السودانية / الخرطوم/ حسمت الحكومة السودانية أمرها، وقررت ابتداءً من يوم (السبت) الفائت، طلب مهربي الذهب والعملات الأجنبية، ولو كانوا في الخليج. وأعلنت سلطات النائب العام للجمهورية، عمر محمد أحمد، عن تفاهمات بين الخرطوم وعواصم خليجية، لاسترداد رعايا سودانيين، ثبت ولوغهم في عمليات تهريب للذهب والعملات الأجنبية خارج البلاد. كما يشمل ذات القرار تجار العملة في الخارج ممن حلوا محل البنوك السودانية في الخارج، وباتوا وحالوا دون دخول مدخرات المغتربين بالعملات الأجنبية إلى داخل البلاد. وتلاحق الشرطة (37) من تجار العملة السودانيين ينشطون في الخارج، بتهم لدى نيابة أمن الدولة، تتعلق بالإضرار بالاقتصاد الوطني وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
مع خط الرئاسة
تأتي خطوات النائب العام متسقة تماماً مع الخط الذي تقوده رئاسة الجمهورية لاستقرار سعر الصرف. حيث درج الرئيس البشير على الالتقاء أسبوعياً بوزراء القطاع الاقتصادي، بجانب المسؤولين الأمنيين، لمعرفة الخطى المتبعة في سبيل كبح جماح الدولار. ووصل سعر الدولار في السوق الموازية إلى أرقام غير مسبوقة، رغم الحملات التي تشنها الدولة على الوسطاء والتجار على حدٍ سواء. وسبق أن كشف الأمين العام لجهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج، د. كرار التهامي، عن استفادة دولة جارة من (4) مليارات دولار وصلتها من سودانيين في الخارج. كما نشطت السلطات مؤخراً في الكشف عن الشبكات المتورطة في عمليات تهريب الذهب خارج البلاد عبر مطار الخرطوم وبقية المنافذ الحدودية. وشكت وزارة المعادن من تهريب ما يقارب (90) طناً من الذهب سنوياً، في حين أن الواصل إلى خزينة الدولة خاص بعوائد (33) طناً تقريباً.
مع الخليج
تبدو قرارات النائب العام بشأن ملاحقة مهربي الذهب والعملة في دول الخليج، معززة للمساق القانوني الذي تتخذه الدولة ضمن مسارات أخرى، للسيطرة على أسواق الداخل، ولو عبر منافذ الخارج. وتملك الخرطوم منذ عدة سنوات علاقات جيدة بالعواصم الخليجية، لا سيما بعد انخراطها بقوة في الحلف العربي الذي تقوده السعودية لاستعادة الشرعية في اليمن. وتعيش في دول الخليج أكبر جالية سودانية مهاجرة، ولكن نتيجة لوجود فروقات بائنة في أسعار العملات بين السوقين الرسمي والموازية، فإن المغتربين عادة ما يلجأون إلى تحويل مدخراتهم عبر وسطاء موزعين بين الخليج ومدن السودان، بل وعبر الخليج ودول مجاورة للسودان.
وبموجب تفاهمات (سوداخليجية) سبق وأن تم تحويل عدد من النشطاء الذين تتهمهم الخرطوم بالتحريض على الحكومة، وبثّ الشائعات الضارة، والمشاركة في أنشطة تقدم صورة سالبة عن السودان في المخيلة العربية والغربية.
مساقات متوازية
يقول الباحث الاقتصادي من جامعة النيلين، أحمد خيري، إن المسار القانوني هو أحد أوجه ضبط سوق العملات الأجنبية، ومهم جداً في وقف عمليات تهريب الذهب خارج الحدود. لكنه ينبه إلى حقيقة تتعلق بأن المعالجات الاقتصادية تتطلب السير في عدة مساقات بالتوازي وفي ذات المواقيت، بحسبان أن التركيز على أحد المساقات وإهمال الأخريات، يؤدي إلى تحولات كاملة ناحية الثغرات التي تظهر. ويشير خيري في حديثه مع (الصيحة) إلى تطورات كبيرة في مجال الجريمة، وعمليات التهريب على وجه الخصوص. ونادى بضرب المهربين والمضاربين في السوق السودانية بواسطة سن قوانين رادعة، وإلى اتباع سياسات تهدف إلى جذب مدخرات المغتربين. مؤكداً أن زيادة الإنتاجية، وتحويل الدعم المقدم سابقاً لكثير من السلع نواحي مجالات الزراعة والصناعة، كفيل بتعظيم مدخرات بنك السودان المركزي، الأمر القادر على إنهاء السوق السوداء دون أية تدخلات من الدولة.
وختم بالمناداة بتعزيز سياسة بنك السودان في شراء الذهب من المعدنين بصيغ تفضيلية تدفع إلى إبقائه داخل الحدود، ذلك مع الإبقاء على الطوق الأمني القوي على طول الحدود مع دول الجوار.
الاقتصاد أولاً
مسألة اللجوء إلى القانون والملاحقات في الخارج عبر مذكرات التوقيف الحمراء الصادرة من (الانتربول) أو عبر مذكرات التفاهم العدلية المشتركة مع الدول التي تشهد وجود مخالفين للقوانين السودانية، أحلناها إلى طاولة المحلل السياسي، محمد نورين، فقال لـ (الصيحة) إنه سيظل مع معالجة مشكلات الاقتصاد في مجالها بمنأى عن المعالجات ذات الطابع الأمني، مصداقاً لأحاديث النائب الأول، رئيس الوزراء القومي، الفريق أول ركن، بكري حسن صالح. وأمّن نورين على ضرورة وجود قوانين تحمي الاقتصاد الوطني، وتحول دون عمليات تهريب العملة والذهب. مشيراً إلى نقطة هامة تتعلق بصياغة التفاهمات مع الدول التي تشهد وجوداً كبيراً للسودانيين، لمعرفة مسارات رأس المال السوداني، لكنه دعا إلى أن تكون هذه المعالجات منصفة للمغترب، ولا تحمل إرغاماً له لتحويل مدخراته بصورة لا تتماشى مع الأوضاع في البلاد.
نظرة للمستقبل
حين يجتمع الرئيس البشير في المرة المقبلة بطاقم الاقتصاد، سيكون لهم عوناً كل من النائب العام بقراراته، والخارج بتفاهماته، والأمن بقواته، فهل يكتفي الاقتصاديون بهذه المعالجات الضامنة لتحقيق موازنتهم أم تراهم يقولون هل من مزيد؟.