• ×

حديث المدينة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط


آلية.. (مكافحة!!).. الفساد..!!



السودانيون لهم طريقتهم في اختصار الأسماء.. يأخذون من الاسم أي اسم- الكلمة المفتاحية.. ويهملون بقية الكلمات.. غالباً يبقون على المضاف إليه فقط ويحذفون المضاف.. مثلاً.. شرطة مكافحة المخدرات.. بالتأكيد إذا وقفت بجانب مقرها وسألت أي عابر سبيل عن اسم المقر سيرد عليك بسرعة (شرطة المخدرات).. حذفت كلمة (مكافحة) لأنها من المعلوم بالضرورة.. اللجنة القومية لمكافحة المخدرات.. تصبح (لجنة المخدرات).. مثلاً. أمس أعلنت الحكومة عن استحداث (آلية مكافحة الفساد).. وربما يشملها اختصار السودانيين للأسماء فتصبح (آلية الفساد) بعد حذف المضاف.. فإذا اتخذت لها مقراً في موقع معروف في العاصمة فغالباً ستصبح معلماً يستخدم في وصف المواقع فيقال (جوار آلية الفساد). ولكن المصيبة الأكبر أن يصبح عملها منطبقاً على اسمها المعدل شعبياً.. (آلية الفساد).. وإليكم البرهان.. في أيامها الأولى.. ابتدعت ثورة الإنقاذ آلية لمكافحة الفساد أطلقت عليها (إقرار الذمة).. وهي نظرية ممعنة في الفضيلة.. تسمي عدداً كبيراً من الوظائف المهمة في الخدمة العامة وتلزم شاغليها بعملية (وزن) الحال قبل تولي المنصب.. ثم بعد الخروج منه.. حسب ذاكرتي وعلى سبيل المثال تلزم كل رتب القوات النظامية المختلفة (شرطة- جيش- أمن) من عقيد فأعلى بتقديم إقرار الذمة.. فضلاً عن الرتب الدستورية وشاغلي الحقائب الوزارية وغيرهم من كبار التنفيذيين والتشريعيين. والفكرة كانت بسيطة للغاية.. الإقرار كتابة بكل الأموال والممتلكات التي في كنف صاحب المنصب أو أفراد أسرته الأقربين.. قبل تولي المنصب.. ثم كتابة الإقرار مرة أخرى حين الخروج من المنصب.. بحساب الفرق في الثروة.. ومعايرته بما هو متاح لشاغل المنصب من موارد معلومة يمكن استنتاج ما إذا أثرى من عرق جبين كرسي الوظيفة.. ما الذي حدث.. خلال الـ(23) عاماً التي عاشتها هذه الآلية.. لم تضبط حالة واحدة.. ليس لأن موظفي الخدمة العامة كانوا ملائكة أطهار.. بل لأن الآلية لم تجرح خاطر موظف واحد بسؤاله عن ذمته المالية.. لا عند الدخول أو الخروج.. وحتى الذين تطوعوا من أنفسهم وكتبوا إقرارات الذمة (مثل د. عصام صديق عندما تولى وزير الدولة بالري).. كانت الآلية كأني بها تقول له: (هو انت صدقت؟).. كان واضحاً أن هذه الآلية تكرس لفساد الذمة أكثر من طهرها. لأنها بدلاً من الكشف تمنح الغطاء.. وكنت في لقاء مع وزير العدل الأسبق مولانا علي محمد عثمان يسين.. بحضور وكيل الوزارة عبد الرحمن (أفلت من ذاكرتي بقية الاسم.. رحمه الله توفي خلال توليه المنصب).. اقترحت على وزير العدل تعديلاً طفيفاً يجعل من هذه الآلية سلاحاً فعالاً في محاربة استغلال النفوذ والفساد المؤسسي.. أن يسمح بعلنية (إقرار الذمة).. مثلاً بعد التشكيل الوزاري الأخير يطلب من كل وزير كشف ذمته المالية لإيداعها عند آلية إقرار الذمة.. على أن يسمح لكل من يريد الاطلاع عليها (مثل مسجل الشركات) أن يطلع عليها.. ستجد الحكومة أن الشعب السوداني بآلياته الاجتماعية النافذة يكشف لها الذمة الحقيقية لأي مسؤول.. قبل المنصب وخلاله.. وعند الخروج منه.. فتصبح فعلاً (آلية مكافحة.. الفساد) بدلاً من حذف كلمة (مكافحة)..

بواسطة : عثمان مرغني
 0  0  2068
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:28 صباحًا الخميس 2 مايو 2024.