• ×

عثمان ميرغني يكتب : فقر دم (إداري) !

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية شارع الدكاترة.. أو شارع المستشفى.. أو شارع الحوادث في الخرطوم.. لا أعرف اسمه الرسمي، لكن السودانيين درجوا على حل مشكلة تسمية الشوارع بإطلاق الصفة الغالبة عليها.. فمثلاً (شارع المطار) هذا ليس اسمه.. اسمه الحقيقي (شارع أفريقيا) لكن الناس يحبذون استخدام (الصفة الغالبة).

شارع المستشفى في الخرطوم مزدحم ليلاً ونهاراً ليس بالسيارات والمارة و(ستات الشاي).. بل حتى بالباعة الجائلين، وسيارات (الأمجاد) المنتظرة.. والمفروشات للبيع على الأرض.. وبالطبع بعيادات الأطباء، والمختبرات، والمستشفيات.

وعلى ما في الزحام من كدر.. فإن الشارع الرئيسي نفسه (شارع المستشفى)، أو (شارع الحوادث).. مهترئ ممزق يفيض بالمطبات، والحفر.. وأكوام النفايات من كل لون.. ومنه تتفرع شوارع جانبية قصيرة وصغيرة في اتجاه الشمال الجغرافي لتصل شارع السيد عبد الرحمن.. هي نفسها مثال آخر لسوء الحال، والتخلف، والاتساخ.

بالله، حاول معي أخذ هذا الشارع (عينة) طبية، وأدخله المختبر؛ للتشخيص، واكتشاف العلة التي تصيب الوطن السودان- كله- وليس مجرد شارع صغير قصير طوله نحو كيلومتر واحد.

هذا الشارع المترع بالزحام والزكام الفوضوي.. هو في الحقيقة يعادل (ولز سترتيت) شارع المال في نيويورك.. فالمال الدائر في عيادات الأطباء، والمستشفيات، والمختبرات- بكل المقاييس- يجعل من هذا الشارع معلماً اقتصادياً قبل أن يكون طبياً.

وهل تعلم أنه فوق ذلك جاذب للعملة الصعبة من خارج السودان.. مثلاً (مستشفى فضيل)- وهو واحد من أبرز معالم هذا الشارع- 20% من مرضاه أجانب يأتون من خارج السودان خصيصاً للعلاج فيه.. تماماً مثل ما يطير مرضانا بالآلاف إلى الأردن طلباً للاستشفاء.

وبالطبع (سياحة العلاج) لا تعني المال المدفوع للمشافي- وحدها- فهي سلسلة تبدأ من الطيران، والمطارات، والإقامة في الفنادق، أو الشقق، وسيارات الأجرة، والبقالات، والأسواق.. قائمة اقتصادية طويلة كلها مستفيدة من (شارع الدكاترة)، أو(شارع المستشفى)، أو (شارع الحوادث)- سمه ما شئت!.

بهذا الحال؛ يصبح مثل هذا الشارع الصغير القصير مورداً اقتصادياً للسودان كله، وليس للأطباء، أو العاملين على جانبيه، وحواليه.. فما هي المشكلة أن تتولى وزارة البنى التحتية سفلتة الشارع بصورة تناسب قدره المالي– دعك من الإنساني المرتبط بمهنة الطب- وطوله كليومتراً واحد- فقط- ما هي المشكلة؟.

ثم ما يكلف "محلية الخرطوم" أن تنظم المرور فيه، وتصون البيئة حوله؛ حتى لا يتحول إلى مجرد مشاهد مشوهة- للغاية- تعبّر عن الفضوى، والتخلف المؤذي للجميع.. فلو تطور وانصلح حاله لأصبح مدراً لمزيد من المال لكل المتشاركين فيه، بما فيهم (ستات الشاي) وزبائنهنّ الكثر.. والمحلية أيضاً!.

كل العقدة أن تفكيرنا الإداري قصير النظر.. لا يدرك مخابئ الدرر.. نفترض أن المسألة (شأن شخصي) يهمّ القاطنين في الشارع، إن أرادوا بيئة حسنة فليدفعوا، أو فليقبلوا بالبؤس، وشظف الحال.

على هذا فقس.. من شارع الحوادث إلى شارع النيل الفخيم (عند برج الاتصالات).. بالله عليكم أسألكم–بالذمة- عندما ترون عشرات الآلاف الذين يجلسون حول الآلاف من (ستات الشاي) كل مساء في شارع النيل ألا يثور سؤال بسيط في ذهنكم؟.

أين يقضي هؤلاء حاجتهم الطبيعية؟.


بواسطة : admin
 0  0  906
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:04 مساءً الأحد 5 مايو 2024.