• ×

وفدا الحكومة والحركة تثاقلت خطواتهما نحو العاصمة الإثيوبية وكأنهما يعرفان النتيجة مسبقاً

لم يعد هنالك أمل نحكيه لأطفالنا

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الخرطوم / ابوعاقلة أماسا / أبوعاقله أماسا
تثاقلت خطوات وفدي التفاوض إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وكأنهما ذاهبان إلى جولة يدركان نتيجتها مسبقاً، ولكنها كانت ضرورية للمزيد من المساحيق على موقفهما من الحرب الدائرة في المنطقتين، فلم يخذلا توقعات كل السياسيين وأصحاب القضية الأساسيين من أعيان وقيادات وحتى المتشائمين في الشارع السوداني العام ممن أعلن رأيه مسبقاً ضد أي كلمات تفاؤل.. ربما لأن هذه المفاوضات لم تسبقها أية بوادر لإبداء حسن النوايا من الطرفين، حيث تسابق كل منهما لإظهار موقفه وقوته وعلو كعبه على الآخر، بينما يدرك كل العالم حقيقة الأمر على الأرض، وما عاد هنالك حاجز بين وسائل الإعلام الخارجية وعبر الفضاء المفتوح الذي يقدم وجبة إخبارية شبه يومية عن الأحداث المأساوية هناك، ومدى حاجة الناس إلى المتنفسات الطبيعية بعد أن اختنقت حياتهم اليومية بأدخنة المدافع وما تخلفه الحرب من توترات يومية واضطرابات لا يذكرها الساسة كثيراً.
على المستوى القومي لا ينكر أحد من الطرفين التأثيرات السالبة التي خلفتها الحرب على الإقتصاد الوطني، في ظل أزمات يبدو المتضرر منها في المقام الأول هو المواطن وليس الحكومات، وعندما نقول المواطن فيجب أن نتبع ذلك بتوضيح موسع للمقصود بكلمة المواطن، لأن ألسنة اللهب قد امتدت إلى كل أجزاء السودان فحرقت المواطن في الوسط والشمال ربما أكثر من أولئك الذين يعيشون في عمق المناطق المتأزمة، على الأقل من زاوية أن المواطنين في الجبال قد تمكنوا من التعايش مع أوضاعهم خلال ثلاث سنوات استمرت فيها الحرب وباتوا مسلمين أمرهم للمولى عزوجل في مأكلهم ومشربهم وحياتهم ومماتهم، ويدركون أن أمر الله واقع لا محالة إذا لم يكن منه بد، ويواجهون ذلك بشجاعة وإيمان قوي، ولكن.. بقية البقاع البعيدة عن مناطق الحرب التي كان لها أن تحيا بعيداً عن تداعيات الحرب وآثارها، أصبحت الآن تدفع ثمنها بدلاً عن أولئك الذين أشعلوها، وليس في الأمر غرابة إذ أن المواطن دائماً ما يكون أول الأطراف الخاسرة في كل الحروب الثورية كمبدأ ثابت في العلوم العسكرية، ولكن ما يحدث عندنا في السودان يستند على وقائع في منتهى الغرابة، ويحيط به من التفاصيل ما يشد إنتباه العالم بأسره، فكلما طال أمد تلك المواجهات المسلحة، كلما زادت القضايا الإنسانية والمأساوية وفاقت البال والخيال، وكلما تباعدت الشقة بين الغريمين، كلما تصاعدت الأنفاس وسادت مظاهر التعامل بالأصبع السبابة، ويهدد كل منهما الآخر ويتوعده بالهزيمة، ونحن نعرف أن مثل هذه الحروب لن تضع أوزارها بفوز حاسم لأي طرف من الأطراف، وأن هذه التهديدات ماهي إلا محاولات لرفع درجات الأهمية في سباق أتى على الأخضر واليابس.
