• ×

البطالة... النزيف الصامت "38%" من شباب البلاد بلا عمل

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية ـ زواهر الصديق العطالة ناتج لمشكلة، وينجم عنها الأسوأ، وكل مهددات النسيج والبناء الاجتماعي، وتؤدي لتراكم حالات الإحباط لتدفع الشباب في مسارات ودروب شائكة، كما تهدد المجتمع بشتى صور السقوط، نتاج الغبن الذي يعتلج النفوس الشابة غير الداجنة، يفقد الشباب الهوية والانتماء ويوجهون كل مخزونهم المعرفي لطاقات سالبة تتوجه نحو هدم المجتمع أو هدم ذواتهم لينشأ بينهم وبين المجتمع عداء، حيث ينزلق الشباب في الجرائم والانتهاكات أو ينضوون تحت التيارات المتطرفة، او يسقطون في براثن الرذيلة، أو يغيبون كليا عن المجتمع بين أحضان تجار المخدرات، ليعتلوا سلالم واهية تقلهم لأحلامهم المنتحرة، البعض يفضل الهروب البيولوجي وينتحر ويترك الحياة، ويسقط الآخرون فريسة للأمراض النفسية وخاصة الاكتئاب، الذي يتحول غالبا لعصاب ثم تتوجه كل طاقته نحو هدم المجتمع بصورة بشعة، مثل حالات الاغتصاب، وما زالت ذاكرة المجتمع تئن بحادثتي اغتصاب مرام وشيماء اللتين ارتكبهما عاطلون عن العمل.

وتعد البطالة حسب مصادر شرطية هي المسؤولة عن حوادث السرقات النهارية، كما أن العاطلين صيد سهل لتجار المخدرات يستقطبونهم مروجين أو متعاطين لينزلق المجتمع برمته نحو القاع. (اليوم التالي) تقلب هذا الملف الذي يبدو أنه قتل بحثا إلا أنه لم يغادر موقعه قيد أنملة ويحمل بين طياته إفرازات بركانية قابلة للانفجار في أي وقت.

كشفت وزيرة تنمية الموارد البشرية والعمل إشراقة سيد محمود مؤخرا عن ارتفاع نسبة البطالة في السودان من 16,4% عام 1990 الى 18,8% حاليا، بـ13,7% للذكور و32,5% للإناث وقالت إن النسبة الأعلى وسط الشباب بنسب تتراوح بين 38% بالنسبة للذكور 35% للإناث وأرجعتها للنقص في التعليم التقني والمهني وعدم نمو القطاعات الإنتاجية، في وقت أعلن فيه القطاع الاقتصادي عن ارتفاع قيمة الصادرات بنسبة 73.5%.

الأمر الذي يوضح بجلاء مدى قصور السياسات في معالجة مشكلة البطالة أو الحد منها ويفضح غياب الدولة عن رعاية شؤون المجتمع، ويكشف غياب التنسيق بين مؤسسات الدولة.. المحصلة ملفات إدارية شائكة وتعقيدات فنية ومجموعات ودوائر كل مجموعة تعمل لوحدها، وكل دائرة تعزف منفردة، لتعري تخبط الدولة في إدارة مواردها البشرية والمالية. أما انعكاساتها فهي لا تقتصر على مظاهر الإحساس بالتذمر والاكتئاب والضياع والتهميش والخوف من المستقبل لدى كل خريج بفعل الضغط والتوتر والقلق، بل تتعدى هذا الحد لتشمل سلبياتها مختلف مكونات المجتمع ومؤسساته. وهذا يعني أن الخريج غير المدمج لا يكون عالة على نفسه فحسب، بل يصبح عالة على أسرته بجميع مكوناتها وعلى الدولة بجميع قطاعاتها وعلى المجتمع بمختلف مجالاته ومؤسساته.

عجز دائم للدولة

إلى ذلك قال الدكتور أحمد رفعت أستاذ الاقتصاد بالمركز الدبلوماسي: جذور البطالة في السودان أعمق بكثير من كونها حالة غريبة ترتبط بالتقلبات الاقتصادية ولكنها تعود إلى طبيعة وتركيبة هياكل الإنتاج في الاقتصاد السودانى في دولة تعاني من عجز دائم ولفترة طويلة في الميزان التجارى ليصبح تزايد معدل البطالة أمرا حتميا، وزاد: الإنتاج يخاطب السوق المحلي وغير قادر على التوسع خارجيا في ظل اضمحلال الصادرات والزيادة المتوالية في عدد السكان والقطاع المحلي عاجز عن خلق فرص عمل جديدة وهو بالتالي غير قادر على التوسع خارجيا في ظل اضمحلال الصادرات والزيادة المتوالية في عدد السكان ويصبح القطاع المحلي عاجزا عن خلق فرص عمل جديدة، وأيضا الزيادة المتوالية في الواردات أفقدت العديد من العمالة المحلية فرص العمل في قطاع كالنسيج على سبيل المثال بسبب منافسة واردات المنسوجات، وأضاف رفعت: إغلاق مصانع النسيج أفقد البلاد حوالي 70 ألف فرصة وما لم تحدث زيادة في حجم الصادرات ومن ثم الاستثمارات فلن يحدث تغير ذو مغزى في معدل البطالة ومضى مواصلا: السياسات الاقتصادية وتبعاتها أدت لزيادة تكلفة الإنتاج وما يعرف بـ(الركود التضخمي) الأمر الذي أدى لقصور في معدل نمو الاستثمارات الناتج من ارتفاع تكاليف الإنتاج وحدة المنافسة مع الواردات فأوجد مناخا لم يكن مشجعا في التوسع في القطاعات الإنتاجية مما يضعف فرص خلق الوظائف، إضافة لذلك فإن معظم القوى العاملة خارج سوق العمل حاليا تعاني من إشكالية عدم توافق الأنظمة التعليمية نوعا وكما مع احتياجات السوق، وأضاف: أصبحت العديد من المؤسسات تتحمل تكاليف إضافية لإعادة تأهيل وتدريب خريجي الجامعات لسد القصور في المعرفة العملية إضافة إلى نقص الخريجين في المجال الفني والتلمذة الصناعية وإقبال العديد من الشباب على التخصص في مجالات نظرية مما أدى للانفصام الكامل بين احتياجات السوق ومخرجات نظام التعليم العالي، وقال: خلاصة القول إن واضعي السياسة المالية والنقدية في السودان ظلوا يركزون على حل ضائقة الاقتصاد دون الانتباه للآثار السالبة لهذه المعالجات والسياسات على معدلات البطالة وما لم يحدث تغير فعلي في الميزان التجاري فإن البطالة تتزايد بوتيرة عالية..

