• ×

بكاء الوسيط \ اتفاق السودانيين.. تفاصيل وكواليس التفاوض

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية / الخرطوم / أجهش الوسيط الإفريقي محمد حسن لباد بالبكاء، وهو يتلقى بكثير حزن، قرار قوى إعلان الحرية والتغيير بعدم التفاوض المباشر مع المجلس العسكري.. الدبلوماسي الإفريقي أدرك بخبرته الوافرة، أن السودان يمضي للمجهول، لينقلب المشهد بعدها رأساً على عقب داخل قوى التغيير والمجلس العسكري على النحو الذي أفضى لاتفاق بينهما في الساعات الأولى من صباح الجمعة، انفجرت بعده الشوارع الضاجة بهتاف الشباب الثائر الذي رهن أوبته بتحقيق مطالبه.
الشوارع ازدانت في الساعات الأولى من فجر الأمس، الخرطوم ومدن البلاد الأخرى بالثائرين والثائرات شارعين أمنياتهم الخضراء في سودان جديد يسع طاقاتهم وعزائمهم التي أبت أن تلين حتى تحقيق حلم الإطاحة بنظام البشير وإقامة الدولة المدنية الحديثة .

بكاء الوسيط
الطريق إلى طاولة التفاوض المباشر لم يكن سهلاً، تباينت المواقف داخل قوى إعلان الحرية والتغيير من دعوة الوسيط الإفريقي للتحادث مباشرة بينها والعسكريين لكن الوسيط الإفريقي السفير محمد حسن لباد أجهش بالبكاء، عندما أبلغه وفد قوى الحرية والتغيير المكون من محمد سيد أحمد وبابكر فيصل وحيدر الصافي وصديق يوسف، بعدم الموافقة على أي مفاوضات مباشرة بينهم وأعضاء المجلس العسكري.
وطلب الوفد من الوسيطين الإفريقي والإثيوبي استكمال مشاوراتهما حتى إحضار اتفاق للتوقيع عليه..
وبحسب مصدر قيادي بقوى الحرية والتغيير – فضل عدم ذكر اسمه- قال السفير لباد لأعضاء الوفد إن الوساطة لم يعد لديها ما تقدمه، وأنه كان يرغب في سماع خبر موافقتها للعودة إلى التفاوض خاصة وأن ما يطلبه المجلس العسكري من عامين للفترة الانتقالية ورئاسة عسكرية دائمة، لا يمكن حسمها إلا عبر تفاوض مباشر. وأضاف المصدر :” السفير لباد قال لهم لينين قال اسوأ الانتهازيين انتهازيي اليسار والثورة السودانية ثورة عظيمة لم تشهدها إفريقيا وأنها ثورة سلمية ستدرس في كل العالم وأن قوى الحرية والتغيير حققت نصراً كبيراً في الثلاثين من يونيو وبموقفها هذا تضيع الثورة وسيضيع السودان ثم أجهش بالبكاء..
وأكد المصدر أن عضو الحرية والتغيير وممثل الجبهة الثورية محمد سيد أحمد أخذ بيدي الوسيط الإفريقي محمد حسن لباد والإثيوبي محمود درير، ووقع لهما وعداً بحضور قوى الحرية والتغيير للمفاوضات المباشرة مع المجلس العسكري.

خلافات وتوافق
في يوم الأربعاء الماضي، أجرى محمد سيد أحمد اتصالاً هاتفياً بالوسيط الإثيوبي محمود درير، أبلغه بموافقة قوى الحرية والتغيير على التفاوض المباشر. وطلب منه مدهم بالوثيقة المعدلة لمراجعتها والتأكد من تضمين الشروط الستة التي وضعتها قوى التغيير لاستئناف التفاوض مع العسكري، شروط كانت قوى التغيير ناقشتها في اجتماع موسع ضم ممثلين لكافة فصائلها خلص إلى ضرورة تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في مجزرة 3 يونيو وحل المجلس العسكري بمجرد تكوين مجلس السيادة والتطرق لتأجيل النقاش حول المجلس التشريعي الانتقالي وتم الدفع بها إلى الوسيط لتضمينها.
قبل تلك المكالمة بين سيد أحمد والوسيط الإثيوبي درير، كانت أروقة قوى الحرية والتغيير، شهدت اجتماعات مكثفة حيث عقدت اللجنة التفاوضية والتنسيقية اجتماعاً مشتركاً ضم الوفد التفاوضي أبرزهم (الدقير ومحمد سيد أحمد وصديق يوسف وأحمد ربيع وبابكر فيصل وطه عثمان ومحمد حسن عربي ومحمد فول وإبراهيم الأمين وبروفيسور حيدر الصافي).
في ذلك الاجتماع قال ممثل الجبهة الثورية محمد سيد أحمد إنهم في الجبهة ونداء السودان مع التفاوض المباشر مع المجلس العسكري، ونصر على ثلاث سنوات فترة انتقالية ورئاسة دورية للمجلس السيادي، ووفقاً لمصدر مطلع بقوى الحرية والتغيير لـ(السوداني) فإن القيادي بقوى الإجماع الوطني صديق يوسف أن الحزب الشيوعي يرفض التفاوض المباشر، ولا جديد لديه في هذا الأمر ..
وأشار المصدر إلى أن الذين رفضوا التفاوض إلى جانب قوى الإجماع كل من تجمع المهنيين، التجمع الاتحادي المعارض، المجتمع المدني، الحزب الجمهوري وقوى الإجماع الوطني، وبعد مشاورات مكثفة تم الاتفاق بين هذه المكونات على التفاوض المباشر، عدا قوى الإجماع الوطني التي وافقت وفقاً للمصدر بعد الأغلبية.
ويشير المصدر إلى تكوين وفد مكون من د. إبراهيم الأمين وساطع الحاج، وأحمد ربيع وبابكر فيصل ، لإبلاغ الوساطة بالموافقة واستلام الوثيقة المعدلة للتأكد من تضمين شروط قوى التغيير فيها.

