• ×

زاوية حادة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
زاوية حادة

يا يوم بكرة ما تسرع

جعفر عباس

بحكم أنني ابن جزيرة نيلية، وأمضيت الشطر الأول من حياتي على إيقاع النيل في فيضانه وسكناته، فقد عشت الشطر الثاني من حياتي وأنا أحس بأنني محروم من «الشطر» الذي رضعت منه زاد ومعنى الحياة، حيث صرت لا أرى النيل إلا وأنا أعبر أحد الجسور المشيدة عليه، ومثل معظم أهل الخرطوم بحري فقد نشأت محروما من الإطلال على النيل .فالقوات المسلحة (الإشارة والنقل) تحتل الجزء الواقع منه شرق كوبري النيل الأزرق بينما النقل الميكانيكي والمخازن والمهمات والنقل النهري والمقابر تحتل الجزء الواقع غرب الكوبري.. وقبل أيام فجعني مشهد الاعتداء على كازينو النيل الأزرق الذي كان المتنفس الوحيد لأهل بحري بعد حرمانهم من حديقة البلدية بتخصيصها لفندق قصر الصداقة، الذي صار في السنوات الأخيرة نموذجا للـ»قصور» في فهم فن الفندقة وأصول الصداقة، وطوال السنوات الأخيرة ظل النيل ابتداء من قبالة وزارة التربية وحتى المقرن محظورا على عامة الناس، فهو إما محاصر لمصلحة مرافق تجارية أو كما هو الحال من وزارة النفط حتى القصر الجمهوري- منطقة أمنية.. وكتبت هنا عن كيف أننا أوقفنا سيارة في تلك المنطقة لالقاء نظرة على النيل وشواطئ بحري فجاءنا جندي مسلح ومنعنا من ذلك.
هناك مآخذ كثيرة على الحكومة الحالية، ولكن أكثر ما «يميزها» عن سابقاتها في العك، هو عدم اهتمامهم بالجماليات في تخطيط المدن، فمن قبل كان لكل منطقة سكنية في العاصمة المثلثة، «رئة» تتمثل في أرض فضاء بور أو مزروعة، ولكن الحكومة الحالية «عدّمتنا النفس» حتى في هذا المجال، فقد تحولت الحدائق القائمة منذ عهد الفريق عبود الى مرافق تجارية، وحتى الميادين المخصصة لاحتفالات المولد النبوي لم تسلم من التعدي، وشكوت قبل أيام من هذا الأمر لمستشار والي الخرطوم الدكتور محمد علي عبد الحليم، الذي سبق له العمل أيضا مستشارا في وزارة التخطيط العمراني، وقلت له إن كل العالم يعتقد أن النيل نهر مصري ينبع في وسط أفريقيا ثم يغوص تحت الأرض و»يقلّع» في أسوان مواصلا سيره الى البحر الأبيض، فما كان منه إلا أن اصطحبني في ساعة شبه متأخرة من الليل في جولة في شارع النيل من منطقة البراري حتى المقرن، وسعدت كثيرا لمشهد آلاف الناس ينتشرون على أرصفة الامتداد الجديد للشارع يحتسون أكواب الشاي، ثم تسللنا الى الردميات وشبكة الجسور التي ستجعل شارع النيل يستاهل التسمية، ولو اكتمل المشروع كما هو مقرر في العام 2018 مع إزالة الاحتكارات التجارية من الشاطئ فسنسترد النهر العظيم ويصبح عندنا كورنيش نباهي به الدول السياحية،.. يعني كلها ست سنوات،.. يعني باكر.. ما أروع إسحق الحلنقي: أقابلك في زمن ماشي/ وزمن جاي/ وزمن لسه/ أشوف الماضي فيك باكر/ أريت باكر يكون هسه.. وغني لنا يا فضل الله محمد: يا يوم بكرة ما تسرع تخفف لي نار وجدي، أو ابن بحري الراحل مصطفى بطران «في شاطئ النيل الخصيب/ أنا وأنت جالسين يا حبيب»، بس يا خوفي يعملوا شرطة نهرية تكمشك انت والحبيب.
ولكنني سعيد جدا بهذا المشروع العملاق الذي يجعل شارع النيل يمتد من أطراف سوبا حتى نهاية أم درمان القديمة فيساعد على انسياب حركة المرور لأن الاختناقات تهدر ملايين ساعات العمل شهريا، ويضيف طوقا جماليا لمدن كادت تكمل تحولها الى قرى!! يا الله هوي تلحق هذا المشروع وما «يتعترس» كما مطارنا الجديد الذي قال القائمون على أمره إن الممولين قالوا لهم خذوا الدفعة التالية من التمويل فطالبوا بتأجيل التمويل لأن العجلة من الشيطان.. شخص مقطع ومبهدل عنده أرض وقبل بنك تمويل بناء بيته ولما يعرض عليه الدفعة الثانية من القرض يقول لهم: مستعجلين فوق كم.. خلوا فلوسكم عندكم.. إلى متى يفترضون أننا بلهاء وبريالة وقنابير؟


الراي العام

بواسطة : جعفر عباس
 0  0  2155
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 10:23 صباحًا الإثنين 29 أبريل 2024.