• ×

د.سعاد ابراهيم عيسي تكتب: شعب فقير في دولة ثرية !

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية سياسة الجزرة والعصا التي أدمنت حكومة السودان ممارستها عليها, لم تؤهلها لاستخدامها بطريقتها الصحيحة مع شعبها المقهور, بان ترفع له الجزرة أولا ليقبل عليها مستجيبا لما تريد, وان عجز يتم استخدام العصا للوصول للهدف المنشود. بينما ظلت حكومتنا وإمعانا في لقهر, ترفع العصا في وجه مواطنيها أولا, ومتى فشلت في قهرهم كما تريد ,حينها فقط تلجأ الحكومة لرفع الجزرة التي غالبا ما تعجز هي الأخرى عن إخضاع الجماهير لما ترمى إليه السلطة.
إن أفضل وأشهر جزرة ظلت ترفع في وجه الشعب السوداني, هي حدوده ثراء السودان وخيراته الظاهرة فوق أرضه وتلك الكامنة في باطنها, ولا ننسى أن نضيف إليها ثروته البشرية المؤهلة والمدربة والقادرة على استثمار تلك الثروات ظاهرها وباطنها, متى وجدت الفرصة متاحة لها لفعل ذلك. وجميعها حقائق لا يختلف اثنان حولها, كان بالإمكان ان يصبح بموجبها أحد أثرى دول العالم, ولكن لم يحدث للأسباب التي مللنا تكرارها بلا جدوى..

هذه الثروات التي ظلت تصدح بها السلطة كلما تعرض السودان لأي من أزماته المتصاعدة خاصة الاقتصادية منها بالذات, فتعزى ذلك الأزمة إلى البعض من دول الاستكبار, كما يحلو لهم تسميتها, التي تقف في طريق نهضة وتطور السودان حسدا من عند أنفسهم, ودون أن تنظر السلطة إلى صنع يداها الذي قاد إلى تلك الأزمة, على رأسه سياسة التمكين, التي أفقدت الحكومة أهم وسيلة لتحقيق نهضة وتطور السودان, أي العنصر البشرى الذي تخلصت من كل خياراته.

والحكومة أكملت خطوات وأد فرص تنمية السودان ونهضته, باعتمادها لسياسة التغطية والتستر على كل أخطائها وفى مقدمتها أخطرها, الفساد, الذي أصبح يمشى في الأسواق ويأكل أموال الناس من الفقراء والمساكين, ودون أن يقف في طريقه قانون يؤدى إلى القضاء عليه, بدلا من خلق القوانين التي تعمل على رعايته بتسترها على الفاسدين, وتيسير مخا رجتهم من أي مشكلة تعترض طريقهم, حتى تمكنهم من الاستمتاع بما نهبوا, رغم انف الشعب المنهوب. وهنا يجب أن نسال عن مفوضية الفساد التي أعلن عنها أخيرا, ولم نسمع لها حسا ولم نشاهد لها فعلا يمكن أن يردع كل من اعتدى على المال العام, وبالصورة والطريقة التي تجعل الآخرين يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على أي عمل فاسد؟

عندما هبطت على السودان ثروات النفط, كانت الفرصة مواتية لاستخدامها في استثمار ثروات السودان الأخرى, الزراعية كانت أو الصناعية وغيرها, لكن وفى ظل تنامي حالات الفساد وتذوق نعماء الثراء بصرف النظر عن حلاله من حرامه, أصبحت عائدات النفط أسرع الطرق التي يوصل إلى قمة الثراء, فسلكه الكثير منهم دون أي التفات إلى حقوق المواطنين فيه, حتى انفصل الجنوب ونضب بموجب انفصاله ذلك السيل المنهدر, فأدخل السودان وشعبه في أضيق نفق اقتصادي قاد غالبية مواطني السودان إلى نفق الفقر وظلامه, بينما جعل القلة من جماهيره بثرائهم ينعمون..

