• ×

أطفال الكريستالات ..حاضر بائس ..ومستقبل مظلم

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية _ متابعات حينما نجوا بأرواحهم من تلك الحرب اللعينة، يمموا شطر المدينة الكبيرة؛ لعلهم يجدون فيها حماية ومتسعاً ليشعروا بآدميتهم وإنسانيتهم، لكن في العاصمة كان لهم موعد آخر مع القدر، وكانما خرجت إليهم أشباح الدنيا كلها.
يبحث أحدهم عن أسرة تكفله، وآخر عن لقمة عيش في ضنك ومرارة، ولما يعجز عن هذا وذاك فإن (شمة سليسيون) كافية كيما تنسيه همومه كلها. هكذا تتمحور احلامهم الصغيرة، وهكذا تتشكل ملامحهم في المدينة الكبيرة، فيندرج رهط منهم تحت مسمى (بتاعين الكريستالات، أو الشماسة)، أسماء ثقيلة الوقع وقاسية، لأنهم ربما لا هذا ولا ذاك، إنهم الأطفال العمال، فمن لهم أيها السادة المسؤولين؟ إن كنتم لا تعرفونهم، فدعونا نحكي لكم قصصهم، ونتمنى لكم أوقاتاً سعيدة بالاستمتاع بها:
لوحة شاحبة
جوع مقنن، تشرد تحت حجة الاعتماد على الذات لتكريس رجال للمستقبل، إنهم أطفال بلا ملامح ودون حقوق، إنها طفولة دون براءة ودون كنف رحيم أو قلب حميم، طفولة تكسوها الذلة والمسكنة اللتان تتحولان في وقت ما – وجيز جداً – إلى عنف وشراسة بالغين، وأنت ترصدهم وتحصيهم تتبين لك جوانب أخرى من الظاهرة، أزمتا الاقتصاد والحرب، ليس سواهما، هما وحدهما اللتان دفعتا بالكثيرين الى الاتجاه الخطر، فهؤلاء الأطفال – أول الضحايا – وأول الضائعين، ليس لديهم ذنب في ما يحدث، لكنها الأقدار ساقتهم إلى مصير قاتم ومستقبل مجهول، هي الأقدار وضعتهم في فوهة البركان، ينشدون من ينقذهم، ولكن، لا حكومة تنقذ ولا مجتمع مدني وأهلي يرحم ويرشد، كلهم يتحدثون بأحاديث كأنها مكاء وتصدية.
قصص دامعة
كانت لنا وقفة مع العديد منهم، تسامرنا معهم، وتبادلنا الحديث عن أشياء إن بدت تسؤنا وتديننا جميعاً، إنه حديث مليء بالألغاز والعقد و(الشربكات) لكنه فصيح.
تحدث ببراءة طفولية قائلاً: أنا اسمي محمد، أكبر البيت، خليت القراية عشان ما في زول بديني حق الفطور، ولا قروش الامتحانات، لقيت أصحابي ببيعو الكريستالات (قوارير المياه والمشروبات الغازية الفارغة)، قمت مشيت معاهم، أنحن بنلف يومي، عشان نعمل كم شوال كدا، نوديهم الوزن، وننتظر حتى العصر عشان يجي المعلم يدينا حقنا، وبعد ما استلم قروشي امشي البيت طوالي أسلمهم لأمي عشان تجيب لينا حاجات حلوة.
طريق آخر
الشيخ علي كان على متن عربة كارو، أوقفناه، فاستجاب، وحكى عن أن هذه الكارو: (بتاعت سيد الوزن، بدينا ليها أنا وفردي ديل عشان نشيل فيها ما نجده من قواير (كريستالات) بين أكوام القمامة، وكذلك الحديد الخردة)، وأضاف: وبعد أن نجلب له طلبه، يأتي المعلم آخر اليوم ليخصم إيجار الكارو ويوزع علينا فتات القروش، ويمضي قائلاً: المدرسة ما جايبة حقها، طوالي دايرين قروش، وعندما أطلب (القروش) من والدي يزجرني قائلا: أنا ما عندي قروش، فقررت أن أتركها، أحسن مما كل يوم أرجع البيت وأنا مكسور الخاطر

هويدا احمد ابراهيم _ اليوم التالي


بواسطة : admin
 0  0  1472
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:21 صباحًا الإثنين 29 أبريل 2024.