• ×

جعفر عباس يكتب : لماذا أضحي فكرنا عقيماً

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية ها هو عام 2017 في الرمق الأخير، فبعد شهرين بالتمام والكمال سـ»يفلسع«، وسيحتفل البعض بنقصان عام من أعمارهم، بينما سيقول آخرون إنهم يحتفلون لأن الله مدّ في أيامهم، بحيث عاشوا ليشهدوا عاما جديدا. بارك الله فينا وفيهم، ووهبنا طوال العمر وسعادة الكبر وحسن الخاتمة.

ولكن تصيبني الصحف البريطانية والأمريكية بالقرف والإحباط في ديسمبر من كل عام، لا لسبب سوى أن تقدم جردة كاملة لمنجزات ثقافية وحضارية وفكرية خلال كل سنة تنقضي، وبما أنني ثور في برسيم )جت( في ما يتعلق بالابتكارات والاختراعات والتكنولوجيا عموما، أي لا أفهم فيها وعنها كثير شيء، فإنني أحرص على قراءة التقارير الصحفية المتصلة بعالم الكتب والمؤلفات، وذلك لسببين: أولهما لأنني نشأت )لا أقول أبدا إنني »ترعرعت«، لأنني لا أعرف معنى الكلمة، ولأنني لا أعتقد أنني شهدت وخبِرت الترعرع أيّاً كان(.. المهم نشأت في مناخات فيها أوصياء عليَّ لا يسمحون لي باقتناء أي من تلك الكتب، لأنهم حريصون على المحافظة على عذريتنا الفكرية، والإبقاء على أدمغتنا »خامة«، وثانيهما مجاراة لتقليد ثقافي عربي يقتضي الاكتفاء بمعرفة أسماء الكتب المشهورة ومؤلفيها، للإشارة إليها أثناء الحديث، بما يضفي على المتحدث هالة تشي بأنه »مثقف خطير«.

أقول هذا على الرغم من أنني لا أذكر متى كانت آخر زيارة لي لمكتبة في أي بلد عربي، لأنني لست طالباً جامعياً، ولست بالتالي بحاجة إلى من يكتب لي أو يبيعني بحثاً أحصل بموجبه على تقدير »ممتاز« بدلاً من تقدير »حمار« الذي أستحقه! ولكنني أستطيع أن أجزم أن تلك المكتبات تستقبل سنوياً نحو مائتي كتاب جديد، في منتهى الأناقة والبهاء ولكن معظمها يضر بالصحة العقلية والجسدية، حتى لو تم استخدامها كورق تواليت، فسبب تفشي فيروس خبيث في ظل انحطاط فكري ومعرفي، فإن كثيرين ممن يفكّون الخط يتحولون إلى شعراء، وكُتّاب قصص، مواضيعها في معظمها الأمور التي »فوق الرُّكبة«.
وأعرف شاعراً من النوع الذي »لا تستحي أن تصفعه«، أعلن ذات يوم أنه بصدد إصدار ديوان، ثم اعتكف يومين كاملين يؤلف قصائد الديوان الذي رأى النور بعدها بنحو 6 أيام، وأعطاني منه 20 نسخة كي أوزعها على من أشاء، وبما أن عدد أعدائي لا يبلغ الـ20، فقط تخلصت من 19 نسخة من ديوانه فور أن أعطاني »عرض أكتافه«، وذلك بأن زرت مكتبة تبيع مواد القرطاسية والقليل من الكتب غير الصالحة للقراءة، وتركت الـ19 كتابا في أحد أرففها، بنفس الطريقة التي تقوم بها عديمة خلق وعقل ودين بالتخلص من جنين لها ولد سفاحا، وقلّبت النسخة الوحيدة التي احتفظت بها، وأحسست بحزن شديد، على الوريقات التي تم تلويثها بكلام بايخ وسخيف، ثم اصطحبت تلك النسخة اليتيمة في جولة بسيارتي، وانتهى بي المطاف في المقابر حيث واريتها الثرى لأن إكرام الميت »دفنه«، وبعد أشهر سألني عن رأيي في الديوان فقلت له )وليسامحني الله على الكذب( إن أصدقائي استولوا على كل النسخ، فأبدى أسفه لأن الديوان »نفد« من المكتبات ولم تبق معه سوى نسخة يتيمة لـ»الذكرى«!!

وبالمقابل فإن الشعراء والقصاصين »الحقيقيين« يقتطعون من أقوات عيالهم لطباعة نسخ محدودة من أعمالهم، لتوزيعها على الذوّاَقة، لعلمهم أن صورهم الموضوعة على الأغلفة »تخرّع«، وأنه لا يليق بهم وضع صور رزان وأخواتها على تلك الأغلفة لضمان رواج مؤلفاتهم.

هل رحم حواء العربية عقيم؟ حاشا، ولكن أبناءها وبناتها ذوي الخصوبة يتعاطون حبوب منع الحمل الفكري طلباً للسلامة وخوف الندامة، على الرغم من إدراكهم للأعراض الجانبية لتلك الحبوب وأخفّها الهلوسة والهذيان، فالرؤوس تمور بالأفكار التي تصبو إلى التلاقح والتناسل، فتؤدي محاولة إسكاتها بالعقاقير إلى بلبلة وتشويش دماغي!
‏‏‏‏


بواسطة : admin
 0  0  1295
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:59 مساءً السبت 20 أبريل 2024.