ألان تلوح في الأفق بشائر ثروة جديدة تمثلت في عائدات استخراج الذهب حاليا. ما يدهش حقا في هذا الأمر, أن عائدات الذهب هذه, ظلت تسلك ذات الطريق الذي سارت عبره عائدات النفط, التي خرجت من باطن الأرض, وانحدرت غالبيتها نجاه جب الفساد الذي ابتلعها تماما,
يتحدث المسئول عن تعدين الذهب عن المليارات من الدولارات التي وفرها أو سيوفرها مستقبلا, ورغم توفر كل تلك الثروات, لا زال المواطن يعيش في ذات البؤس والضنك الذي ألفه في غياب عائدات الذهب, ودون أدنى تغيير للأحسن, في حضوره, إن لم يزدد حاله سوءا, وعليه يحق للمواطن أن يتساءل عن الكيفية التي تدار بها تلك الثروات واتجاهات التصرف فيها, قبل أن يصبح الصبح فيجدها وقد تبخرت كما عائدات النفط..

وما يدهش أكثر, فقد كان مجرد إعلان الحكومة عن حصولها على مليار دولارا ولو كوديعة تسترد لاحقا, تعتبره نصرا مؤزرا حالما تعلن عن تأثيره على قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى, خاصة الدولار, فتتوقف حركة هبوطه ريثما تنجلي الحقيقة, فما الذي يجعل ذلك الجنيه مستمرا في هبوطه المسارع حتى شارف السقوط في القاع, رغم وجود هذه الأرقام الفلكية من أطنان الذهب, اقلها المائة طن التي يبشرنا بها وزير المعادن أخيرا, والتي قدر عائداتها بما يعادل أربعة مليارا من الدولارات؟

ويستمر التساؤل وفى ظل كل هذه الثروات الهائلة والمتصاعدة التي تم توفيرها من مخرجات الذهب, عن السبب الذي يجعل الحكومة تتحدث عن المزيد من تضييق الخناق على المواطنين بإعلانها بين الحين والآخر, عن نيتها رفع الدعم عن أى من السلع الضرورية واللازمة للمواطنين, أو الخدمات الأساسية والهامة لحياتهم, كالتعليم والصحة.؟

وقصة رفع الدعم التي جعلتها الحكومة أهم واخطر ما ترفع من عصى في وجه المواطن. قلنا من قبل بأن رفع الدعم هذا يتطلب أولا النظر في السبب الذي جعل الحكومة تقدم على دعم سلعة أو خدمة. فان وجدت أن ذلك السبب قد زال فلن يقف في طريقها مانع لتفعل ما تريد.
فالحكومة تعلم علم اليقين أن المرتبات التي تمنحها للعاملين أيا كانت مواقعهم, لا تكفى لمقابلة نفقات احتياجاتهم الحياتية إطلاقا, وهى بذلك الدعم تحاول أن تخفف من ذلك الحمل الثقيل الذي ألقته على أكتاف المواطنين, ودون أن ترفعه تماما طبعا. وحقيقة لا ندرى ما هي الطريقة التي يتم بها تقدير مرتبات العاملين حاليا, رغم علمنا بان المرتب في زمن مضى, كان كافيا لتغطية كل احتياجات العامل أو الموظف الحياتية, من مأكل ومشرب وسكن وتعليم وعلاج, بل ويزيد لدى البعض لاستخدامها في الحصول على الكماليات.

