• ×

كثيرون عزفوا عن شراء الأضحية والطقوس تبدأ بالزفة..عيد الأضحى في السودان يتغلب على الأزمات بدفء الحياة وسط الأهل

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الخرطوم/السودانية/ كثيرون عزفوا عن شراء الأضحية والطقوس تبدأ بالزفة مع تشكيل الأسر خلية عمل داخل المنازل

للسودانيين طقوس فريدة ومميزة في عيد الأضحى الذي يطلقون عليه “العيد الكبير”، مما يجعل كل أفراد الأسرة يحرصون على التجمع فيه عند منزل كبير العائلة، لذا تجد حركة التنقل من العاصمة الخرطوم التي تكتظ بالسكان الوافدين من الأقاليم بغرض العمل إلى بقية المدن ومناطق البلاد المختلفة كبيرة قبل حلوله، احتفالاً به مع أهلهم، مما يضطر شرطة المرور كل عام في هذا التوقيت إلى تفويج المركبات السفرية بواسطة فرق عسكرية منعاً لحوادث السير التي تزداد خلال هذه الفترة.

زفة العيد

يبدأ الاحتفال بعيد الأضحى في بعض مدن السودان بوقفة عرفات، إذ يخرج مئات الرجال والنساء والأطفال إلى الشوارع تتقدمهم الفرق الشعبية التي تنتمي لبعض القبائل السودانية برقصاتها وتراثها المتعارف عليه منذ القدم، ويطوفون على معظم الشوارع الرئيسة ابتهاجاً بقدوم العيد، ويطلق عليها “زفة العيد”، وإن كانت هذه العادة تراجعت نوعاً ما في بعض المناطق بسبب تأثرها بالحضر.

وعادة يستعد السودانيون لهذا العيد منذ اليوم الأول من ذو الحجة، أي قبل 10 أيام تقريباً من حلوله، إذ تكون الأسرة بكاملها صغاراً وكباراً بمثابة خلية عمل تقسم بينها المهمات، فبعض ربات البيوت يتولين مهمة شراء حاجات العيد من البهارات والبخور وغيرها، وأخريات يشرفن على تجديد طلاء المنزل والمفروشات والستائر، في حين يقوم رب الأسرة بشراء الأضحية قبل يوم أو يومين من العيد، بينما يستيقظ معظم أفراد الأسرة في الصباح الباكر ليوم العيد، حيث تتجه النساء إلى ترتيب وتنظيف المنزل وتزيينه وفرشه بفرش جديد ليكون في أبهى صورة، فضلاً عن تعطيره بنوع خاص من البخور يسمى “خور التيمان” وهو من التقاليد المتوارثة للشعب السوداني وجزء من ثقافته القديمة، في حين يذهب الرجال والنساء المسنات والأطفال من الجنسين إلى أداء صلاة العيد التي تكون في الميادين العامة.

العمامة و”الشربوت”

يرتدي الرجال السودانيون عند ذهابهم إلى صلاة العيد أثواباً بيضاء جديدة ويضع كثيرون العمامة على رؤوسهم، وعند عودتهم بصحبة أطفالهم يقومون بمعايدة الجيران والأقارب الذين يسكنون في الحي ذاته وبالقرب من موقع صلاة العيد، كما تعم الشوارع أجواء من الفرحة والحماسة، وبعد ذلك ينصرف الجميع إلى ذبح الأضاحي، إذ تقوم النساء بتجهيز وجبة الفطور التي تجتمع فيها العائلات مع بعضها ويدعون عابري السبيل، كما يتم توزيع جزء من لحوم الأضاحي على الفقراء والمساكين. وغالباً ما يستمر ذبح الأضاحي عند الأسر الكبيرة والممتدة حتى رابع أيام العيد.

ويتناول معظم السودانيين في هذا العيد بخاصة بعد وجبتي الفطور والغداء التي تتكون من الشية والكمونية والسلطات وبعض المأكولات الشعبية، مشروباً شعبياً يعرف باسم “الشربوت”، ويرجع تاريخه إلى مئات السنين، ويعود أصله لشمال السودان، حيث انتشر إلى بقية مناطق البلاد، لكن يقل استخدامه في منطقتي الشرق والغرب ليصبح من المشروبات المفضلة لكثيرين، وهو عبارة عن منقوع التمر مضافاً إليه بعض التوابل ويتم إعداده قبل عدة أيام من العيد، ويساعد في الهضم بحسب ما هو معتقد.