مطابخ العسكري
بالمقابل شهدت مؤسسات الجيش والمجلس العسكري، مناقشات مكثفة حول ضرورة تشكيل حكومة كفاءات وطنية بأعجل ما تيسر، فالعسكريون بدأوا في مقاربة ما بين مطالب الشعب وإدراكهم لحقيقة أن النوايا الحسنة وحدها التي تقود الطريق للدولة المدنية ليست كافية في ظل التعقيدات الأمنية للسودان واضطرابات الجوار.
وكشفت مصادر مطلعة رفضت ذكر اسمها- أن رئيس المجلس العسكري الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان أخذ على محمل الجد ضرورة التوافق الوطني، وقالت المصادر إن اتصالات جرت قبل الثلاثين من يونيو بين قيادات رفيعة بالمجلس والقيادي بقوى الحرية والتغيير محمد وداعة، لبحث سبل العودة للمفاوضات.
وأكدت المصادر تداول الطرفين في لقاءات غير رسمية أسهم وداعة في ترتيبها، لبحث أفكار جديدة حول القضايا الخلافية وعودة الثقة بين المجلس وقوى الحرية والتغيير.
مقابل ذلك شهدت الخرطوم وعواصم أخرى لقاءات دبلوماسية عديدة بين المبعوث الأمريكي دونالد بوث ومسؤولين في الخرطوم، وكان بوث قد طار إلى كل من القاهرة وأبو ظبي والرياض، لحشد تأييد مواقف دول أصدقاء السودان الثلاث، للدفع بالتسوية السياسية وتشكيل الحكومة المدنية، وسرت تسريبات غير مؤكدة أن وزارة الخارجية السعودية ممثلة في وزير الدولة للشؤون الخارجية والسفير السعودي بالسودان علي بن حسن، لعبا دوراًً محورياً الى جانب المبعوث لأمريكي في تقريب وجهات النظر ودعم المبادرة الإفريقية.

دلالة المقر
مقر المفاوضات، يبدو أنه اختير بعناية فائقة من قبل الوسطاء، وربما بغرض إتاحة الفرصة لقيادة وفدي الحرية والتغيير والمجلس العسكري، فسحة من التأمل في فضاء فندق (كورنثيا) الفخيم بالخرطوم، الذي شيده الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وبالتالي تذكيرهم بمصير الزعيم الأكثر إثارة للجدل خلال الثلاثين عاماً الماضية، وما آلت إليه الأوضاع في ليبيا، وكأن الوسيط أراد لحظة صعوده بوفدي التفاوض إلى قمة (برج الفاتح سابقاً) أن يذكر الطرفين أن الأزمة بينهما وصلت إلى هذا المنتهى، منذرة بالسيناريو الليبي.
ويبدو أن اختيار مقر التفاوض حمل الأطراف إلى ضرورة عقلنة مواقفهما، ففي أعلى القمة ينبغي أن يكون السودان شامخاً تعز فيه الذات وقتل الأنفس والثروات.. فدائماً ما ترحل الأسماء الكبيرة لتبقى مواقفها في ذاكرة الأوطان والشعوب.

