السودانية بهاء الدين عيسى
على نحوٍ مُفاجئٍ، بَرَزَ كُل من النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه ومساعد رئيس الجمهورية الأسبق نافع علي نافع إلى واجهة الأحداث مرةً أخرى بعد اختفاء عن الساحة السياسية أثار أكثر من سؤال، حتى إن البعض وصف اختفاءهما أو بالأحرى انزواءهما بالمريب، باعتبار أنّ الرجلين من الشخصيات القوية وذات الصيت العالي في منظومة الإنقاذ على امتداد نحو ثلاثين عاماً.
وكما أسلفنا أثار اختفاؤهما استفهامات لدى الرأي العام وحالة الانزواء المُفاجئ لهما، كيف لا وهما من العقول المُدبِّرة التي خَطّطت لانقلاب 1989 بل وضعت سيناريوهات التحولات، ونجد أن آخر نشاط رسمي في الدولة قام به علي عثمان مسودة التعديلات الدستورية في العام 2015 والتي سبقت الانتخابات، وكان الرجل الذي يتمتّع بكاريزما قد سطع نجمه خلال مفاوضات السلام في العام 2005، والتي عَلى إثرها أنهيت أطول حرب أهلية في القَارة الأفريقية ورغم الهَالَة الإعلامية التي صاحبت ذلك، تعرُّض طه لهجمة انتقادات واسعة نتيجة لضعف الاتفاق الذي أدى لانفصال جنوب السودان وتفرّغ من بعد إبعاده من السلطة للعمل الطوعي من خلال الاهتمام بذوي الإعاقة ومؤسسة بنك الطعام.
في المقابل، تفرغ د. نافع لمجلس الأحزاب الأفريقية وابتعد عن الواجهة، وظهر في اجتماعات المكتب القيادي للحزب الحاكم بجانب طه أيضاً كما كان حاضراً في المؤتمر العام الأخير للحركة الإسلامية. لكن أمس الأول ظهر طه ونافع خلال اجتماعات حزب المؤتمر الوطني القاعدية بالخرطوم وأطلقا تصريحات نارية ذكّرت المراقبين بأيامٍ مَضَت.
الكاروري: ظُهُور مُؤشِّر مُهم
القيادي الإسلامي ذائع الصيت د. عبد الجليل النذير الكاروري يقول في حديثه لـ(التيار) إنّ ظهور قيادات الصف الأول في الواجهة مُؤشِّر مُهمٌ لا يُمكن تجاوزه، بيد أنه يعتقد أنّ النقطة المُهمّة التي لا يجب تجاهلها بأنّ هناك أزمة يجب مُواجهتها بشجاعة بعيداً عن أيِّ استفزازات للمُواطنين، ومن واجب حكومة الإنقاذ بعد نحو قرابة الثلاثين عاماً مُعالجتها، وتناول الكاروري عدداً من الحُلُول التي من شأنها إحداث توازن لسعر صرف الجنيه السوداني مُقابل الدولار في مُقدِّمتها استغلال صادرات الذهب التي تُقدّر سنوياً بنحو (150) طناً وفقاً لما ذكر.
ويعتقد الكاروري أنّ من شأن تلك الخطوة إحداث نقلة في الكتلة النقدية، ونَبّه إلى ضرورة إنشاء بورصة للذهب وتحريك نشاط مصفاة خاصة بالذهب، ويضيف الكاروري: "دعوت الجهات الاقتصادية اكثر من مرة لصك عملة ذهبية".
أما النقطة الثانية – الحديث لا يزال للكاروري - لمعافاة الاقتصاد القومي، الاستفادة من عائدات المُغتربين التي قدّرها بمليارات الدولارت، ودَلّلَ بذلك للاقتصاد المصري الذي يستفيد بصُورةٍ مُباشرةٍ على السيولة الضخمة التي يضخها المُغتربون.
أما الجانب الثالث الذي ركّز عليه الكاروري تطوير القطاع الزراعي والاستفادة من المشروعات التي نَفّذَتها الحكومة من تعلية أعالي عطبرة وسيتيت وغيرها وشق الترع والقنوات وزيادة الرقعة الزراعية.
رسالة لرجال الصف الأول
وحَثّ الكاروري من سماهم برجال أو قيادات الصف الأول في الحزب الحاكم لمراجعة ما قبل الإنقاذ وبعدها، والوضع الاقتصادي الرهن، كما دعا لقيام مؤتمرٍ خاصٍ بالتنمية بمشاركة مُختصين لتحديد الداء بصورة علمية والاستفاذة في جانب من المشروعات الحالية والثروات الكامنة في بواطن الأرض.
