء وصمة في جبيننا جميعا .
جعفر خضر


بواسطة : admin
 0  0  1370
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:47 صباحًا السبت 4 مايو 2024.