• ×

جمال عبد الرحيم.. شاعر فتت عضد الحزن والترجال.. صاحب الذكرى المنسية

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية _ متابعات إذا أراد أحد كتابة وقائع هجرة النوبيين من حلفا القديمة في ستينيات القرن الماضي، فسيكون شديد الحرص على استنطاق جمال عبد الرحيم، ليس كشاعر سار الركبُ بقصائده المغناة، إنما ككتلة مشاعر هزتها تلك الهجرة القصرية التي لازالت غصتها في حلوق آلاف الذين تركوا أصلهم هنالك وساحوا في الأرض كزهرة البامبو أو شجرة العيدر لا تقف على جذور عميقة في المكان الذي تنبت فيه.
أثرت الهجرة في جمال عبد الرحيم فأثرى الساحة بأغنيات عميقة الحزن تقطر أبياتها دمعاً، حيث لازال يكتب بذات الشجن إلى أن صار فحلاً في الشعر وفي الحزن معاً، فهو من قلائل ظلموا أكثر من مرة، الأول كان ظلم التهجير والثاني عدم الالتفات له رسمياً رغم تأثيره المحسوس بوضوح على الوجدان.
الزحف على آخر السنين
المعاناة تقتل الإبداع دون شك، لكنها عند جمال عبد الرحيم جلتهُ، فأصبح ناصعاً، شديد الوضوح والشفافية كالذهب عندما تصقله النار، ويمكن الإشارة إلى أن المعاناة التي وجد جمال عبد الرحيم نفسه فيها مبكراً منحته المناعة الكافية لأن يشرئب شعره من فوقها ويتجاوزها وجدانياً فخطا على درب الشعر كما يخطو الفيل بجثته الضخمة على الحشائش والأعشاب الصغيرة، فعمد إلى تسجيل ذكرياته الصغيرة وأحزانه الكبيرة في قصيدة شهيرة اسمها "الخروج من القرية" تجاوز عدد أبياتها المائتى بيت، مطلعها هكذا.
زاحف على آخر السنين أنظر وأعيد في ما جرى
شن سوى فيك مر الزمن يا قلبي أرجع لورى
من قمت من بيتنا ومشيت بطاقتي صورة مصغرة
وهي واحدة من قصائد كثيرة خطها يراعه تحكي معاناة المهجرين، وبهذا الخصوص قضية تهجير أهالي حلفا القديمة بسبب قيام السد العالي كانت أول مرارة يتجرعها في حياته بحسب وصفه، يقول: "عندما كبرت شعرت بمرارة الغبن، ولهذا كتبت عشرات القصائد بذات الإحساس حملت حزناً غير مرئي عن مفارقة الديار ومراتع الصبا في حلفا القديمة، كما طفحت بحنين الكبار لماضيهم وتحسرهم على فقدان ذاكرتهم التاريخية".
الشاعر الترحال
طرح جانب الحنين في نفس الشاعر جمال عبد الرحيم يحتاج ربطه بمغادرته الباكرة لمرتع صباه الذي ترعرع فيه ووطنه الثاني مدينة ود مدني والتي هي دون شك أكبر من ربطها بولاية بعينها، ولهذا لن نشير لولاية الجزيرة مطلقاً، استقر جمال عبد الرحيم بمدني التي من فرط رحابة صدرها كما وصفها كادت تنسية حنينه لحلفا القديمة ولكن الحنين الدفين كالوشم لو انمحى فسيترك آثاره ظاهرة على الجسد، فضمدت الهجرة الجرح لكن آثاره ظلت باقية لا تراها غير عينه ولا يحسه غيره فكتب..
يا صحو الذكرى المنسية من بعدك وين الحنية؟
بتعدي مواسم وتروح والفرقة بتصبح أبدية
يا مرسى الفرحة يا واحة
قبلة عيني وصباحا
من بعدك الدنيا بتشقيني
وخطايا بعدك سواحة
وفي مدينة ود مدني الدافئة وجد أرضاً يزرع فيها كلماته فأنبتت أشعاراً لا تحصى وغني له فنانون كثر بأروع الأغنيات وأشجاها. فتفتحت شاعريته بسبب أن مدني كانت تمتاز بحراك ثقافي وفني لم يكن موجود في حلفا، إذ نشط في رابطة الآداب والفنون وفي مركز شباب ود مدني الذي تحول لاحقاً إلى دار اتحاد فناني الجزيرة.
الشعر الغنائي
جمال عبد الرحيم الذي تأثر مبكراً ـ على حد قوله ـ برواد الشعر الغنائي كأبو صلاح، سيد عبد العزيز، عبد الرحمن الريح وبعدهم إسماعيل حسن وكجراي واستمع لفنانين مهمين أمثال إبراهيم عبد الجليل، الأمين برهان، زنقار، وعبد الحميد يوسف، أصبح مهيئاً للسير على هدى هؤلاء الكبار وكان صغيراً في عمره يخطو وسطهم رغم فارق السن، فأقبل عليه الفنانون الكبار أمثال النور الجيلاني وسيف الجامعة وعقد الجلاد، ولازال يكتب بوتيرة ذات الذكرى ولكنه ظل قابعاً منسياً يستحق التكريم والإشادة والاحتفاء من كافة الجهات الرسمية والشعبية.
محمد عبد الباقي _ اليوم التالي


بواسطة : admin
 0  0  1588
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:24 مساءً السبت 4 مايو 2024.