• ×

زهير السراج يكتب :إغلاق المحلات للصلاة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية ـ متابعات * كشف المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد بالخرطوم، عن (خطة) لإغلاق المحلات التجارية ومناطق العمل في الخرطوم (طوعاً) عند سماع الأذان فى إطار تعظيم شريعة الصلاة، وقال رئيس المجلس جابر عويشة "الناس تتوقف عن العمل على أن تعاود بعد أداء الصلاة"، وأكد أن ترتيبات المشروع جاهزة وفي انتظار رئيس الجمهورية لتدشينه، وأشار الى تفاهمهم مع اصحاب المحلات بـ(الجريف وام دوم شرق) على اغلاق محلاتهم عند سماع الآذان كبداية للمشروع، وسيعمم بعد ذلك على كل انحاء العاصمة!!

* بادئ ذى بدء انظروا الى التناقض الفظيع الذى يحمله التصريح الخطير .. إغلاق طوعى للمحلات، مع خطة أُعدت لاغلاق المحلات، واتفاق مع اصحاب المحلات فى بعض المناطق كبداية، (على أن يعمم) المشروع بعد ذلك على جميع انحاء العاصمة .. ونتساءل، كيف يكون المشروع طوعيا وهنالك خطة معدة ومحلات ستغلق بناء على (اتفاق) مع أصحابها (كبداية) للمشروع الذى (سيعمم على جميع انحاء العاصمة) فيما بعد؟!

* من المؤسف ألا يرى بعض المسؤولين إلا فى حدود دائرة مسؤولياتهم المباشرة، ويعجزوا عن رؤية ما يدور من حولهم لاتخاذ القرار الصحيح، فالعالم يعانى من الارهاب والافكار المتطرفة وسفك الدماء بسبب الفهم المتشدد للدين واقحام أشياء على الدين ليست جزءا منه، ولها القدح المعلى فى انتشار التطرف والتشدد، اللذين يسعى الكل بكل ما أوتى من فكر وجهد لمكافحتهما، وتغيير المفاهيم واعادة النظر فى السياسات والمناهج ونشر الفكر الدينى المعتدل والميل نحو الوسطية كوسائل فعالة لمكافحة التطرف والتشدد والارهاب، وعلى رأس من يفعل ذلك، المملكة العربية السعودية، التى عانت ولا تزال من الفكر المتطرف، وهى تراجع الآن الكثير من الأشياء ومنها غلق المحلات، خاصة أنه لا يستند الى سابقة او مرجعية، فلم يُعرف فى صدر الاسلام هذا النوع من الافعال، كما أن التوجيه الوحيد الذى حمله القرآن الكريم فى هذا الشأن هو الخاص بصلاة الجمعة (يا ايها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)، الذى جاء فى صيغة نصيحة وتوجيه وليس أمرا واجب النفاذ (فاسعوا، وذروا البيع، وذلكم خير لكم)!!

* فضلا عن ذلك، فان صدور قرار مثل هذا سيُحدث الكثير من الارتباك فى بيئة مثل البيئة السودانية ليست مهيئة كالبيئة السعودية فى نواح كثيرة، مثل امكانيات المساجد لاستقبال حشود ضخمة من المصلين فى الاسواق والمحلات العامة، وعدد ومستوى المنافع الموجودة بها كوسائل ضرورية للوضوء والطهارة، بالاضافة الى ان غلق المحلات خلال (صلاتى الظهر والعصر) القريبتين من بعض، يحتاج الى تهيئة أماكن فى المساجد خاصة بالنساء اللائى يكثر تواجدهن فى الاسواق خلال هذين الوقتين، كما انه يحتاج الى تهيئة أماكن للانتظار، وإلا فأين سيذهبن وماذا يفعلن وقت الصلاة، هل يجلسن فى الشوارع أم يصلين وسط الرجال، وأين يذهب من لهن أعذار دينية؟!

* وإذا عدنا لحديث رئيس المجلس عن طوعية الاغلاق، فمن يضمن ألا تستغل بعض الجهات المتطرفة واصحاب الأفكار المتشددة هذا الامر، ويعتبروه أمراً ملزما يحتم عليهم الواجب الدينى فرضه على الناس، مما يؤدى لحدوث مشاكل وتعقيدات كثيرة وخطيرة، بلادنا فى غنى عنها، خاصة أنها تعانى من وجود صراعات مسلحة، وتحيط بها العديد من المجتمعات التى تتمزق بفعل الافكار المتطرفة والارهاب .. فهل يسعدنا أن نشاطرها الانفجارات وسفك الدماء والفوضى وغياب سلطة الدولة بسبب قرارات وأفكار غير ناضجة لا تنظر الا فى حدود اختصاصات ومهام اصحابها فقط؟!

* الموضوع خطير جدا وله جوانب متعددة وتبعات كثيرة يصعب تناولها فى هذا المكان الضيق، منها الفكرى ومنها الفقهى ومنها العملى ومنها الأمنى، وهو يحتاج الى أفكار وآراء وجهود جهات كثيرة جدا، وليس الى مجلس الإرشاد والدعوة فقط، والى امكانيات كثيرة فى كل المجالات!!


بواسطة : admin
 0  0  1766
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:24 مساءً الخميس 2 مايو 2024.