• ×

غرورالدولار ..وجنون أسعار السلع ..ووساوس الجهلاء

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية أحمد يوسف حمد النيل

ظاهرة جنون الدولار مجرد ظنون، ولكن جنون أسعار الخضر والفاكهة واقع في قمة الغباء والاستهتار.
تعطلت القيم الإنسانية، وتناسلت وساوس الجهلاء، وقامت قواعد العلم والاقتصاد على الظنون.
وهل يكون الظن مقياس الحضارة والتطور؟ في ظل عصر اندرست فيه أخلاقيات المهنة، وكاد العلم والدور التي تعج به أن يكونا هامش في أطراف الحياة الساذجة. كانت أماني الفقير أن يتدبر مستقبل أبنائه وهو يراهم مستقبلا أغنياء بالقيم ومن ثم يأتي المال. تمايلت وترنحت كل نظريات واحتمالات العلوم الفرضية والثوابت منها، فخار عزم الاقتصاد فاستحال الى أشلاء وجثث حية ميتة.
وفي كل صباح تتعالى أصوات الباعة المتجولين منهم وأصحاب البقالات والأسواق الضخمة بأن قيمة الدولار قد ارتفعت مقابل الجنيه السوداني. يا له من اقتصاد يؤمن بالخزعبلات ويكون النتاج الطبيعي له الفاقة والفقر المريع! ومن سخرية الزمن أن بائع الروب والتبش والعجور والطماطم والجرجير يربطون إرتفاع الأسعار لهذه السلع بارتفاع الدولار الغير مبرر أو غير منطقي. ففي ظل رفع الحصار الاقتصادي من المتوقع ان تتدفق رؤوس الأموال بالعملات الأجنبية وخاصة الدولار، ولكن حدث العكس هلع وتخوف قد قاد دفة الاقتصاد الأكثر تعمية للغوامض والأكثر ضعفا بسبب الفساد، وأصبحت الشائعات هي المحرك الرئيسي لتحديد سعر الصرف، وكأنما أصبح الدولار ذات نفسه سلعة يتم التضارب بها لا صلة لها بالاقتصاد.
قد ذهبت كل النظريات الاقتصادية والتجارية أدراج الرياح، وأصبحت المعاهد والكليات التي تدرس الاقتصاد سخافات كبيرة بيد الاقتصاديين صانعو القرار، في حين أن صانعي القرار لا يسترشدون بتلك النظريات ولا يسترشدون بضمائرهم, قد تنهار الدولة وتذهب أرواح الضعفاء بسبب الاهمال والاستهتار والاستخفاف المتعمد. وقد تضيع معالم التخطيط والدراسات الاقتصادية بتدبير المؤامرات بجهالة أو قصد. ولكن يبقى الخاسر الأكبر هو المواطن البري عندما يطحنه الغلاء والاستهتار، بينما ينعم الاستغلاليون براحة بطعم دم هؤلاء الأبرياء الضعفاء. غابت الرقابة وهلل لذلك الانتهازيون عديمي الضمائر.
لم يحرك فك الحصار الاقتصادي عن السودان ساكنا، ولكن جلب فوضى الأسعار وصناع القرار يتفرجون ويتابعون أسعار البورصة المصطنعة والمفتعلة الفالتة في مسرح اللامعقول الاقتصادي، وبينما هم يضحكون يستشري الفساد، وما زال الانتهازيون يسرحون ويمرحون في مأمن من العقاب حتى أساءوا الأدب على المواطن المغلوب على أمره. لقد انسدت كل الطرقات المؤدية الى انفراجة قريبة، وليس هنالك أي خطط اقتصادية مأمولة لتزيل هذا الكابوس المريع، وكأنما زهل الإقتصاديون وهرعوا الى افراحهم الخاصة. تلك هي أمانيهم، الوضع غير مبشر، والصمت المطبق أرهاص لحقبة مليئة بالتكهنات السياسية المشروطة، ولكن يبقى التحليل المنطقي أن الحصار انفك عن رقابهم ودفعوا مهر حريتهم، لإحياء أشلاء دولة تعتصر الوطن خمرا يستلذون بشرابه، وطائر الشؤم ينذر بكارثة مجلجلة، ومخيلة صناع القرار تصحح أوضاع الحكام، وتبحث لهم عن خلاص، هي ليس