• ×

صحيفة لندنية :شبح انقسام في صفوف الحزب الحاكم بالسودان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية مع تواصل التظاهرات في السودان على خلفية تردي الأوضاع المعيشية يضع الرئيس عمر البشير، الذي يتهمه المحتجون بسوء الإدارة الاقتصادية للبلاد، حزب المؤتمر الوطني في عين العاصفة بإلقاء مسؤولية الفشل في الخروج من الأزمة الراهنة عليه، لتخفيف الأعباء عنه، أملا في الحدّ من الضغوط الخارجية على مؤسسة الرئاسة، غير أن القيادات الحزبية التاريخية ترفض تقزيم الحزب، وهو ما يعرّض حزب المؤتمر الوطني إلى شبح الانقسام وتآكله بتزايد الخلافات بين فريق متمسك بخط البشير وآخر يريد إعادة بناء الحزب.

كشفت التظاهرات المستمرّة في السودان عن ضعف القوى الحزبية في البلاد، لأنها لم تحرّكها من البداية ولم تلعب دورا في توجيه مساراتها. اندلعت من رحم مشكلات اقتصادية واجتماعية. وأخذت مناحي سياسية على وقع اتساع نطاق الاحتجاجات. أخفقت غالبية الأحزاب، في الحكومة والمعارضة، في التعامل معها، لجهة استثمارها أو استيعابها.

يشبه السودان حال دول كثيرة، شهدت تراجعا في تأثير الأحزاب، لصالح جماعات وتنظيمات أقرب للهامش منها إلى المركز. تعبّر عن رغبات وتطلعات الجماهير دون توصيفات أيديولوجية مبالغ فيها. وهو ما يضع الأحزاب أمام تحدي البقاء أولا والتوجيه والتأثير ثانيا، ويدفعها نحو العمل على استعادة زخمها، ومقاومة التشظّي، المقدمة الطبيعية للتلاشي.

انطلقت التظاهرات من دون دليل حزبي في السودان. وكشفت تطوراتها عورات الكثير من القوى السياسية. منها من حاول اللحاق بالعربة الأخيرة في القطار وتكثيف الحضور في الشارع ووسط الجماهير. ومنها من حاول لملمة جراحه وامتصاص الصدمة التي أحدثتها الاحتجاجات، عبر إعادة ترتيب الأوراق، بالانسحاب من التحالف مع الحزب الحاكم، وعدم المشاركة في الحكومة، بل وانضم البعض إلى صفوف المعارضة والتفاعل مع حركة المواطنين الغاضبين، عندما لاح في الأفق شبح سقوط مدوّي للنظام الحاكم في الخرطوم.

حاول النظام السوداني إلقاء المسؤولية كاملة على عاتق حزب المؤتمر الوطني، بحجة أنه فشل في توقّع الاحتجاجات، مع أن شراراتها كانت حاضرة، وأخفق في احتواء التداعيات، ولم يحسن فكّ شيفرات التظاهرات، أو يقدم رؤية ناصحة لوقف امتداداتها في مدن مختلفة.

أصبح الحزب الحاكم في مقدمة الجهات التي جرى تصويب السهام السياسية عليها، لتخفيف الأعباء عن كاهل الرئيس عمر حسن البشير، الذي تحوّل إلى رأس حربة في غالبية المبادرات والشعارات التي انتشرت في الشارع السياسي.

الخلافات بدأت تنخر في جسد حزب المؤتمر الوطني عندما استشعر بعض القادة المعروفين بانتماءاتهم الأيديولوجية أن الدور السياسي للحزب آخذ في التآكل

اتخذ الرئيس السوداني إجراءات متعددة وضعت حزب المؤتمر الوطني في عين العاصفة، أملا في تخفيف الضغوط الخارجية على مؤسسة الرئاسة، وحماية المؤسسة العسكرية من الانتقادات الداخلية.