ومن المعالجات المستخدمة لمقابلة قصور المرتبات وعجزها عن الإيفاء بمستلزمات حياة المواطن, أن يتم توفير ما يحتاج العامل أو الموظف من مال لقضاء أي من حوائجه, على أن يتم تقسيط ذلك المبلغ وخصمه شهريا من ذات مرتبه العاجز أصلا, وهى معالجة قد تزيد من المشكلة ولا تقللها. فالمرتب العاجز بأكمله عن ستر الحال, كيف له أن يحقق ذلك بعد نقصان قيمته؟

عمال السودان رغم إيمانهم بشعار شركاء في الحكم وليس أجراء, يعلن اتحادهم وأكثر من مرة, بان المرتبات التي يحصلون عليها بشكلها وحجمها الحالي, لا تكفى العامل لتغطية مصروفاته الحياتية لنصف أو ربع الشهر , ومن ثم يطالبون بإعادة النظر فيها بحيث يتناسب الدخل مع المنصرف, وذلك من حقهم, وهو الوضع الطبيعي والمتبع في كل دول العالم التي تدرى كيف تعطى كل عامل ما يتكافأ مع ما يؤدى من عمل..

إن الاختلال بين دخل العامل ومصرفاته, هو الذي أدى إلى ظاهرة خروج العامل من موقع عمله بحثا عن دخل اضافى لأجل معالجة ذلك الاختلال, غالبا ما تتمثل في العمل في أكثر من موقع وعلى حساب الزمن المحدد لعمله الأساسي, أو استخدام وقته بموقع عمله, لأداء أعمال أخرى مدفوعة القيمة.
ونعتبر الأعمال الإضافية سالفة الذكر, أخف الأضرار التي تحدث في ظل الاختلال بين دخل ومنصرفات العاملين, إذ تقود محاولات معالجة ذلك إلى اتجاه البعض إلى الاختلاس وقبول الرشاوى وغيرها, ولا أطن أن السلطة لها كل الحق في مساءلة الفاعلين وهى تعلم ان الجواب سيكون, لإكمال ما عجزت هي عن إكماله,سد الفجوة بين الدخل والمنصرف. الم يقل من قام بسرقة أموال السيد قطبي المهدي من العملات الحرة, بأنه اضطر لفعل ذلك لان مخدمه رفض أن يعدل من مرتبه فاقبل على تعديله بطريقته؟

اتحاد عمال السودان ورغم مطالبته بتعديل المرتبات, لتتمكن من تغطية احتياجات عضويته لنهاية الشهر, يعلن رغم ذلك بأنه سيوفر للعمال خراف الأضحية, بواقع الرأس بمبلغ 1720 جنيها, على أن يتم تقسيط المبلغ على مدى عشرة أشهر, بواقع 172 جنيها في الشهر وقبل إضافة قيمة الترحيل. فهل يعتقد الاتحاد بأنه قد وفق في علاج هذه المشكلة, أم عمل على تعميقها؟ فالمرتب العاجز قبل شراء الخروف بأي صيغة كانت, فان اقتطاع ذلك القسط منه شهريا سيزيد من طين عجزه بله.

لقد جاء بإحدى الصحف, أن الصندوق القومي للمعاشات قد صدق للمعاشين بمبلغ 250 جنيها بمناسبة عيد الأضحى, وحقيقة لا أدرى إن كان ذلك المبلغ منحة أم سلفه؟ فان كانت الأولى فللصندوق الشكر على كل حال, أما إن كانت سلفية, ومهما كانت ضالة أقساطها, أرى أن مثل هذه المعالجات التي تزيد من المرض ولا تخففه, أن تتم استشارة المعاشين حول قبولها أم لا, خاصة.ومعاشاتهم التي يمثل بعضها ربع أو خمس مرتباتهم الكاملة وقد كانت قاصرة, فكيف لجزء منها أن يحتمل المزيد من النقصان؟

أخيرا, كيف لشعب يعيش فوق وبين كل هذه الثروات الهائلة ويشكو من الفقر والضنك, وكيف لشعب تحيط به الأنهار من كل جانب ويشكو من العطش؟ الإجابة أن المسئولين عن الشعب السوداني يعيشون في كوكب غير الذي يعيش فيه..


بواسطة : admin
 0  0  1754
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:46 صباحًا الخميس 2 مايو 2024.