• ×

سوريون في السودان.. بدايات جديدة من رصيد معاملة حميدة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الخرطوم ـ السودانية 

عندما تأتيك عبارة (اشتهيت السودان شدييد) محمولة على أثير شبكات المحمول والوسائل الأخرى عند مكالمة مع من تجمعك به الصلة من السودانيين المغتربين رغم أوضاعه الجيدة، تتجاوزها من مقتضى منطق كونه اشتياقا للوطن، ولكن قد لا يمكنك فعل ذلك إذا ما صدرت في شكل معني من السوريين المتوافدين على السودان منذ ثلاث سنوات تجذبهم فقط تسهيلات من السلطات السودانية وكرم وأصالة معروفتان عن هذا الشعب.

أما الجديد فقد يتمثل في ملاحظة تمسك الشعب بهذه المعاني كلما استحكمت حلقات الحالة الاقتصادية التي فاجأت الضيوف وتأثروا بها في آن.. فخرج من خرج، أما من بقي فكان لسان حاله كأنما يردد (طول ما القلوب الصدق جواها.. ميهمناش.. طول ما العيون الطيبة ساكناها)

يعلق الفريق محمد بشير سليمان الناطق الرسمي السابق للقوات المسلحة واضعاً الأحداث السورية في حديثه لـ(اليوم التالي) تحت تقييم أن الحرب قذرة بطبيعتها، وبالتالي فإن بشاعتها تبقى حتمية، ومع أخذ أن الصراع بين الحكومة وجبهة المعارضة هناك اتخذ طابعاً أكبر من مستوى عناصر تتمرد داخل الجيش، من خلال طرفين مدعومين مادياً ومعنوياً بأسلحة فتك وتدمير شامل، وتحرك المقاومة على مستوى المدن، واختيار النظام لأسلوب وحشي لا يتورع في رد الصاع صاعين للمقاومة، وفي ذلك لا يتورع ولو أباد كل الشعب بقوات معدة بالروح العدائية التي يتم تفعيلها مسبقاً في إطار التدريب العسكري والمعنوي في نفوس المجندين، أو على أساس شحن عقدى، أو في إطار كبت وفقدان الحريات، أو ظلم من سلطة حاكمة أو مجتمع، في وقت تقاتل مع الطرف الآخر دول ومنظمات جهادية، وإذ أن هدف الحرب في الأصل الإنسان عبر العنف القاتل بين المقاتلين أو حتى المدنيين الأبرياء، تقف الدبابات على سبيل المثال في المدن المستهدفة لغرض القتل الذي يكون سهلاً بالبناء على المفاهم السابقة، أو بغرض التعذيب، أو تدمير الأبنية لأغراض نفسية، لتنتج من ثم المخرجات.. فقدان الاستقرار والسلام والطمأنينة.. توقف التعليم والخدمات.. إزالة أية صورة ترمز للحياة وجمالها.. وقد تنتج الصورة البائسة (التشرد والجنوح والممارسات اللا أخلاقية أو أعراض مثل القلق الحاد وفقدان الذاكرة)، ليفكر المدني بالخروج من هذا الجحيم وتبدأ حالات اللجوء بحثاً عن الأمان للأسرة والمجتمع.

الطريق إلى الخرطوم

قادم من بعيد في مساء جمعة في أبريل الماضي كان أبو عبدالله وزوجته وأبناؤه الخمسة يجلسون على مقاعد الطائرة المتوجهة إلى الخرطوم بعد يوم صاخب ومتوتر بإحداث الثورة، تلك الليلة تنوعت أعراض فوبيا الطائرة عند بعض الركاب ما بين ارتفاع ضغط الدم وانخفاضه والصمت المطبق، فيما استكانت قلوب أفراد الأسرة في استراحة أشبه بما بين الشوطين بعدما خفقت بشدة من (هجمات) طرفٍ آخر، والقدر ينتظرها في الخرطوم بحصة أخرى مجهولة الوطن والأرض والأهل، ففي أجواء من البحار والبلدان المختلفة حلقت الطائرة، وأزيزها يرتفع وينخفض، ثمة من يقدمن كالعادة الأطباق والمشروبات، وأفراد الأسرة.. يتابعون ويستمعون لعبارات توضح اتجاه السير، يتناولون الأكل والشرب، يستجيبون للتوجيهات، ولكن بتركيز منخفض، فإحساس الحزن الذي خالجهم في تلك اللحظات لفراق قرية البلك الجميلة في الريف جعل اللامبالاة تسيطر، والاستمتاع الذي تنازعته آمال خجولة بالعودة قريباً إلى أرض الوطن غير قائم، ثمة شريط لا يستدعونه كثيراً ولكنه كان معززاً لحالة الحزن بشكل لا إرادي، يتشكل من معرفة مسبقة للبلد البديل، فهي ليست خليجية معروفة بحياة الرفاهية، بل يعد الفقر من عناوينها البارزة رأس مالها الوحيد طيبةٌ عرفوها عن السودانيين من خلال والدهم الذي تعرف على بعضهم في رحلات حج قديمة قام بها للسعودية، ورغم ذلك استمرت الأفكار تخالط بعضها، حتى أثلجت الصدور، وبدا الصراع الداخلي وكأنه يحسم لصالح حضن جديد، عندما تنبهوا فجأة على صوت أحد السودانيين وهو يقول: وصلنا الآن مطار الخرطوم؛ أهلاً بكم في وطنكم (الاول) السودان..

