• ×

شركاء الامن

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

:: عندما أعلنت سلطات ولاية الخرطوم قبل أسبوع عن إستعدادها للإحتفال - بالإستقلال وبداية العام الميلادي - بتجهيز ما يقارب الثلاثين ألف جندي، إصطحبت بعض أهلي وأصدقائي وقصدنا ولاية البحر الأحمر بلسان حال قائل : ( يا ساتر، ده إحتفال ولاتحرير كاوده؟)، وإن كان الفرح بحاجة الى كتائب شرطة وجيش وأمن، فلماذا تفرح ؟..وهناك، هاتفت اللواء شرطة حيدر أحمد سليمان، مدير عام شرطة البحر الأحمر، قبل الإحتفال بيوم : ( أها يا سعادة، هناك تلاتين الف، إنت هنا مجهز كم كتيبة؟)، فأجاب بدلوماسية لم تتجاوز الحس الأمني : ( ح تشوف براك)..!!

:: ولكن، بالكورنيش الرئيسي لعاصمة الولاية، حيث تعداد الزحام يتجاوز عشرات الألاف، لم تستوقفنا من المظاهر العسكرية غير بضعة أفراد يرافقون والي الولاية ومدير عام الشرطة وبعض المسؤولين في تجوالهم وزياراتهم للأندية وأمكنة الإحتفال على طول الساحل الضاج بالموسيقى والناس والحياة..ولذلك، أعدت السؤال للواء حيدر سليمان وسط الزحام مرة أخرى : (أها يا سعادة، وين كتائبك؟)، فأجاب بذات الدبلوماسية الأمنية : ( كدى أعمل ليك أي غلط عشان تشوف شغل كتائبي)، وهنا تأكدت بأن إدارته تنتهج نهجاً قويماً بحيث يكون أمن المجتمع وتأمين سلامته إحساساً قبل أن يكون ( تظاهرة شرطية)..!!

:: نعم، رغم توافد أكثر من مائة وثلاثين ألف مواطن حسب إحصاء غرف النقل وشركات الطيران وإدارة المرور- من كل أرجاء السودان - إلى عاصمة البحر الأحمر، لم تسجل مضابط الشرطة هناك أكثر من ( 6 بلاغات)، في قضايا أخطرها سرقة ذهب من إحدى الأسر المقيمة، وأعادتها الشرطة إلى صاحبتها وقبضت على السارق - خلال 12ساعة - ثم قدمتها للمحاكمة.. مجتمع البحر الأحمر نموذج للمجتمع العفيف و المثالي والمسالم والرافض لكل أنواع الإعتداء على الآخر وحقوقه..وتلك هي الصفات التي راهنت عليها السلطات الشرطية لفرض ( ثقافة النظام)، أي ثقافة إستقامة سلوك المجتمع و ليس النظام بالمعنى السياسي الأجوف..!!

:: وكثيرة هي المشاهدة المشرقة في زحام البحر الأحمر، وكلها تعكس أن الشرطي هناك ليس مجرد (آلية عقابية)، بقدر ما صار يلعب دوراً إيجابياً وفاعلاً في ( التوعية والإرشاد)..وكذلك في تثقيف المجتمع على كيفية تأمين ممتلكاته وتعليمه بأن حريته تنتهي عند حدود حريات الآخرين .. لم يتراشق الشباب بالماء والبيض، أو كما فعل بعض بلهاء الخرطوم بمظان ( هكذا الفرح)..ولم يقذفوا السيارات والبنات بقوارير المياه بمظان ، أو كما فعل بعض حمقى الخرطوم بمظان ( هكذا السعادة)..ولم يتباهوا بالسُكر والتحرش و ( قلة الأدب)، أو كما فعل بعض مراهقي الخرطوم بمظان ( هكذا الرجولة)..لم نشاهد ما صدرت بها صحف الخرطوم، وهي أخبار حوادث وبلاغات ومظاهر ( إحتفال العاصمة)، أكثر من مائة بلاغ في ليلة واحدة، ما بين القتل والشجار والتحرش، أو هكذا أفراح عاصمة البلد.. وليس في الأمر عجب، فالأقربون لنهج المركز هم الأعمق ( تطرفاً)..!!

:: المهم..المجتمع بالبحر الأحمر، حين يخرج من بيوت المدائن ويتوافد من الأرياف ويرسم ساحلاً بشرياً موازياً لساحل البحر الأحمر في ليالي عاصمة ولايتهم، فانه يرسم هذا الساحل بالأب والأم والعم والخال والأبناء والبنات..ولذلك، لم يكن مدهشاً لأي زائر أثر روح الأسرة المنتشرة في شوارع المدينة وكورنيشها في حفظ ( الأمن والأمان )، وفي حماية المجتمع من الحمقى..ترابيز البلياردو وألعاب الأطفال متناثرة في الكورنيش والحدائق العامة بلا سياج أو حماية شرطية، مشهد يعكس (الأمن مسؤولية الجميع).. وتلك عبارة نسمعها كثيراً، ولكن تراها وتشعر بها في مدائن وأرياف البحر الأحمر..فالتحيات لهم ولشرطتهم، وهم يجسدون بالتوعية والإرشاد، وليس بالعقاب فقط ، وبياناً بالعمل معنى ( الأمن مسؤولية الجميع)..!!

بواسطة : الطاهر ساتي
 0  0  1455
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:21 مساءً الجمعة 26 أبريل 2024.