• ×

العنصرية .. محل الرهيفة تنقده

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
بقلم : شوقي بدري انا لا اقصد التشهير بالناس . و لكن هنالك مصيبة في السودان اسمها العنصرية و الشوفينية . اذا لم نواجهها بصراحة و بقوة سيتفتت السودان و سيموت الملايين كما يحث الآن . هل انا شوقي بدري خالي من العنصرية و الشوفينية ؟! طبعاً لا . فكما قلت و كتبت قديماً ، ان الشوفينية و العنصرية نكتسبها مع لبن الأم و يفرضها علينا المجتمع الذي نعيش فيه . و لقد لمت نفسي قبل الآخرين . و ما موجود الآن في سودانيز اونلاين المسكوت عنه صفحة شوقي بدري ، فلقد ذكرت أنني في لحظة ضعف ، احتقرت فيه و لا أزال احتقر نفسي ، قولي للدكتور كمال عبد القادر في براغ ( انت الزيك دا في السودان بقطف البلاعات ) . فنحن يمكن ان نتصرف بمعقولية و بأدب . و لكن في لحظات الغضب نخرج ما بدواخلنا . و تظهر الرواسب التي كسبناها من المجتمع . و هذا يعني المحيط ، الحي ، المدرسة ... الخ .

كمال عبد القادر كان مبعوثاً من وزارة المالية . و قام بأستفزازنا في هوتيل انترناشونال في براغ و أفتخر بوظيفته و ماله و انه يستطيع ان يشتري اي انسان . و لكن هذا لا يعفيني انا من جريمة العنصرية و الشوفينية .

أوردت كذلك ، و موجود في موضوع الفلاتة و المصريين ، أو موضوع الهجوم على الهوسا . أنني عندما كنت في الثانية عشر من عمري ، في حي السردارية بامدرمان . قامت طفلة في السابعة من عمرها بضرب اخي بابكر العميد الذي كان في الرابعة من عمره ، ضرباً شديداً . فانتهرتها قائلاً : ( يا فلاتية ) . و قالت لي : ( الفليتة ووجع القـ..... ) . و حسناً فعلت . و هذه الفتاة كانت أحد الأطفال الذين يسكنون في حوش ضخم جداً تعمل فيه النساء من غرب افريقيا في نظافة الصمغ . لقد أوردت هذه الأمثال لكي نراجع انفسنا و نحاسبها و نقهرها . فمن المؤكد انني لم استقى هذه الافكار من والدي ، الذي عاش ثلاثين سنة في الجنوب و كان يعتبر نفسه احد الدينكا ، و يحمل اسم ماريل. و تعلم لغتهم و اجادها لدرجة انه كان يدرسها في كلية غردون . و هو الذي وضع قواعدها و بدأ بكتابتها بالحروف اللاتينية . و والدتي رحمة الله عليها نشأت هي و اخواتها في جبال النوبة . و هم دناقلة . أحبوا النوبة و احترموهم . و لكن التأثير يأتي ممن هم حولك .

الخالات في الحي و الكبار كنّا نسمعهم يقولون لنا او للاخرين . و حتى الباعة في السوق عندما لا يقبل انسان . يقولون له : ( حر ، و ود عرب . على كيفك ) .

الرجل الجنتلمان محمد يس سائق القندران ، قضيت معه اجازة و انا في الثالث عشر من عمري على ظهر القندران في اعالي النيل . عندما يطلب مني الحضور للأكل أو عمل شئ و أرفض كان يقول لي : ( حر و ود عرب ) . ومحمد يس الذي تأثرت به و أحترمه جداً كان دنقلاوياً ، و رطاني و يحمل شلوخ الدناقلة .

شقيقتي الهام بدري المحاضر و زوجها المحاضر في الاحفاد كذلك ، حكت ان صديقهم الطبيب في بريطانيا الذي كانوا في زيارته . طلب بواسطة جهاز البيدجر . و تكرر الأمر عدة مرات . و عندما جلس ليأكل معهم ، رن الجهاز مرة اخرى . فقال مستاءاً : ( و الله شغلة دكتور في بريطانيا دي ، ما شغلة اولاد عرب ) .