علي عثمان: الشجرة لن تركع وستظل قويةً ثابتةً
وكان القيادي بالمؤتمر الوطني علي عثمان محمد طه قد أكد أنّ هنالك من حاول هَزّ الوطني، وقطع (أنّ شجرة الوطني لن تركع وستظل قويةً وثابتةً ودماء الشهداء في أعناقنا ونحن في طريقهم سائرون، وأضاف: الذين يُريدون قلع الشجرة لا يعرفون حجمها، مُؤكِّداً قُدرتهم على جعلها الدوحة التي يأوي إليها الناس جميعاً.
وقال طه لدى مُخاطبته مؤتمر بناء الحزب بالجريف أمس الأول، إنّ الشِّدّة لا تزيد حزبه إلا قُوةً، ودعا أعضاء حزبه باقتحام المخاطر، وأقرّ طه بالخطأ والتقصير في الأزمة الراهنة لأنّها بفعل أيدينا، مُطالباً بعدم القلق والتخوف من السياسات التي اتُخذت.
نافع وقاموس المفردات الخشنة
القيادي بالمؤتمر الوطني نافع علي نافع، أقرّ بإصابة كثير من منسوبي حزبه بالإحباط جراء الضائقة المعيشية، ودعا نافع عضوية الحزب لترك الإحباط جانبًا، وقال: "في سبيل الله قمنا وليس في سبيل الخُبز والبنزين والعربات الفارهة"، وقطع نافع خلال مخاطبته مؤتمرات البناء بالخرطوم بأنّ المؤتمر الوطني أكثر حزبٍ مُؤسّسٍ في العالم.
ومضى نافع ليقول مُستخدماً مُفردات قاموسه ذي العبارات الخشنة التي اشتهر بها: "يئس الذين يودون تَغيير النظام لأنهم غير قادرين على ذلك، بيد أنهم يعتقدون أنّ الضائقة المعيشية هي الوسيلة الوحيدة لفض الشعب من الإنقاذ"، وأضاف: "المظاهرات لن تطلع ولن تنجح"، وتابع: "قالوا جمعة المظاهرات وأنا ما سمعت غير ثلاثة شُفّع حرقوا ثلاثة لساتك".
وأعلن نافع عن بدء معركة مُواجهات مع الذين يودون أن يقفوا سدّاً في وجه مسيرة الإنقاذ، وأردف "أعداؤنا شغالين ليل نهار بالداخل، ودعا أعضاء حزبه بالتبختر لإرهاب الأعادي، مُؤكِّدَاً أنّ الغرب اقتنع بأنّ النظام لن يتغيّر".
استبعاد مُفاجئ وعودة سريعة
وشكّل البرلمان، لجنة طارئة لدراسة التعديلات الدستورية مُؤخّراً المتعلقة حول المادتين (57) و(178)، الأولى بشأن مدة دورات منصب رئيس الجمهورية على أن تكون مَفتوحة دُون تَحديد أكثر من دورة، والتي كانت حسب الدستور الحالي دورتين فقط، أمّا المادة الثّانية تتحدّث عن منح رئيس الدولة سلطات إضافية من خلالها يَحق له عَزل الوالي المُنتخب مُباشرةً حال عدم الإيفاء بقسم الولاء أو حُدُوث خلافات أو فَوضى بالولاية، إلا أن اللجنة التي شُكِّلَت برئاسة د. بدرية سليمان، استبعدت القياديين البارزين بالمؤتمر الوطني علي عثمان ونافع علي نافع، اللذين دائماً ما يكونا جزءاً من تشكيل اللجان الطارئة في القُبّة، ومن المُتوقّع أن تتم دراسة التعديلات بعد شهرين من إيداعها حسب الدستور، ومن ثم تُجاز بثلثي أعضاء الهيئة التشريعية.
دلائل وقرائن حول ما وراء ظهور الرجلين الى الواجهة مجدداً في أوقات عصيبة تشهد توتراً تحول الى احتجاجات محدودة، خَاصّةً وأنهما يعتبران من صقور نظام الإنقاذ، البعض فَسّرَها بأن طه ونافع يعيان تماماً بأن الوضع يتطلب التصدي لأيّة مواجهات قد تطيح بحزب المؤتمر الوطني، أما آخرون يرون أنّ لديهما بعض الملاحيظ على الوضع الراهن لكنهما فَضّلاً دخول المعركة.
التيار