إلا صورة لأفعى مجلجلة تتخلى عن جلدها وتنكر أن تتحول الى مخلوق آخر، فتعود عجلة الاستبداد والجباية لتدور بفكر مستورد، في ثنائية أو شراكات استعمارية، تكشف عن هذا الصمت المريب، وكأن هذا الكيان المتهالك بعد 27 عاما ما زالت لدية الرغبة في الحبو من جديد ولو على أشلاء الوطن والمواطن. قد تكون نزعة الاستغلال هي نفسها نزعة الاستعمار، وان النصر الذي يحسون بها ليس إلا صك حرية مقيد ومشروط لنفوس زاد مرضها ووبالها على الوطن. فهل تستقيم بعد ذلك كله عجلة الاقتصاد؟
إذا كانت النفوس مريضة فحتما سيمرض الاقتصاد، لأن قيمة الضمير وفلسفة العلم هما المحرك الأكبر إذا اتسقا، دون نفس مستقيمة حتما ستفشل كل محاولات الخير، ففلسفة النمو والرغبة في الازدهار غائبة عن مخيلاتهم، وانتزاع شامة حب الوطن قد خلفت ندبات مشينة لوجة الاقتصاد وزادت علل النفس في استشرائها.
فالمحرك الاساسي هو فلسفات وأخلاقيات الثورات، فعدنما تعود النفس من غيها وتقر بالأخطاء تكون الحلول جلية كالشمس، وساعتها يرى صناع القرار كل نظريات سهلة الفهم والتطبيق، وعندما تطبق النفس على صمت مقيت يكون تشويه الأخلاق هو السمة السائدة. ليس هنالك مدنيات بلا أخلاق، ولا حواضر بلا اقتصاد وتدبير وإبداع، والذي أثقل كاهل المواطن سوء النوايا والاستغلال والخيانة، ازدهار الاقتصاد ينمو في تحين الفرص النادرة لمصلة عليا، والنكسات إنما تجلبها النظرات الضيقة الانانية التي تتغطي بسرابيل الجهل والتعمد.
وقد ظهر جليا ان العلاقة الإعتباطية بين التطور الاقتصادي وسوءه هي التي تميز طرق دوران تلك العجلة الدافعة للنمو والتي تقودها القيم الأخلاقية العليا، فالنزوع الى الفشل حتما لم يولد إلا تحت طائلة الظلام وطاولة الظلم، وإذا انقاد الحكام للنوايا الطيبة السليمة ظهر الخير وبدت السعادة. كل معاول الهدم عربة تجرها أحصنة الإستغلال، وكل وقوف في نقطة صامتة مبهمة تنم عن وابل من الاستخفاف والنظرات الضيقة. لن تعود عجلة الاقتصاد بلا تضحيات ناصعة، ولن تعود الرفاهية للمواطن ما لم يرفع الحكام أياديهم عن كاهل المواطن المظلوم. وإطلاق العنان للسوق الحر بسبب التغافل ضرب من الإستغلال، والتنصل عن الالتزام بنظريات الإقتصاد أو بقصد اختلاق الفوضى وصيرورة الاقتصاد بصورته المتهالكة نوع من الانتهازية، فسذاجة حركة السوق ليس إلا تغافل أكبر لنوايا ظاهرة أحيانا في مجملها وخفية مرات أخرى في تفاصيلها.
إذا كان مؤشر سعر صرف الدولار هو تلك المنتجات المحلية الزهيدة، إذا كيف تدار دفة الحكم المرسلة الغامضة؟ وهل هنالك من تبريرات منطقية وحسابية لتدهور سعر صرف العملة المحلية؟ إذا كان الجواب نعم، إذا أين الحل؟ ولكن يبدو التبرير الاقتصادي هو زيادة الانتاج وتصدير المنتجات المحلية والتي نفسها عندما تباع محليا تتعرض للزيادة الفاحشة في أسعارها، وحين تصديرها تقل أسعارها ويتحسن سعر الصرف وتتدفق العملة الأجنبية. قد تبدو حسابيا عملية الاقتصاد جلية ولكن حين تمتزج بالاستغلال ورغبة الانتهازيين تذهب كل الدراسات والتدابير أدراج الرياح.


بواسطة : admin
 0  0  898
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 10:49 مساءً الخميس 25 أبريل 2024.