ابتعد البشير عن رئاسة الحزب لأول مرة من تأسيسه، واختار أحمد هارون كرئيس له بالوكالة، الأمر الذي مثّل صدمة لكثيرين، لأن هذه الخطوات تمّ التعامل معها على أنها مقدمة لتهميش الحزب في الحياة السياسية، وإشارة خفية إلى ترضية القوى المحتجة على ما وصل إليه السودان من تفاقم في الأزمات، جراء السياسات الخاطئة التي اتبعت طوال السنوات الماضية، واحتل فيها المؤتمر الوطني الواجهة الحزبية للنظام.

قام البشير بقذف الكرة بقوة في شباك الحزب الحاكم، وأخذ يتحلل من المواقف والأفكار العقائدية التي تبنّاها الجناح القوي في الحركة الإسلامية، الذي اعتبر الحزب ذراعها السياسية.

مضى الرئيس السوداني في العمل على إعادة ضبط أوضاعه وعينه مصوبة ناحية المؤسسة العسكرية لإنقاذه من ورطاته السياسية، التي سعت بدورها عن عمد إلى الاحتفاظ بمسافة عن حزب المؤتمر الوطني، في إشارة توحي بإلقاء العبء عليه وحده، وتجنيب القيادات المنتمية إلى الحركة الإسلامية في الجيش الزجّ بها في معمعة الاحتجاجات.

شعرت بعض القيادات الحزبية التاريخية أن الأمور تسير في اتجاه يبتعد نسبيا عن الأهداف الرئيسية، وأعدّت خطة لإحياء جديد، قد تعيد التماسك إليه، وتجعله غير منفصل عن السلطة مستقبلا.

الاحتجاجات كشفت عورات الكثير من القوى السياسية

رفض هؤلاء المحاولات الرامية إلى تقزيم دور الحزب في الحلبة السياسية، لأنه لا يزال الرديف المركزي للحركة الإسلامية، التي قبضت على الكثير من المفاتيح في الدولة، وقد تؤدّي التوجهات التالية للاحتجاجات إلى تقليص دورها لأهداف داخلية أو خارجية، ما يُفقدها جزءا من حيويتها، التي تقود تلقائيا إلى انفضاض القطاع الانتهازي عنها.

بدأت الخلافات تنخر في جسد حزب المؤتمر الوطني، عندما استشعر بعض القادة المعروفين بانتماءاتهم الأيديولوجية أنّ الدور السياسي للحزب آخذ في التآكل، ويمكن أن تخلق مواصلة التظاهرات واقعا يمضي في غير صالحهم، بما يفتح الباب لخلافات جديدة.

بدأت ملامح الانقسام باصطدام الفريق المقتنع بخطوات البشير للسيطرة على الاحتجاجات، مع فريق آخر يريد إعادة بناء الحزب من الجذور، ليتمكّن من التعامل مع الحركة السياسية والجماهيرية المتسارعة، ومال الأول إلى التغيير بالتدريج، وأيّد الثاني التغيير الشامل، والارتفاع إلى مستوى التحديات الضخمة، والعمل على تمكين الشباب في الكثير من هياكل الحزب.

ظهرت مكوّنات التباين بجلاء مع إعلان إرجاء مجلس شورى الحزب، السبت الماضي، المؤتمر العام، الذي كان من المنتظر انعقاده في أبريل الجاري لاختيار رئيسه الجديد، إلى موعد غير معلوم، ربما يكون في أكتوبر القادم أو بعده، لظروف الأزمة التي تمخّضت عن التظاهرات وما نجم عنها من ارتباك في توجّهات النظام الحاكم، بشكل أخلّ بجانب من التوازنات التي برع في حبكها حزب المؤتمر الوطني، وحمته من الوقوع في براثن خلافات قوية سابقا، ومكّنته من استقطاب وتخريب كثير من القوى المنافسة.

أكدت المعلومات التي تسرّبت من اجتماع مجلس شورى الحزب، أنها شهدت خلافا حادّا بين علي عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس السوداني سابقا، وبين مساعده نافع علي نافع، حول طريقة إدارة الحزب.

وهما من القيادات التي تم تهميشها في السلطة السنوات الماضية. ويجد هؤلاء في الأزمة التي يعيشها البشير حاليا فرصة لتصفية حسابات معلقة، ومناسبة لاستعادة الهيبة السياسية، وهو ما يفضي إلى تصاعد الخلافات في جميع أروقة حزب المؤتمر الوطني.