ترف التواصل

يقول الكاتب السوداني صديق الشم حول هذه المناسبة، “يتجلى البعد الحقيقي لترف التواصل الاجتماعي وحميمية اللقاء في عيد الأضحى أو العيد الكبير كما يحلو لمعظم السودانيين تسميته بذلك، في الحراك المجتمعي الهائل الذي يتجاوز المألوف، كما يصفه الروائي العالمي الطيب صالح “ذاك دفء الحياة في العشيرة”، فالعشيرة هي كل أفراد المجتمع، فأينما أدركك العيد بعد انتهاء يوم عرفة فأنت أحد أفرادها، إذ يبدأون يومهم بصلاة العيد في الساحات التي يتدافع إليها كل أفراد العائلة مصطحبين التكبير والتهليل كموجه ديني لا ينتهي عند ذبح الأضحية”.

وتابع الشم، “وما بين ذلك عناق حار وتبادل لكلمات التهاني تتصدرها كلمات العفو والعافية إيذاناً بفتح صفحة بيضاء للعلاقة، ثم يندفع الناس إلى ذبح الأضحية، والسودانيون بشكل عام يستقبلون العيد بطعم مغاير مفرداته الشية والكمونية والدكوة (زبدة الفول السوداني) مع المرارة (تتكون من الكبد والرئة والطحال والكلى، حيث تتبل جيداً بعد تنظيفها جيداً وتأكل من دون طهي)، كمفردات مشتركة في الريف والحضر”.

موازنة مقدرة

فيما يشير أستاذ الاجتماع في الجامعات السودانية فضل عبدالمحسن إلى أن “معظم الأسر السودانية تستعد لعيد الأضحى منذ وقت باكر بتوفير موازنة مقدرة له، نظراً إلى تعدد حاجاته المتمثلة في شراء وتجهيز الملابس الجديدة للأطفال والخروف، وتقوم ربات البيوت ليلة العيد بنشاط مكثف داخل المنزل من تنظيف وترتيب بأسلوب يغلب عليه الطابع الاحتفالي، مما يجعل المنزل في أبهى صورة وكأنه قد ارتدى حلته الجديدة لاستقبال هذا الزائر العزيز الذي لا يتردد على المنزل إلا مرة واحدة في العام، كما تحرص ربة الأسرة صباح هذا اليوم على إطلاق البخور المحلي في جميع أركان المنزل، إذ إن هناك اعتقاداً بأن هذا النوع من البخور المعروف باسم “التيمان” يحمي المنزل وسكانه من الشرور والحسد ويدرأ عنه الأرواح الشريرة وأضرارها”.

وأضاف عبدالمحسن، “من العادات والتقاليد المتبعة لدى معظم السودانيين عقب الانتهاء من أداء صلاة العيد انطلاق الرجال والأطفال إلى منطقة سكنهم حيث يقومون بالمرور على بيوت الحي من الجيران والأقارب لتقديم واجب التهنئة بالعيد وهم في طريقهم إلى منازلهم قبل ذبح الأضحية، وغالباً ما يجتمع شمل الأسرة والعائلة في السودان في أول أيام عيد الأضحى في (البيت الكبير) بدءاً من مراسم الأضحية، ويتم وضع برنامج الذبح على مدى الأيام الأربعة للعيد الذي يكون دائماً فرصة للتصالح وإنهاء الخلافات بين الناس خصوصاً الأقارب والجيران، إذ يعمل الجميع على اصطحاب الصغير للكبير ممن نشب بينهم خلاف أو توتر في العلاقة لإنهائه، وعادة يستجيب الجميع لعملية التسامح والتصالح”.

غلاء الأضحية

يأتي هذا العيد في وقت يشهد فيه السودان أزمة سياسية مستعصية بسبب الانقلاب الذي قام به قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، عطل بموجبه الشراكة مع المكون المدني، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية المتواصلة منذ فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير الذي أطاحته ثورة شعبية في أبريل (نيسان) 2019، وتجلت في ارتفاع مطرد بمعدل التضخم وانخفاض في قيمة العملة الوطنية، مما خلف مستوى معيشة متردياً للغاية.

ونظراً إلى هذه الظروف والأوضاع المتردية عزف كثير من السودانيين عن شراء الأضحية هذا العام، في وقت امتلأت الميادين والساحات العامة في العاصمة الخرطوم بالأضاحي بحثاً عن المشترين، إذ تراوحت أسعار الخراف من 70 ألف جنيه سوداني (122 دولاراً) وحتى 150 ألفاً (250 دولاراً)، وهي مبالغ كبيرة مقارنة بالحال المادية لمعظم العائلات في هذا البلد.

وتحتضن العاصمة السودانية أسواقاً مركزية ضخمة للماشية تقع غرب مدينة أم درمان في منطقتي المويلح وقندهار، ويرتادها صغار التجار والمواطنون، ووجدت كثير من العائلات التي تسكن العاصمة الخرطوم نفسها مضطرة إلى لاستعانة بجذورها في الولايات بالسفر إليها لقضاء العيد وسط ذويها وأقاربها في تلك المناطق.


بواسطة : admin
 0  0  367
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:26 صباحًا الخميس 18 أبريل 2024.