• ×

الصادق المهدي :نميري كان يكرهني لدرجة انه ندم علي عدم قتلي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية حاوره: فتح الرحمن شبارقة

يصادف اليوم ذكرى ميلاد الإمام الصادق المهدي الـ (81)، وبهذه المناسبة - التي سيحتفل بها للعام الثالث على التوالي في منفاه الاختياري بالقاهرة - طرحت (الرأي العام) عليه العديد من الأسئلة التي تنتظر الحصول على شهادات واعترافات بعيداً عن الخوض في قضايا الراهن السياسي الشائكة. ولأن الإمام، وزعيم حزب الأمة القومي يتعامل بتقدير عالٍ مع الصحافة والصحفيين، لم يتأخر في الاجابة على تساؤلات (الرأي العام)- على كثرتها - فقد وصلني رده في زمن قياسي عبر الإيميل وهو يصدّره بهذه المقدمة: (ابني الحبيب فتح الرحمن شبارقة.. أشكرك على أسئلتك والإشارة لذكرى ميلادي التي حولتها من احتفال إلى وقفة مع الذات لعام مضى وعام آتٍ، ولكن الحشويين يضحكون على المناسبة). ولم ينسْ أن يصوّبني بعد اشارتي في معرض الأسئلة الى أن عمره (82) سنة، وذلك بقوله في ذات المقدمة: (والعمر سيكون 81 فقد زدتني عاماً أرجو أن أبلغه بصحة جيدة، فالمسألة ليست عدد السنين بل الصحة العقلية والبدنية)، فإلى مضابط الحوار مع الإمام المتجدد الذي يزداد اسهامه مع تقدم السن فيما يبدو، كما أن الزمن بالنسبة له ليس فواصل تحجب بصيرته النافذة عن عوالم المعرفة والحداثة، بل يُعتّق تجربته الشاهقة بصورة تجعله حضوراً رغم الغياب في ذاكرة الناس ومسرح الأحداث:

*قال الشاعر: إن الثمانين وقد بلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان، ومع الأمنيات بدوام الصحة، ما الذي يحتاجه الإمام وقد زاد عن الثمانين؟
- مع العمر تختل الحواس وشكوى زهير لها ما يبررها وكثير من الناس مع العمر يعجزون كما قال العباسي:
سبعون قَصّرتِ الخُطا فتركنَني أمشي الهُوينى ضالعاً مُتَعثِّرا
صحة الإنسان ميزان لسلوكه وقد قلت لكثيرين هنالك خمس خصال معنوية, وست خصال حسية تساعد على تأخير الشيخوخة. والخصال المعنوية هي أن يكون الإنسان ذا إيمان بهدف أسمى، وأن تكون علاقاته بالآخرين المحبة، وألا يغضب، ولا يحسد، ولا يحقد. والخصال الحسية هي الامتناع عن الخمر، والدخان، وعن الوزن الزائد، والحرص على ممارسة الرياضة، وعلى تناول الإفطار بانتظام (هو أهم وجبة)، وعلى النوم ست ساعات في الليل على الأقل. وثمن عدم الالتزام بهذه الخصال هو تقدم الشيخوخة كما قيل: إنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدِبُّ دَبِيبَا.
أما خطتي للعام القادم إذا شاء الله فسيكون عنوان خطابي: العبور. العبور إلى وضعٍ جديد في حزب الأمة، وفي كيان الأنصار، وفي النظام الوطني، واستشراف العبور الدولي.
* كم أمضيت من عمرك في المنافي الاختيارية خارج البلاد، وفي السجون والمعتقلات داخلها؟
- ما أمضيت في المنافي بلغ في جملته حوالي 11 عاماً (في مايو: أبريل 1974- سبتمبر 1977م، أكتوبر 1978- أغسطس 1979. في الإنقاذ ديسمبر 1996- نوفمبر 2000، 6 مايو 2003- 27 اكتوبر 2003، أغسطس 2014- الآن).
وما قضيت في الاعتقالات بلغ في جملته حوالي 8 أعوام بالحساب العادي، و10 سنوات بحساب قانون السجون (مايو: يونيو 1969-مايو 1973م، ديسمبر 1973-أبريل 1974م، سبتمبر 1983- ديسمبر 1984م. الإنقاذ: يوليو 1989- مايو 1991، أسبوعين يونيو- يوليو 1994م، 3 شهور و10 أيام مايو- أغسطس 1995، شهر مايو- يونيو 2014).
* على المستوى الشخصي أو العام ما هو الشيء الذي يرغب الإمام أن يحققه أو يطمح في تحقيقه؟
- على المستوى الشخصي أطمح أن أحقق لحزبي مؤسسية وكذلك لهيئة شؤون الأنصار لتولي المؤسستين المستقلتين عن بعضهما أمر الخلافة فيهما. وللوطن دستور ديمقراطي كي أتفرغ لأنشطة فكرية، وثقافية، ودولية، واقتصادية وأتطلع أن تكون هذه النقلة أعجل ما تكون.
* آخر صورة التقطت لك وأنت تمارس لعبة التنس بالقاهرة، ومن المعروف أنك تمارس عدداً من الرياضات.. البعض يقول إن التنس أقرب إلى السياسة نظراً إلى الانتقال السريع من موقع إلى موقع إلى جانب خصم في الطرف الآخر.. ماذا ترى؟
- من الأشياء المهمة هي أن يكون لكل فرد منا ولكل العمر ممارسات رياضية محددة وبالنسبة لي هي الفروسية والتنس.
التنس لعبة نصف فكرية كما مارسها ذلك الأمريكي الإفريقي الراحل آرثرآش. نعم التنس يتطلب لياقة بدنية، وخبرة فنية في التحكم في الكرة، وكذلك خطة فكرية في المناورة بالكرة، وطبعاً في كل مهام الإنسان هنالك حاجة للياقة البدنية، وللخبرة الفنية، وللعقل، وهي خصال مطلوبة في السياسة, وإن كان كثيرون يعتبرونها حرفة من لا حرفة له. هؤلاء هم الذين أكسبوا السياسة سمعة سيئة.

