• ×

عثمان ميرغني : جريمة (إختلاس) !

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية قبل عدة سنوات وبدعوة من الخارجية البريطانية، زُرت عدة مُؤسّسات في لندن ومدن أخرى.. أذكر في مدرسة للأطفال حاولت التقاط صورة للتلاميذ فرفض مدير المدرسة بحزم وقال ليإنّ الأمر يستلزم أخذ مُوافقة مكتوبة من ولي أمر التلميذ قبل التقاط صورته.

أمس صباحاً مررت بشارع مدرسة لمرحلة الأساس في أمدرمان.. رأيت بعض الحافلات المُستأجرة وعليها عَلَمَ السُّودان تنقل التلاميذ إلى الحشد الجماهيري في السَّاحة الخضراء.. الصغار الذين ربما لم يسمعوا بالحوار الوطني.. يُلوِّحون بأيديهم فرحاً بالتخلص من يومٍ دراسي ثقيلٍ.. لكن يَبقى السُّؤال.. هل وَافَقَ أولياء الأمر على نقل أطفالهم الى السَّاحة الخضراء؟؟ بل هل هُم يعلمون بذلك؟ أترك الإجابة لفطنة القارئ.. إنْ كان مجرد التقاط صورة لتلميذ عندهم يَستلزم مُوافقة مكتوبة من أبويه.. فكيف بسرقة الطفل من مدرسته خِلسَةً بغير علم ولي أمره ليقف في رابعة الشمس بالسَّاحة الخضراء يتلفت ويهتف بما لا يدرك معناه.. هل وافقت وزارة التعليم على مثل هذا السُّلوك؟ إن كانت الإجابة "نعم" فلا عزاء للتعليم ووزارته.. وإن كانت الإجابة "لا" فلا عزاء للوزارة وتعليمها أن لا تعلم ما يفعله (سَماسرة) المُظاهرات السِّياسيَّة بتلاميذها.

بَعض العَاملين في الحكومة اتصلوا بصحيفة "التيَّار" وقالوا إنّهم تَعرّضوا لتحرشٍ سياسي سَافِرٍ.. الإدارات الحكومية أنذرتهم بضرورة التوقيع على سِجِل الحُضُور صباحاً كالمُعتاد ثُمّ قبل الصعود إلى الحافلات التي تنقلهم إلى السَّاحة الخضراء.. وبعد المُظاهرة.. وأرسل لي أحدهم الإعلان الحكومي الذي وُضع في لوحة الإعلانات في إدارتهم ويقول نصه: (تقرّر مُشاركة جميع العاملين في احتفالية دعم مُقرّرات الحوار الوطني بالسَّاحة الخضراء في يوم الثلاثاء 11/10/2016 في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً، عليه نرجو التقيُّد بالإجراءات الآتية:

أخذ تمام الصباح كيوم عمل عادي، لا يُسمح فيه بالغياب.

يتم التحرك من رئاسة الوزارة. ويتم أخذ التمام عند التحرك وبعد نهاية البرنامج. نرجو عدم تعمد الغياب منعاً للحَرج..)!

بالله عليكم ماذا حَقّقَت الحكومة من هذا الاحتفال الباهظ التكاليف سوى مَزيدٍ من تندر وسخرية الشارع السُّوداني على مثل هذا السلوك الذي عفا عليه الزمان ولم يعد يقنع أحداً بأنّ هذه الجماهير تجشّمت مشاق الحُضُور بكامل قناعتها..

أليس للحكومة مُستشارون أو خبراء إعلاميون يعرفون كيف تُوجّه الرسائل الجماهيرية.. ما الحكمة في زَج الأطفال الصغار في مثل هذه المراسم السِّياسيَّة وتغييبهم من مقاعد العلم لمجرد توفير صورة تلفزيونية لحشدٍ مُصطنعٍ..

كيف يقتنع الشعب السُّوداني بأنّ صفحة جديدة انفتحت.. ومُمارسة سياسيّة رشيدة بدأت إن كانت تلك هي أول صورة تلتقط لـ(الصفحة الجديدة).. فيها نفس ملامح عُهود سياسيّة سَادَت ثُمّ بَادَت.. وربما يعذر تلك العُهود على الأقل أنه لم يكن يتوفّر لها وسائط اتصال جماهيري كما هي اليوم..

إنّها جريمة (اختلاس) تلاميذ من مدارسهم..!
التيار


بواسطة : admin
 0  0  1104
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:00 مساءً السبت 4 مايو 2024.