في سنة 1984 تعرفت في مكتب الاستاذ غازي سليمان بدلال اسمه ابو شوك . و هو مشلخ . اخذني لأنني كنت ابحث عن مكتب . و عندما كان ميدان المحطة الوسطى ( مركدن ) بالبوليس و الجيش توقفت مثل الاخرين . فناداني ابو شوك قائلاً( يلا ). فقلت ليه ( الكنترول ) . فقال لي ( كنترول لينا نحن ) و اشار الى شلوخة . ( كنترول للعواليق ديل ) . و اشار الى من كان يقف في الصفوف و هم بملامح من ليس من وسط السودان . و بالرغم من أن الجنود كانوا من المناطق المهمشة فلم يعترض اي انسان . و فارقت الدلال في ذلك المكان و لم ارجع له بعدها .

أحد ابناء عمومتنا في تلك الايام ، سأله احد رجال البوليس و يحمل ملامح اهل الجنوب . ( جنسك شنو ؟ ) . قال ابن عمومتنا باستخفاف ( جنسي ... ود عرب ) . هذه المشاكل لم تنتهي الى الآن . لا تزال متواجدة اليوم و غداً . سيدتان في الخرطوم . تربطهما الجيرة و عقود من الصداقة . حتى صرن كالشقيقات . كبر الأطفال و ذهب ابن احداهن الى الاراضي الجديدة كما درسونا قديماً . و هو مهذب و بار بأهله و منتج و نشط . و كان هنالك مشروع زواج الشاب من بنت جيرانه التي تعلقت به . و هو يكبرها قليلاً و قد تربى على يد امها . و لكن الأم راسها و لا ألف سيف . رفضت حتى فكرة مناقشة الزواج . و السبب أن الشاب الجعلي يحمل دماء اهل جنوب السودان من جهة جدته . هذا الشاب ابن خالة ابنائي . يشار اليه دائماً بود الرضى . في السنة الماضية ارسل تذكرة لأحد ابنائي عندما اكمل الثامن عشر و بره بأجازة جيدة و حضر محملاً بالهدايا .

نعم لقد كانت تحصل اشياء بشعة في الماضي . عمي موسى بدري الطيار ، و الذي هو أول طيار سوداني اشهر مسدسه في حفل عرس في امدرمان و قام بأختيار بعض الشباب و طردهم من الحفل . ( انت ... و انت و انت ... و انت ... ) . و لم يختار الذين حالقين صلعة أو لابسين قمصان ملونة . بل أولاد الزرقاء . و كما كتبت من قبل فعندما اشادت ابنته الدكتورة عزيزة بدري بأبيها في براغ ، ذكرتها بأن والدها قد اخرج اولاد الناس بالمسدس . و هذا شئ لا يمكن ان يغتفر .

الاخ حسين خضر رحمة الله ( ود الحاوي ) ، لازمني لأطول مدة في حياتي . لدرجة أنني كنت افهمه و يفهمني بدون ان نتحدث . قبل بضع سنوات اتى بفيديو رائع لزواج ابنة اخته . كان شقيقه الموسيقار عبد اللطيف خضر حاضراً . و أمتلأ الحفل بالفنانين . و بعد مطالعة الفيديو خطرت ببالي خاطرة ، فقلت له : ( ياخي الفلم دا في امدرمان . في ألف و لا الفين زول في الحفلة دي .. مافي زول ازرق في الحفلة دي ؟؟ ) . فلم يرد . و عندما رددت كلامي قال لي غاضباً : ( ياخي العبيد ديل نحن ما بنعرفهم و مافي حاجة بلمنا معاهم ). فقلت له ياخي البين فريق الرباطاب و العباسية شارع العرضة . معقول مافي زول فيكم صاحب ليه واحد من ناس العباسية ديل . فردد كلامه غاضباً . و بما أنني كنت قد سمعت من الآخرين بأن لصديقي حسين آراء غير جميلة عن الجنوب و الجنوبيين إلّا انه لا يذكرها امامي . فلقت تأكد لي ما كنت اسمع . و انتهت علاقتنا . و له الشكر على كل السنين الماضية . هذه اشياء ليست فيها مساومة .