*لعبت التنس مع النميري في الخرطوم بعد المصالحة.. هل نحن على أعتاب مصالحة أو مباراة تنس وشيكة في الخرطوم يكون أحد أطرافها الإمام؟
- نعم لعبت التنس مع النميري وأكثر من التنس لعبت معه البولو. كان للنميري نحوي مشاعر حادة تقوم على كراهية ومحبة. كراهية لدرجة أنه قال إنه نادم على أنه لم يقتلني. ومحبة لدرجة أنه زارني في منزلي ومعه السيد فتح الرحمن البشير رحمهما الله في عام 1982م وقال لي: يا فلان ليس في من حولي شخص أعهد إليه حكم السودان مستقبلاً. وأنت الأحق بذلك فتعال أعينك خليفتي ونائبي. قلت له: أشكرك على هذه المشاعر الطيبة ولكنني لا اقبل أية وظيفة في نظام غير ديمقراطي. فإن صار نظامك ديمقراطياً فإنني أقبل أن أكون فيه غفيراً, وإلا فلا.
نعم أتوقع أن أعود للبلاد في 26/1/2017م. إن شاء الله ولي فرقة من الأصدقاء في التنس والبولو أنا على اتصال مستمر معهم وأرجو أن استأنف اللعب معهم لدى عودتي. وعودتي ليست مرتبطة بأية مصالحة لأن هذا الاحتمال قتله الطرف الآخر عمداً ومع سابق الإصرار، وكما هو معلوم مصالحة على وزن مفاعلة والمفاعلة بين طرفين.
* البعض يرى أن الإمام مفكر ومجدد ولكن المشكلة أن أتباعه أو أنصاره تقليديون.. كيف تنظر إلى هذه المقولة؟
- بالنسبة لمسألة مفكر ومجدد هذه لقد كنت عازفاً أن أتولى إمامة الأنصار لولا أن الحبيب الراحل عمر نور الدائم قال لي: إن مركز إمامة الأنصار مهم للغاية فماذا لو احتله شخص رجعي أو قابل لمهادنة في المصالح الوطنية؟ كانت هذه حجة, وحجة أخرى أن قاعدة الأنصار الجماهيرية حرصت على أن أنال هذا الشرف. ولكنك إذا التقيت بقيادات الأنصار الآن وبقيادات حزب الأمة سوف ترى إلى أية درجة هم يدعمون مدرستي ويسهمون فيها ليس في داخل الوطن, بل أيضاً في المحافل الدولية. استمع لهم ولخطبهم ولمداخلاتهم تجد أنهم فعلاً معي في فريق واحد.
ولكيلا ألقي الكلام على عواهنه، أنتم في الصحافة اختاروا عشرة من الكوادر السياسية من كل الأحزاب، وعشرة من الكوادر الدينية من كل المنظمات الدينية، وأقيموا مناظرتين واحدة للكوادر السياسية والثانية للكوادر الدينية، فسوف تجدون عشريتنا الأكثر تأهيلاً والأكثر إلماماً بالمفاهيم الصحوية في المجال السياسي وفي المجال الديني.
* كلما ادلهمت الخطوب في الداخل لجأ الإمام إلى مصر. لماذا مصر تحديداً وليس أي بلد آخر؟
- نعم جربت الحياة في أكثر من بلد خارج السودان, وأفضل مصر على غيرها. وبعض الناس يعتقدون أن كياننا عدوٌ لمصر.. هذا انطباع خاطئ، فالإمام المهدي كان يعتبر مصر نفسها ضحية للعثمانية الظالمة. وكانت أهم تيارات الوعي في مصر في زمانه: التيار الإسلامي والتيار الوطني, كانا يؤيدون الدعوة المهدية وأهدافها بشهادة مجلة "العروة الوثقى" التي كان يصدرها الشيخان الأفغاني ومحمد عبده قادة التيار الإسلامي المجدد حينها، وكتاب أحمد العوام أحد زعماء العرابية، الثورة الوطنية التي تصدت للحكم الجائر آنذاك.
