• ×

عثمان ميرغني يكتب : جريمة سنار !

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية روعت مدينة سنار الوادعة بحدث هزّ السودان- كله- أمس الأول.. اختصاصي الأمراض الجلدية والتناسلية د. مبارك آدم وفِي يوم عمل هادئ يدخل عليه في عيادته مريض بصورة روتينية لا تثير أَية هواجس أو ريب.. وبعد أن يتيقن المريض أنه في حالة انفراد كامل بطبيبه يشهر سكينا عطشى للدماء، وينهال بها على الطبيب، ويتركه سابحا في دمائه.. ويلفظ الطبيب أنفاسه وهو بين يدي زملائه الذين كانوا يحاولون دون جدوى إنقاذه من براثن الموت.

حتى الآن الروايات تسجل الحدث تحت عنوان (العلاقة بين الطبيب ومريضه).. فحسب ما هو متاح أن المتهم كان مريضا تحت كنف الاختصاصي القتيل.. ثم سافر المريض لمزيد من المتابعة في الخرطوم.. فأسدى له الطبيب الخرطومي النصح أنه فقد فرصة الإنجاب بسبب أخطاء الطبيب الأول في سنار.. فكانت المذبحة الأليمة..

هذه الرواية لا تزال تحت الفحص إلى حين استقصاء الشرطة.. لكنها في كل الأحوال لا تبعد كثيرا عن قصص كثيرة مشابهة كانت تبدأ من صاحب (الرأي الثاني)- كما يطلق عليه الأطباء.. مريض يتلقى علاجا من طبيب، ثم يذهب يلتمس الرأي الثاني لدى طبيب آخر.. وهو أمر مقبول وعادي.. لكن يفاجأ المريض بمعلومات قاتلة من الطبيب الثاني في حق زميله الأول.. وعادة تبث المعلومات بصورة أقرب إلى العفوية.. مثلا.. علامات قلق ترتسم على وجه الطبيب، ثم يسأل المريض- بتلقائية- أين تلقى المعالجة الأولى؟.. وتكفي هذه الحركة الإيحائية ليدرك المريض أن الطبيب الأول أخطأ في علاجه.. ثم تتالي عواقب هذه المعلومات لتنجب مثل حادثة سنار.

من الحكمة الآن أن نبحث عن مصدر العلة في علاقة المريض بالطبيب.. هل هي متلازمة الطرق المتواصل إعلاميا على الأخطاء الطبية، وتضخيمها بالصورة التي ترفع من حمى الإحساس بالغبن لدى المرضى.. أم هي من صدى الواقع المهني الطبي المأزوم بعلل كثيرة، على رأسها شُح الإمكانيات، وسوء الأوضاع العامة، والطبية خاصة؟.

في تقديري هناك مشكلة في (التواصل بين الطبيب والمريض)، غالبية شكاوى الأخطاء الطبية تنتهي عند هذه النقطة.. المريض لم يفهم أو يتفهم طبيعة الإجراء الذي أقدم عليه طبيبه.. وغالبا لأن الطبيب لم يبذل ما يكفي لتوصيل المعلومات الطبية الواجب معرفتها إلى المريض.. ولا أدري هل سوء التواصل بين الطبيب ومريضه هو لغياب البروتوكولات الطبية عندنا التي تلزم الطبيب بذلك أم للفجوة النفسية بين الطبيب ومرضاه بحكم واقعنا- أيضا- المأزوم في كل جوانبه.. في تقديري أن الأمر ما عاد يحتمل مزيدا من أريحية (المهلة)، والتنظير التجريدي.. يجب على الأطباء أن يشركوا المجتمع معهم في بحث أسباب الظاهرة.. ظاهرة تجريم الأطباء، ثم التوافق على معالجات سريعة تضمن استقرار العلاقة بين الطبيب والمريض.

لا بد من إجابة سريعة عن سؤال حتمي.. من يقتل الآخر.. الطبيب أم المريض؟.


بواسطة : admin
 0  0  1121
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:43 مساءً الأحد 5 مايو 2024.