جرى تبرير خطوة تأجيل المؤتمر العام بأنها جاءت لإتاحة الفرصة للاتفاق مع القوى السياسية على رؤية لإدارة البلاد. وهي رسالة تُوحي بالرغبة في الانفتاح على تيارات مختلفة، داخل الحزب وخارجه، وأن تغييرا حقيقيا ينتظر البلاد على ضوء النتائج التي قادت إليها التظاهرات، فقيادة الحزب زعمت أنها تريد التجاوب مع الشارع، وعدم الانفصال عن القوى السياسية الساعية إلى الإصلاح، وكأنها كانت بحاجة لانفجار كبير للقيام بالتغيير.

معركة كسر عظم حادّة لضمان البقاء في السلطة

ورأت أنّ الحذر في التعامل مع المنعطفات الكثيرة أفضل وسيلة لتخطي العقبات السياسية المتراكمة، إلى حين تجديد دماء الحزب، وعدم الاعتماد على القيادات التي اختبرت ولم تثبت نجاحا في السلطة، في محاولة لإيجاد واقع يدفع نحو خروج البشير من معادلة الحكم والحزب بأقلّ خسائر ممكنة، وتفويت الفرصة على من يريدون إعادة تدويره عقب هدوء العواصف الراهنة، ولم تتوافر الإشارات الدالة على نية البشير في الاعتزال.

فسّر البعض من المراقبين تخلّي الرئيس السوداني عن رئاسة الحزب، مطلع مارس الماضي، لصالح نائبه أحمد هارون، أنها مرتبطة بانعقاد المؤتمر العام وانتخاب قيادة، ربما يأتي البشير نفسه على رأسها، الأمر الذي حاولت القوى المناوئة له توظيفه للتخلّص منه بنعومة.

وعمل الفريق المناوئ لاستمراره على التفكير في وضع رؤية للمستقبل، بما يتماشى مع تطلعات إعادة تزكية البشير في الظاهر كمرشّح محتمل لرئاسة الجمهورية العام المقبل، وعمل في الباطن على تجهيز قيادة أخرى تكون مؤهلة لرئاسة الحزب، وبالتالي رئاسة الجمهورية.

تضمّ قائمة المرشحين الفريق بكري حسن صالح النائب الأول للرئيس ورئيس الوزراء سابقا، والقيادي إبراهيم غندور وزير الخارجية السابق، ومحمد طاهر إيلا رئيس الحكومة حاليا. وخلت قائمة الترشيحات، حتى الآن، من قيادات تاريخية مثل علي عثمان طه، ونافع علي نافع، وكلّهم جرى اختبارهم وأخفقوا في إحراز تقدم في المهام التي أوكلت لهم.

تؤكد المعطيات السياسية أن تسمية المرشّح لقيادة الحزب قبل تجاوز متطلبات هذه المرحلة أمر صعب، لاعتبارات تتعلق بمستقبل النظام، وقدرته على تخطي المطبّات المرصوصة على جانبي الطريق، وهو ما يقلق بعض القيادات التاريخية التي ترى أن الأزمة مفتوحة على احتمالات غامضة، قد يكون من بينها العصف بكثير من الشخصيات التي كانت تمثّل صمام أمان للنظام السوداني برمّته.

تحمل النقاشات الدائرة في صفوف الحزب الحاكم، مخاوف من شبح انقسام يلوح في الأفق، لأن مطالب المتظاهرين انتقلت من السقف الاقتصادي إلى السياسي، وفي مقدمته عدم قبول أي صيغة للحلّ تحمل إعادة لتكرار المشهد، وفي قلبه حزب المؤتمر الوطني بوجهه الإسلامي، الأمر الذي بدأت تستعد لتحاشي تبعاته السلبية بعض القيادات، لأنه يفرض عليها دخول معركة كسر عظم حادّة لضمان البقاء في السلطة.
محمد ابوالفضل
جريدة العرب اللندنية


بواسطة : admin
 0  0  1048
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:58 صباحًا الجمعة 29 مارس 2024.