والعداء الذي اشتد لمصر كان في عهد الإمام عبد الرحمن، وهو ليس عداءً لمصر بل لطبقة خديوية أرادت أن تقيم العلاقة بين مصر والسودان على أساس السيادة المصرية على السودان. وبعد استقلال السوداني عمل الإمام عبد الرحمن وحزب الأمة على إقامة علاقة خاصة بمصر بشهادة السيد عبد الفتاح المغربي رحمه الله. وقبل انقلاب 25 مايو 1969م ذهبنا، الإمام الهادي وشخصي ووفد لمصر، والتقينا الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، واتفق معنا على إقامة علاقة خاصة بين بلدينا, ولكن هذا المشروع أبطله انقلاب 25 مايو 1969م. أسوأ ما يشوه العلاقة بمصر هو وجود ساسة سودانيين مستعدون أن يقيموا علاقات مع مصر على أساس التبعية والحب من جانب واحد على نمط مقولة:
والناسُ فيكِ اثنان شخصٌ قد رأى حُسْناً فهام به وآخرُ لا يرى
مشكلتنا مع أهلنا في مصر أن طبقاتها الحاكمة تؤسس العلاقة على غزو محمد علي، وعلى غزو كتشنر، وهما غزوان ليس للشعب المصري فيهما دور إرادي, بل في الحالين كان الشعب المصري مغيباً تحت القيادة العثمانية والقيادة البريطانية, وفي الحالين كانت مصر كالسودان محتلة. وكانت وما زالت إقامتي في مصر لا تقف عند حد العلاقة بالرسميين كما هو حال كثير من الساسة السودانيين. بل أسستُ علاقاتٍ قوية مع المجتمع الفكري، والمدني، والثقافي، المصري، وفي مصر في كل هذه المجالات قوة ناعمة ثرية للغاية. ورغم ذلك فإن لنا علاقات واسعة مع بلدان عربية أخرى كالأردن، وتونس، وعلاقات أفريقية واسعة كنيجيريا وإثيوبيا، وإن لزم فالإقامة فيها ممكنة.
* الإقامة في الغربة تستلزم توفير المال الكافي.. هل يجد الإمام مشقة في الصرف المالي؟
- نعم أجد صعوبة في الصرف المالي فإن الحرص على استقلالية القرار الوطني يحرمنا من المساعدات المالية. ومعارضة النظام في السودان تكلفنا المصادرة, فقد قدر المختصون أن الأصول المصادرة من الحزب وكيان الأنصار تبلغ 6 ملايين دولار أعطونا منها مليونين عن طريق "المجادعة". ونظام "التمكين" يجعلنا وغيرنا من المستثمرين غير الموالين عرضة لقيود بالغة تـُرفع في العادة للمحاسيب، وعلى الصعيد الأسري فإن موقفنا المعارض حرمنا وغيرنا من ورثة الإمام عبد الرحمن المهدي من حقوقنا التي أقرتها لجنة الحسبة فيما يخص مشروع "أم دوم"، وواضح أن النظام يربط ذلك بتخلٍ عن موقع المعارضة. ومع ذلك فإنني بذلت للعمل العام وما زلت دعماً مالياً وعقارياً كبيراً. ومشكلتي المالية الآن ليست في مصاريفي الخاصة فهذه ليست مشكلة حتى الآن، ولكن تمويل العمل العام هو المشكلة، وقد قدمت دراسات عن الذين أثروا من العمل السياسي وهم كثيرون وقدمت دراسات عن الذين أفقرهم العمل السياسي وتجدني على رأسهم ولله الحمد.
* كيف تصف الحالة الصحية لقوى المعارضة الآن؟
- المعارضة في السودان قوية للغاية، ولكن وضعها التنظيمي ليس بمقدار قوتها وهي تعاني من شروخ تنظيمية وشروخ جيلية وشروخ جندرية وشروخ جهوية، ولكنها شروخ يدركها المعنيون وهم عاملون على إزالتها، وإزالتها ممكنة، لأنها خلافاً للقوى السياسية والمعارضة في الدول العربية وفي الدول الأفريقية ليست موبوءة بعداوات شخصية وتوترات عميقة، وسترى أننا سوف نزيل العيوب لنؤهل الكافة لبناء الوطن. ومهما كان في أمرها من عيوب في هذه المجالات فهي في النظام الحاكم أضعافٌ مضاعفة.
نواصل..


بواسطة : admin
 0  0  1182
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:41 صباحًا الإثنين 29 أبريل 2024.