نومة بالدنيا وما فيها

بعد سويعات كان الأبناء ينامون بعمق في منزل قريبهم بالمنشية، الذي طمأن والدهم قبل أسبوعين على الأوضاع في السودان، أبو عبدالله علق أن تلك النومة كانت له بمثابة الدنيا وما فيها كونها الأولى بعد عامين من النوم المتقطع خلال الليل بأمر الأصوات والدوي ولا سيما منظر صغيرته أبرار التي نامت على أقرب طاولة..

عدة مظاهر دلت على أن الأسرة تعمل على تأسيس حياتها في الواقع السوداني، حيث انتقلوا لحي كافوري ليكونوا قرب معرضهم في المنطقة الصناعية بحرى، زرناهم هناك، وعلى الباب استقبلتنا أم عبدالله وأبرار، كان الأب والأبناء في العمل، ويعملون في مجال الرخام والغرانيت، وبينما كانت الأم تردد عبارات الترحيب؛ ظلت ابنتها أبرار التي تدرس في أولي أساس تتقافز بفرح؛ وهي تحمل نتيجةً توضح تفوقها في جميع المواد وإحرازها الدرجة الكاملة.. وأثناء التبريكات أبانت أم عبدالله أنها لا تقوم في العادة بمساعدة ابنتها في المذاكرة لأنها لا تريد تشويشها بطريقة المنهج السوري التي تخالف نظيرتها السوداني، فكان الحديث في (اليوم التالي) امتداداً لذلك، حين التقينا بالجميع ما عدا البنتين الكبريين اللتين غادرتا إلى زوجيهما بالسعودية، فأطنبت امتثال في الاشادة بابنتها الصغيرة وكيف أنها اندمجت مع المدرسة بسرعة وحفظت مفردات سودانية عديدة لدرجة مساعدتها في ترجمة أحاديث الجيران، هنا فاجأني الابن الأصغر محمد عندما تدخل معلقاً على شقيقته: باين عليها (مفتحة) زي مابتقولوا إنتوا، ذهلت ورددت عليه: إنت ذاتك باين عليك (مفتح).. ضحك الجميع، واستأنف محمد: أنا حفظت كلمات سودانية كتير؛ زي هسة؛ وبجي راجع؛ ومن أول ما جيت سكنت بالبيت (طوالي) صاحبت ناس وأول واحد اتعرفت عليه (بتاع البقالة)، في الأيام الاولي كنت لما ادخل شي محل السودانيين يقولوا لي تعال يابن النيل فأقول لهم أنا ما ابن النيل كانوا يفتكرونني مصري، ومن العبارات التي كانت تشعرني بالملل لما يقولو لي والله بشار عمل فيكم عمايل..

