عثمان ميرغني يكتب: الفهامة !

السودانية ـ الخرطوم في أخبار الصحف أمس.. إن حزب المؤتمر الوطني، رفض مقترح (حكومة انتقالية).. في إطار مشروع التسوية المقدم من (الترويكا).. والذي يحيرني حتى هذه اللحظة.. في زحام المعركة السياسية.. ماذا تقصد الأحزاب (حاكمة ومحكومة) بكلمة (حكومة)!! بغض النظر عن كونها انتقالية أو قومية أو أي مترادفات أخرى..
يا جماعة الخير.. في السودان الوضع مختلف جداً.. الأحزاب يظنون أن مجلس الوزراء هو المقصود بكلمة (حكومة).. وهذا محض وهم.. (مجلس الوزراء) السودان هو (اجتماع!!) .. تماماً مثلما تستخدم كلمة _جمعية عمومية) للإشارة للاجتماع السنوي أو الطارئ الذي تعقده الشركات..
مجلس الوزراء في السودان ليس (حكومة) فهو ليس معنياً بالقرارات المصيرية.. وعادة عندما يجتمع يتداول تحت طائلة (تنوير).. يستمع للتنويرات التي تقدم إليه ثم يتبارى الوزراء في إشهار تأيديهم لكل ما تفعله (الحكومة!!) .. التي هي جسم آخر خارج مجلس الوزراء..
مصطلح (حكومة) هنا في السودان يجب أن يعني فقط مؤسسة الرئاسة (الرئيس ونائباه ومساعدوه ومستشاروه) تماماً كما هو الحال في الإدارة الأمريكية.. هل سمعتم في أمريكا باجتماع مجلس الوزراء..

كثير من الدول تستخدم نموذج الحكم الرئاسي الذي يسند العمل السياسي لمؤسسة الرئاسة.. وفي بعض الدول ذات النظم البرلمانية يتولى مجلس الوزراء تكليف مجموعة صغيرة محدودة لتقوم بدور (الحكومة) كما هو الحال في الهند وإسرائيل وفرنسا وإثيوبيا مثلاً.. وبعض الدول ذات النظام المختلط تتقاسم المهمة بين مجلس الوزراء ومؤسسة الرئاسة كما هو الحال في جارتنا الشقيقة مصر..
ما معنى (حكومة انتقالية).. بالتأكيد الأحزاب تقصد مجلس وزراء (انتقالي).. ليفعل ماذا؟؟ صدقوني لا أحد فكر في الإجابة.. لأن الذي في مخيلة كثير من الأحزاب هو تقاسم السلطة و(الثروة) عن طرق تقاسم الحقائب الدستورية لا أكثر..
في تقديري.. من الأجدر أن تطالب الأحزاب بإعادة هيكلة الدولة السودانية.. وهو أمر ليس في يد (الحكومة).. الحكومة بمعناها الخطأ الذي تقصده الأحزاب.. والحكومة بمعناها الصحيح الذي أقصده أنا.. الأجدر أن تدرك الأحزاب أن إعادة هيكلة الدولة السودانية هو أمر في كنف السُلطة التشريعية وليس التنفيذية.. هناك في البرلمان.. إلا إذا كانت الأحزاب تقارن بين (الجاه) في مقاعد البرلمان.. و(الجاه) في مقاعد مجلس الوزراء..
من البرلمان يمكن إعادة صياغة الدولة السودانية على أسس جديدة تزيل كثير من العيوب (الوراثية) التي تنهك جسد الدولة السودانية.. كل ما تشتكي منه أحزاب المعارضة.. يمكنها إصلاحه من داخل قبة البرلمان..

تقاسم البرلمان أفضل كثيراً للأحزاب المعارضة وللبلاد من الإصرار على تقاسم مقاعد مجلس الوزراء.. هل رأيتم أو سمعتم جلسات مجلس الوزراء؟؟ هل في يده أي فعل أو حتى رد فعل.. الأجدر أن تقوم المعادلة السياسية في طريق البحث عن تسوية للأزمة السودانية بالتفكير في دور رشيد للسلطة التشريعية.. قوام الدولة في التشريعات وليس في الجهاز التنفيذي.. هذا بالطبع أن كنا نتحدث عن دولة (سيادة القانون) لا دولة (قانون السيادة)