مسار تقني

من جانبه قال أسامة عوض مدير الإعلام بوزارة التعليم العالي إن الجامعة ليس من مهامها التوظيف.. واحد من أهداف التعليم العالي هو تمليك الطالب المعرفة لتوسيع مداركه حتى يواجه المجتمع بشكل لائق ليحقق النمو والازدهار، أما تحديد الكم الذي تحتاجه سوق العمل من كليات وتخصصات معينة فذلك نتركه لوزارة العمل التي تقوم بمسح شامل احتياجات السوق في الداخل والخارج وفق المعطيات والتحديات التي تواجهها.. وأضاف أسامة: الكثيرون يعتبرون التخرج في الكليات مدخلا للخدمة العامة وهذا يورث العطالة ويرسخها، أما في ما يختص بالكليات التطبيقية فأوضح أسامة عوض قائلا: لاشك أن احتياجات الدولة للكليات التطبيقية كبيرة والآن مسار الدولة في التعليم التقنى يهدف لتأهيل كوادر وسيطة تفيد نفسها ويكون لديها عمل وتمتلك مهارات العمل مثل هندسة الكهرباء والميكانيكا والكمبيوتر والتخصصات التقنية الأخرى وذلك لا يعني أن هنالك اتجاها لتقليص الكليات النظرية. موضوع العطالة والخريجين لابد أن تجرى عليه دراسات منهجية للتخصصات وبيانات الخريجين في كل الكليات لمعرفة الاتجاه السائد ودراسة الكليات والدبلومات النظرية والتقنية عبر اللجان العلمية المتخصصة، كما شدد أسامة على أهمية الدراسات النظرية في نمو المجتمع ونفى نفيا قاطعا أن يكون هناك اتجاه لتقليصها أو إلغائها وقال: واحد من الإشكالات الاعتقاد السائد بضرورة توظيف كل الخريجين في الخدمة العامة المدنية وذلك أدى لانفراط في العقد.

الجامعات لا تقدم التأهيل العملي..

ثريا إبراهيم اختصاصية علم الاجتماع قالت: العطالة لها علاقة بالسياسات العامة للدولة ويفترض أن تخصص سياسات عامة لتوظيف أي شخص يحمل أي درجة علمية سواء بكالريوس أو دبلوم، وأضافت: هنالك تخصصات رغم أن الدولة تحتاج لها مثل الخدمة الاجتماعية لا يوجد لها توظيف لأن الدولة ليست لديها ميزانية للخريجين في تخصص التنمية البشرية. وقالت الباحثة الاجتماعية إن للفرد مسؤولية تجاه نفسه ولابد أن ينخرط في أي عمل ولا يترفع عن العمل مادام العمل شريفا إلى أن يجد ما يناسب مؤهلاته العلمية وهنالك من ينتظر عشر سنين الوظيفة محددة حتى ينفع نفسه ويساعد أسرته لأن هنالك أمهات عملن في بيع الطعمية والكسرة لتعليم أبناءهن، لا يجب أن يترفع الخريج عن مثل هذه المهن حتى لا يعد في نظر أسرته فاشلا وعالة، وقالت: هنالك طالبات جامعيات يدرن على المكاتب ليبعن قطع الشكولاته وليس في ذلك عيب ربما يخلق لهن دخل مناسب يساعدهن على التطور والنمو، لافتة إلى أن ذلك الانتظار يعرض الشاب للإحباط والعزلة وينزلق به نحو السلوكيات الخاطئة ويصبح العاطل عن العمل في عزلة عن محيطه الأسري والاجتماعي ومنعزلا في الواتس والفيس وربما يجره ذلك لمتاهات أخرى، وتتسبب العطالة في إصابته بالاضطرابات النفسية.. وانتقدت الباحثة الاجتماعية سياسات التمويل الأصغر ووصفتها بأنها لا تقدم حلا وبأنها لم توضع للفقراء بل وضعت لمقتدرين ولديهم مكان عمل وحساب في البنك، وقالت: يطلب من الشخص شيك ساري المفعول ويطلبون الوقوف على المشروع. من أين يتأتى ذلك لشخص عاطل أو فقير أو خريج؟ وأضافت: السياسات البنكية ليست للفقراء وهم لا يقفون على تجارب الدول الأخرى وقالت الأستاذة ثريا إبراهيم: النظام التعليمي الجامعي لا توجد به توعية للطالب ولا يعده للحياة العملية أو العامة فقط تثقل أذهان الطلاب بمعارف لا يجدون حتى البيئة اللائقة لتطبيقها لتصبح المعرفة في حد ذاتها قنبلة موقوته يتضرر منها المجتمع حين توضع في يد شخص غير محصن ضد ضغوط العطالة وآثارها
اليوم التالي


بواسطة : admin
 0  0  2004
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:19 صباحًا الإثنين 29 أبريل 2024.