دفار الحصاحيصا مدني

أما عبد الله فقال: لم أرتبط بصداقات مع شباب سودانيين لأنهم ما حيفهموا عليا متل السوريين.. الاخوان اللذان يعملان مع والدهما في تركيب الرخام لم تمنعهما غربة البلد من تحمل مسؤولية العيش، حيث كشفا عن سفرهما بدفار لعمل في الحصاحيصا ومدني، وعن اختلاف الشغل بين بلدهم والسودان رأيا أن السودانيين يرفضون عامةً الأفكار الجديدة في تصاميم المباني على عكس قرية (البلك) في سوريا التي عرفت القصور والمباني الضخمة رغم كونها قرية، وبالإشارة لذلك قال أبو عبدالله إن شوارع الخرطوم فاجأتهم بأتربتها وقمامتها إذ كانوا يتوقعونها كعاصمة أن تكون أكثر حضارةً، وأضاف: كما لم نتوقع أن تكون سلة الغذاء العربي فارغة رغم نيلكم وأرضكم الخصبة، هذا الأمر أعاد أسراً إلى سوريا أو لدول الخليج، ومن هؤلاء 3 أسر رافقتنا في الطائرة، أما بالنسبه لنا فقد توكلنا على الله، وقررنا خوض التجربة بمساوئها ومحاسنها التي تزينها الطيبة السودانية واحترام السوداني للآخرين، إذ لا يضطهد اللاجئ السوري هنا كما يحدث في دول جوارنا، وعن الحياة اليومية قال: السودانيون عامةً دمهم خفيف وبمشوا معاك في الهزار على طول، أبو عبدالله أعاد أيضاً ذكرياته مع الرحلة وقال إنها جاءت بعد فقدان أملٍ دام عامين بالعودة لحياة الاستقرار حيث كان السودان من ضمن خياراتهم المحدودة، ولكنه أبان أن أسلوب حياتهم تحول 180 درجة.

ارتياح في العلاقات الاجتماعية

وتحدثت إمتثال عن معاناتها من عدم توفر احتياجات تتعلق بالوجبات السورية في الاسواق سيما في فصل الصيف مثل الكشك وورق العنب، بينما عبرت عن ارتياحها في علاقاتها الاجتماعية مع الجيران الذين تعرفت عليهم بواسطة جارتها مالكة الشقة، وتقدمت الأسرة بالشكر الجزيل للشعب السوداني على كرم وطيب المعاملة..

في السياق كونت لجنة خيرية اتخذت مقرها في شارع محمد نجيب، تقدم المساعدات للمحتاجين من السوريين ومن يتوافدون منهم بخلفيات تفترض توفر فرص العمل في السودان بحسب مسؤول اللجنة أبو الخير، الذي استطرد لـ(اليوم التالي) أنه بأخذ تسهيلات الإقامة وتأشيرة السوريين للسودان وصعوبتها في الدول العربية الاخري تتوافد أعداد بمبالغ محدودة على أمل انجلاء الأزمة قريبا، فيما قد تتوفر فرص عمل للبعض منهم ولكن برواتب لا تكفي للاستئجار والمعيشة، فتظهر الفجوات ويضطر كثيرون للتسول أمام المساجد كما حدث في حالات عديدة، وأوضح أن اللجنة مكونة من بعض قدامى الشباب السوريين في السودان ولا ترتبط بجهة دعم، وتتمثل مساعداتها في توفير فرصة عمل للمحتاج من خلال المعارف من السودانيين أو السوريين، فضلاً على تقديم سلة تحتوي على المواد الغذائية الاساسية وتكفي بالكاد (20) يوماً، وأبان أن مساعداتهم شملت حوالي (70) أسرة، ورغم أوضاع السودان أشار إلى أن سوريين كثرا تأقلموا على البلد لجهة راحتهم النفسية في التعامل مع السودانيين، فيكفي كما قال أن إحدى الأسر السورية أقامت لثلاثة أيام مع عائلة سودانية تكفلت بها بعد أن علمت بإقامتها في المسجد المجاور، ذلك فضلاً على العادات والتقاليد المتشابهة.

من ناحيته أكد عادل دفع الله مدير إدارة الحماية والخدمات الاستشارية بمعتمدية اللاجئين أن أكثر من 500 سوري تم تسجيلهم من أصل 600 طلبوا اللجوء وقال إن المعلومات المتوفرة لديهم من مطار الخرطوم تفيد بتوافد حوالي 7 آلاف سوري منذ بداية الأحداث في مارس 2011 مؤكداً أن أولوية الخدمات التي سوف تقدم للاجئين منهم ستتمثل في السكن بعد أن اشتكوا من عدم امتلاكهم ميزانيته ولفت إلى أن المعتمدية ستتصل بعدد من الدول العربية التي تدعم في هذا الاتجاه، وتوقع عادل المزيد من طلبات اللجوء في قادم الأيام
رندا عبدالله ـ اليوم التالي


بواسطة : admin
 0  0  1519
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:08 مساءً الجمعة 3 مايو 2024.