مخاوف على الطاولة
لهذا الاتفاق خفايا وأسرار، واتصالات دبلوماسية ولقاءات غير رسمية جرت بين قوى إعلان الحرية والتغيير، كان بعدها أعضاء المجلس العسكري بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو والفريق ياسر العطا والفريق شمس الدين كباشي، في مقابلة وفد قوى إعلان الحرية والتغيير المكون من صديق يوسف، د. إبراهيم الأمين وعمر الدقير وبابكر فيصل وطه عثمان، والوسيط الإفريقي محمد الحسن لباد والإثيوبي محمود درير يراقبان اللقاء المباشر .. كان ذلك في مساء الأربعاء الماضي..
كان لقاء يستحق وصف (إخراج الهواء الساخن) الحرية والتغيير تعيد للذاكرة واقعة فض الاعتصام الأليمة وتصعيد المجلس العسكري، وقيادات المجلس تنقل استياءها من تشويه صورة المجلس والروح العدائية لقوى الحرية والتغيير .. الوسطاء يراقبون (التلاؤم) في دهشة .. تهدأ الأنفاس، ويخرج كل طرف ما في صدره من مخاوف من الطرف الآخر، قبل أن يشرعا سوياً في مخاطبة الوساطة على هدي روح الشراكة الانتقالية المقبلة..
ينقل عضو وفد الحرية والتغيير عمر الدقير الجلسة التفاوضية لنقطة أكثر جدية، وهو يسأل عن الاشتراطات التي دفعوا بها للعودة المباشرة للمفاوضات، كان الدقير على علم بموافقة المجلس التي نقلها لهم الوسيط في وثيقته المعدلة، لكنه أراد أن يسمع ذلك مباشرة، خاصة ومن بين الأعضاء أقوى رجال المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان حميدتي، يكمل الاعضاء بقية المطالب (التحقيق المستقل لقتل المعتصمين والمتظاهرين وعودة الانترنت وإطلاق سراح المعتقلين وعودة المفصولين لمشاركتهم في العصيان السابق)..
يبتسم الفريق ياسر العطا ويمد الوساطة بأوراق، بدت كأنها قرارات وموافقات على اشتراطات الحرية والتغيير ..الساعات تمضي والمفاوضات تصل لنقطة الخلاف الأولى (المجلس السيادي الرئاسة والتمثيل) والطرفان لا يناقشان اتفاق مسبق حوله بأن يكون مكوناً من 7من العسكريين ومثلهم من المدنيين وشخص يتوافقا عليه، فقد أبلغ الوسيط الإفريقي السفير لباد قوى الحرية والتغيير مسبقاً أن المجلس العسكري يطالب بفترة انتقالية عامين ورئاسة عسكرية دائمة، وأن دوره كوسيط قد انتهى، وإن ما يطرحه العسكري لا يمكن مناقشته إلا عبر تفاوض مباشر، لهذا ربما بدأ النقاش من مطلب المجلس العسكري الذي وافقت عليه قوى إعلان الحرية والتغيير، بأن يتم تخفيض عدد أعضاء المجلس السيادي من 15 عضواً إلى 11 عضواً .
ينتهي إجتماع اليوم الأول الذي أزاح عبء انعدام التواصل المباشر.. وفي اليوم الثاني يحتدم النقاش بشدة حول الفترة الانتقالية والرئاسة الدورية للعسكريين ليتم الاتفاق على مقترح المبادرة الإثيوبية بالرئاسة الدورية، وأكثر من ثلاث سنوات فترة انتقالية بعد أن نادت قوى الحرية بأربع سنوات والمجلس بعامين، على أن يشغل العسكريون رئاسة المجلس السيادي لمدة 21 شهراً مقابل 18 شهراً للمدنيين. وهو الاتفاق الذي لعب فيه نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان دورا رئيسياً حسبما قال القيادي بقوى الحرية والتغيير وعضو الوفد المفاوض من جانبها بابكر فيصل لـ(السوداني) الذي أجاب عنى مدى إسهام وجود حميدتي على رأس الوفد العسكري المفاوض فقال :” كان هو العامل الحاسم في الطرف الآخر واتخذ الخطوة الكبيرة بقبول المقترح” ..
وبشأن الخطوة القادمة أكد بابكر فيصل اتفاقهم مع وفد المجلس العسكري على تشكيل لجنة قانونية مشتركة لتعمل خلال ثماني وأربعين ساعة على صياغة قانونية محكمة للاتفاق ليتم التوقيع عليه”.

انسحاب الثورية
بعد أن شكلت قوى الحرية والتغيير وفدها المفاوض، تلقى عضو الوفد محمد سيد أحمد اتصالاً هاتفياً من نائب رئيس الجبهة الثورية التوم هجو، طالباً منه الانسحاب من التفاوض ضمن وفد قوى التغيير، وأخبره أن قراراًً صدر بهذا الخصوص من رئيس الجبهة الثورية منيأ مناوي ونائبه ورئيس حركة العدل والمساوة د. خليل إبراهيم في اجتماع لقيادة الجبهة، يقول التوم هجو في تعليقه لـ(السوداني) عن أسباب القرار إن الخلاف مع مكونات قوى الحرية والتغيير حول طريقة إدارة قوى الحرية الغير تنظيمية، وأضاف :” الانسحاب نتيجة طبيعية عقب فشلنا في إقناعهم بالاستجابة للمطالب المشروعة بما فيها عدد من التنظيمات بينها حزب الأمة ” مؤكداًً تحديد الجبهة الثورية لموقفها التفاوضي المنفرد مع العسكري وقال حددنا رؤيتنا التفاوضية وأولوياتنا أولاً كيفية حكم السودان وثانياً مسألة السلام والاستقرار وإيقاف الحرب وآثارها وفي المقام الثالث رؤيتنا المشاركة في الفترة الانتقالية وقال هجو إن الصراع الذي يجري بعد سقوط النظام هو صراع حول من يحكم.


بواسطة : admin
 0  0  1042
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:25 صباحًا الجمعة 19 أبريل 2024.