عشرات السنين التي قضيناها في اوربا ، تعرضنا فيها بأشياء غير مصدقة . من تفرقة و عنصرية و معارك . و ليس في جسمي موضع إلّا فيه طعنة أو قطعة أو ضربة . أبنتي الكبيرة سابينا عندما كانت طفلة أتت تبكي لأن اطفال الجيران قد طلب منهم أهلهم ان لا يلعبوا مع البنت الزنجية بالرغم من ان والدتها سويدية . فكنت في حالة اقرب الى البكاء . فأنتقلنا من المنطقة . و عندما كانت في التاسعة من عمرها كانت تتدرب على الغناء مع فصلها في المدرسة . و في احد الايام كان المفروض ان يقدموا اغنية لمبنى تابع للكنيسة . فقام القسيس بأخراجها خارج المبنى و قفل الباب . و كان هذا في الشتاء . صارت تبكي و تمشي إلى ان وصلت منزلها الذي لم تكن متأكدة منه .

فأنا اعرف العنصرية و اعيشها كل يوم . ابني هيرمان و هو في السابعة عشر من عمره ، ذهب لزيارة جدته السويدية . في مدينة في الشاطئ الشرقي . و بدون مناسبة هجم عليه بعض الشباب و اوسعوه ضربا و ركلوه و حطموا اسنانه . هل نحن في السودان نعامل المرأة بدون شوفينية و بدون تفرقة ؟. طبعاً لأ . هل انا شوقي بدري اعامل المرأة بطريقة مساوية للرجل ؟ و الجواب لأ . فلقد اتينا لأوربا و نحن مشحونين بأن المرأة هي جائزة يفوز بها الرجل . و عشنا هذه الفكرة بعمق و بقوة . و أخطأنا في حق نساء ارتبطن بنا . و اعطيننا قلوبهن و عاملننا معاملة جميلة . و لم نكرمهن ، لأن تربيتنا لا تسمح لنا حتى بأن نبوح لهم بمشاعرنا . إنها التربية .

نحن السودانيون لا نعطى شقيقاتنا نفس الحقوق التي نبيحها لنفسنا . أذكر أننا في الصيف في مقابلة وزيرة الخارجية السويدية في استوكهولم ، قدمنا برنامج الجبهة السودانية للتغير . قلنا اننا نريد ان نعطي فرصة للشباب و المرأة في الجبهة . فأشادت الوزيرة بهذا الجهد خاصة بموضوع المرأة و تحدثت عن اضطهاد المرأة في بعض الدول . و بالغت في وصف الحالة المذرية للنساء في العالم الثالث . الى ان استوقفتها الاستاذة فريده شورى قائلة ( هذا حقيقى . و لكن نحن النساء النوبيات لنا وضع مميز في مجتمعاتنا ) .

المجتمع النوبي يعطي المرأة حقوق كبيرة جداً . و لكن لسوء الحظ ان العرب و ليس الاسلام و خاصة الاتراك و العرب يعاملون المرأة كشئ متدنئ و لا قيمة له في بعض الاحيان . قبل اربعة ايام قام احدهم بقتل طليقتة في الطريق العام وسط المدنية امام ابنتيهما . و هذه الجرائم تحدث كثيراً في مجتمعاتنا .

انا احمل الكثير من هذه الرواسب ، و ككل السودانيين احب ان اساعد في تحرير المرأة . و أن اعطيها نفس الحقوق التي لي . و لكني أفشل في بعض الاحيان لأنها التربية .

أبني الطيب الذي يقارب طوله المترين و هو في التاسعة عشر و وسيم يعمل مع زوج خالته في مطعم . في ايام نهاية الاسبوع . و عندما سألته اذا كان هنالك اي مشاكل في العمل كان يقول بأن الجميع لطفاء معه . و لكن بعض السويديات لا يكتفين بالكلام و التعليق بل يطالونه بيدهم . و انه يبعد يدهن و يقول لهم بكل ادب و تهذيب (ان بأمكانكن ان تتكلمن و ان تعلقن و لكن لا يحق لكن ان تمدن يدكن فهذه اساءة) . و له الحق . و لكن انا الذي اتيت من العباسية امدرمان لن اعطي اي بنت فرصة لكي تمد يدها . فنحن قد اتينا لكي نفوز بهذه الجوائز . و نحسب هذا حق طبيعي ، فنحن نتاج المجتمع الذكوري الذي اتينا منه . و لهذا لا نعامل المرأة بدون شوفينية . ولكن مع التعليم ستتغير الأمور . فتربيتنا لا تحترف بالصداقة البريئة بين الرجل و المرأة . و الآن في السويد في كل عربة شرطة تجد اثنان احدهما امرأة و قد تكون هي الرئيسة .


بواسطة : admin
 0  0  1729
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:18 مساءً الثلاثاء 23 أبريل 2024.