بعضهم فرح بأن وصل الوفدين إلى نهاية النفق المسدود، وعاد بنا إلى تفسيرات الآية: (وأعدوا لهم ما ستطعتم من قوة).. وهم يهللون ويقرعون نواقيس الحرب من جديد، ويسوقون ذات العبارات التي كانت تمشي بين الناس على أيام حرب الجنوب، مع أن الوضع هنا مختلف تماماً، والبعض الآخر ذهب إلى أبعد من ذلك وهو يحدد موعداً للقضاء على الحركة الشعبية ووضع حد فاصل لها مع تجفيف كل منابعها، وهذه الوعود لم تكن هي الأولى، ولن تكن الأخيرة كذلك .. فقد شيدت لها مصانع تتبارى في إنتاجها وإعادة توزيعها في كل مرة وما عاد هنالك أمل نحكيه لأطفالنا.. ولو على طريقة (بليلة الحصى).. حتى يناموا مطمئنين، ولكن الأهم من بين كافة التطورات السالبة التي تقرأ من بين سطور ما يكتب هنا وهناك، وما يقال عبر أثير الإذاعات والفضائيات، أن الأدوار قد اختلطت ولم يعد من السهل تمييز مواقف تجار الحرب والسلاح من المناضل والمدافع عن حقوق الوطن ووحدته ومن يحمل هم المواطن البسيط الذي لا يحلم بكري وزاري أو سيارة فارهة يمتطيها، وأن الخطاب السياسي مرتبك جداً وبالكاد نستطيع التفريق بين ما هو موجه للعدو المفترض، وما هو موجه للمواطن العادي الذي يقطن مناطق تعتبرها الحكومة مسرحاً للعمليات، وبالتالي أصاب رصاص الكلمات كثيراً من أهلنا من ضعفاء جبال النوبة من مسنين وأطفال ونساء، وأخطأت قذائف العبارات والتحديات القادمة من قيادات الحركة جناح الشمال تلك القصور وسقطت وسط الأحياء الشعبية لتسفك دماء مواطنين كثر دون أن تميز من أي قبيلة هم، ولا ذنب لهم إلا أنهم مواطنين في دولة تنوء بجراحها.
صوت العقل والحقيقة هو أن تنتهي هذه الحرب بأي ثمن، هذا هو المطلب الشعبي الذي نعرفه، والذي ينبغي أن يرتفع فوق كل الأصوات، أما الطريقة التي يمكن أن نصل بها إلى هذا (الحلم) فهي مسؤولية الحكومة، بل نرى أن أمن أهلنا في الجبال من أطفال ونساء ومسنين وشباب أبرياء بعضهم أخذوا إلى المعتقلات، هي مسؤولية الحكومة بكامل أجهزتها.. لأننا كمواطنين ندفع كل الضرائب المفروضة علينا، ومن حقنا أن نستمتع بأمن وطننا كما الآخرين دون أن ينتقص منه شيئاً، ولأننا نمر بظرف تختلط فيه الحقائق بشكل مرعب فقد يتصدى أحدهم ليبحث عن تفاصيل ما يحدث ومعاني بعض ما كتبنا، ويوجه لنا سؤالاً عن الجانب الأمني الذي نفتقده ونحن نتجول هنا في العاصمة؟.. متجاهلين بأن كل مواطني جنوب كردفان المقيمين بالعاصمة وغيرها قد انقطعوا عن أهلهم وذويهم في الجبال، ولم يكن بمقدورهم زيارتهم دون أن يتعرضوا إلى الإعتقال وسيل من الإتهامات من الطرفين، فهم في نظر الحكومة طابور خامس تكتظ المعتقلات بالآلاف من أمثالهم ولو كانوا (مجاهدين)، وفي نظر الطرف الآخر هم العدو القريب الذي يساند الحكومة في مواجهتهم ولو كانوا مناوئين للحكومة بالمركز.. وفي كل الأحوال هي مأساة لا انفكاك منها إلا بتوقف هذه الحرب اللعينة.. وهي لن تضع أوزارها طالما أن صوت من ينادي بإستمرارها أعلى من صوت من ينادي بالسلام.. وبعض تجار السلاح يثقبون المنطاد في كل مرة.. فنفشل في الطيران.. ثم الهبوط بسلام.


بواسطة : admin
 0  0  1775
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:20 صباحًا الإثنين 29 أبريل 2024.