• ×

عثمان ميرغني يكتب : مشكلة عجيبة!

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية خبر عجيب قرأته أمس.. دولة هولندا تُعاني من مشكلة غريبة.. انخفاض مهول في حجم الجريمة أدى لخلو السجون من السجناء تماماً.. فاضطرت لإغلاق السجون.

حسب الخبر؛ أغلقت هولندا 6 سجون في العام الماضي 2016، وفي عام 2014 أغلقت 19، وفي العام 2009 أغلقت 8. كل هذا بسبب خلو تلك السجون تماماً من النزلاء.

هنا في السودان الأمر على النقيض تماماً، السجون مُكتظة بالنزلاء لحد الأزمة.. وأنشأت الحكومة مزيداً من السجون الواسعة لتحتمل مزيداً من السجناء لكن الطفرة في أعدادهم تفوق حتى قدرة السجون الجديدة على استيعابهم.

وتتكلف الخزينة العامة أموالاً هائلة لإعاشة وإدارة السجون والسجناء، للدرجة التي أصبح كل مسجون جديد هَمّاً ثقيلاً على المال العام.. ومع ذلك تدفع المحاكم والنيابات كل يوم بأرتال جديدة من السجناء في مُختلف القضايا.. خاصة من يُطلق عليهم سجناء (يبقى لحين السداد).. وهم الذين يقضون أحكاماً بالسجن غير محدودة الأجل.. لحين الوفاء بما عليهم من ديون.. وكثيرون غادروا الحياة قبل أن يغادروا زنازين سجونهم.

في عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري (تغمده الله برحمته) ظن أن مجرد إعلان تطبيق قانون العقوبات الذي أسموه (إسلامي).. كافٍ لمحو الجريمة.. فأصدر قراراً جمهورياً بإطلاق سراح جميع السجناء في كل السودان.. وبعد أسبوع واحد فقط بدأ نفس هؤلاء المفرج عنهم يقعون في حبائل الشرطة وهم يرتكبون جرائم (بشعة) جديدة.. وفي فترة وجيزة أصبح هَمّاً أمنياً شاقاً على عاتق الشرطة مكافحة جرائمهم بعد أن تكاثرت بأكثر مما كانت..

لحظة إصدار القرار الجمهوري، بكل يقين لم يجد (مستشار) واحد الجرأة ليسأل الرئيس نميري، ماذا سيعمل السجناء بعد إطلاقهم؟ كيف يكتسبون أرزاقهم؟؟ فمُشكلتهم لم تكن في وجودهم بالسجن بقدر ما كانت في وجودهم خارج السجن.

واتضح أن الدولة تفضل (إعاشة) الناس في السجون، لا خارجها.

السجون مقياسٌ دقيقٌ لحالة المجتمع، فالذين دفعت بهم الأقدار إلى غياهب السجن ليسوا (مُجرمين).. ولا سيئين.. بل الظرف المُحيط بهم هو الذي فرض عليهم مصيبة السجن.. ولو درسنا كل حالة بظروفها المُحيطة بها، لكان مُمكناً التخلص من تسعة أعشار القادمين إلى السجون قبل وصولهم إلى بوابة السجن. وحتى البقية الباقية من الذين وقعوا في براثن جرائم جسيمة كالقتل والسرقة والمُخدّرات وغيرها.. يظلوا (محكومين) بأمر القانون لكنهم ليسوا مُجرمين بأمر العدل.. وتصبح مُهمّة الدولة الراشدة أن تصارع نوازع الشر فيهم بدلاً من أن تستعظمها وتزيد من تكريسها.. فالمحكوم داخل السجن يُخضع لتأثير وتوجيه الدولة (24) ساعة يومياً.. بمُختلف الوسائل.. على سياق ما هو مكتوب في البوابات (السجن إصلاح وتهذيب)..

لو كُنت رئيساً للبرلمان لَطَالبت وزير الداخلية أن يقدم تقريراً شهرياً بأعداد السجناء.. على الأقل ليظلوا في الخاطر الرسمي مُشكلة يحمل هَمّها المُجتمع والحكومة معاً.

كل ليلة يقضيها المسجون بين جدران السجن، هي خسارة فادحة للوطن والشعب معاً.

ليتنا نرى مُرشّحاً في الانتخابات القادمة في ثنايا برنامجه الانتخابي عبارة (وطن بلا سجون)..!
التيار


بواسطة : admin
 0  0  878
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:44 صباحًا الأربعاء 15 مايو 2024.