• ×

أسباب وأسرار إقالة مساعدي محافظ بنك السودان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية جمعة عبد الله

لم تمر سوى أيام معدودات على إعفاء النائب الأول لمحافظ بنك السودان المركزي، بدر الدين قرشي، وتعيين رئيس اتحاد المصارف السابق مساعد محمد أحمد خلفاً له، حتى أعفى محافظ بنك السودان المركزي حازم عبد القادر أمس الأول "الأحد" أربعة مسؤولين كبار بالبنك من مناصبهم وألغى وظائف مساعدي المحافظ التي كانوا يشغلونها.

وشمل القرار إعفاء كل من مساعد المحافظ لقطاع المؤسسات المالية والنظم، عوض عبد الله أبو شوك، ومساعد المحافظ لقطاع الاقتصاد والسياسات، عبد الله الحسن محمد، ومساعد المحافظ لقطاع الإدارة والخدمات، محمد أحمد البشرى، فيما كانت رابعة الأربعة المعفيين هي رابعة أحمد الخليفة، مساعد المحافظ لقطاع الصيرفة والعملة، مما فتح الباب واسعاً للتأويلات حول تغييرات هيكلية تطال مؤسسة النقد الأولى بالبلاد.

ثمة حديث قال به رئيس الجمهورية، المشير عمر البشير لدى مخاطبته البرلمان الأسبوع الماضي، عن إجراءات خاصة بالبنك المركزي بعضها هيكلي وتنظيمي وبعضها قال إنه سيتم عبر ما أسماه "البتر"، وتوعد البشير في خطابه بشن "حرب" ضد الفساد في كل مكامنه وبتر مضاربين ومتلاعبين بالاقتصاد لديهم امتدادات داخل البنوك، وكشف عن حملات تفتيش ومراجعة للبنوك الخاصة والعامة.

منطقياً، لا يبدو الإعفاء الأخير لطاقم المساعدين الأربعة مُفاجِئاً، دون إنكار أن إعفاءهم أن لم يكن متوقعاً ومرجحاً فهو مطلوب، ليس فقط كما يقول مراقبون إعفاؤهم في شخصوهم ذاتها، فالأنظار كانت شاخصة لتغييرٍ ما في البنك المركزي، وجاء إعفاء المساعدين الأربعة وإلغاء مسمى الوظيفة كلياً كقرينة على وجود تغيير هيكلي طالما كان مطلوباً، ذلك أن أداء البنك المركزي بعامة لم يكُ يسير في الاتجاه الصحيح، أو هكذا تقول قرائن الأحوال، وإلا ما تراجعت قيمة العملة المحلية للدرك الحضيض التي هي عليه الآن، فقبل عام وبضعة أشهر وبالتحديد حينما تولى إدارته المحافظ حازم عبد القادر في ديسمبر 2017 كان الدولار يساوي "19" جنيهاً، لكنه الآن ضعف ذلك الرقم، وهو ما يمكن أخذه كدليل على خلل ما في سياسات البنك أو هيكله أو أدائه، "سمه ما شئت"، فالمحصلة النهائية لا تختلف في سوئها.

خلال السنوات القليلة المنصرمة، لم يك الود عامراً بين البنك المركزي وكثير من الجهات المرتبطة بالاقتصاد، وما يزال الحنق على سياساته ماثلاً من شرائح متعددة، لا سيما المغتربين، ولم تخف الانتقادات المصوبة نحوه من الصاغة وتجار الذهب، ذلك أن سياساته المتعلقة بالذهب سببت كثير ضرر للمشتغلين في التنقيب من المعدنين، والتجارة من قبل الصاغة.

في تعليقه على الإعفاء، يصف المحلل الاقتصادي د. هيثم فتحي الإجراء بأنه رغبة من الحكومة في تحقيق الاستقرار المالي والنقدي لتتمكن من تنفيذ الخطة ‏المعدة لوقف تدهور العملة المحلية ومراجعة ‏السياسات النقدية وإعادة الدورة النقدية ‏للبنوك.

لكن فتحي يدفع بتساؤل حول سبب استمرار المحافظ نفسه حتى الآن، وقد تم إعفاء نائبه من قبل والآن مساعديه الأربعة خاصة وأنه في عهد المحافظ الحالي تدهورت العملة الوطنية بشكل ملفت للنظر، وتعددت القرارات المرتبطة بالسياسة النقدية والمالية، ‏وحدث تلاعب في كثير من المصارف العاملة بالبلاد خاصة وأن البنك المركزي هو الرقيب على تلك المصارف.

‏ورهن إعادة هيكلة وتطوير البنك المركزى بتطوير البنية التحتية والتشريعية للنظام المالي وتعزيز الشمول المالي، وفرص الحصول على التمويل للوحدات الإنتاجية ونشر الثقافة المالية المصرفية، وتعزيز حماية المستهلك المالي وسلامة أداء المؤسسات المالية لتعزيز السيولة والربحية مع توظيف المدخرات المحلية وتعزيز سعر الصرف ورفع احتياطى البنك المركزي، لابد أن تعمل على متانة الأوضاع المالية بمواكبة التجارب العالمية فيما يخص دور البنوك المركزية بتحقيق الاستقرار النقدي والمالي وتطوير أنظمة الدفع والتقاص الإلكتروني.

ولم تجدِ سياسات البنك المركزي فتيلاً لمعالجة انخفاض قيمة العملة المحلية وكبح جماح الدولار المتصاعد منذ العام 2011م.

ويقول خبراء اقتصاديون إن الأزمة المعيشية مركبة وذات أبعاد متعددة، منها انخفاض الإنتاج وغياب المشروعات العملاقة التي توظف العمالة بأعداد كبيرة.

فيما يرى البعض أن البلاد لم تنجح بعد في معالجة الآثار المترتبة على انفصال جنوب السودان أهم الأسباب التي عمّقت مشكلة ندرة موارد النقد الأجنبي، حيث فقدت البلاد (76%) من موارد النقد الأجنبي وحوالي (56%) من الإيرادات العامة للدولة، وسرعان ما انتقلت الصدمة للقطاعات الاقتصادية المختلفة وشهدت البلاد ارتفاع الضغوط التضخمية، وانخفض الإنتاج الحقيقي في القطاعات الإنتاجية وارتفع عجز الموازنة العامة وترتب على ذلك تنامي الكتلة النقدية وارتفاع تكلفة المعيشة تباعاً.

وعقب قرار رفع الحظر عن البلاد قام بنك السودان المركزي بتكوين لجنة برئاسة نائب المحافظ بغرض إعادة النظر في السياسات التي تبناها البنك في ظل العقوبات الأمريكية، سيما أن مباحاثات واتصالات مع بنوك أجنبية كانت تجري حينها أملت في أن تثمر بعودة علاقات المركزي مع نظائره في الدول الأخرى لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

ومهما يكن من تغير، فما تزال الفرصة متاحة على مصراعيها أمام بنك السودان للتعامل مع العالم الخارجي، وما يتبع ذلك من تحرك تجاري انفتاحي من وإلى البلاد، وهو الأمر الذي سيؤدي لاتفاقات نقدية من الجانبين، ويقطع مختصون أن حدوث ذلك سيعمل تلقائياً على إحداث تغيرات إيجابية في أسعار الصرف.
الصيحة


بواسطة : admin
 0  0  1095
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:26 مساءً الخميس 28 مارس 2024.