• ×

المتهمون محصنون .. من يحمي الاطباء من الضرب والإهانات ؟

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية باتت الاعتداءات على الأطباء في المستشفيات مسلسلاً مكرراً يدَون بشكل دوري في دفاتر الشرطة وأوراق الصحف، فريثما تنجلي أزمة ضرب طبيب أو تعرضه للإهانة أثناء تأدية عمله حتى تعود الظاهرة هذه المرة بشكل أكثر خطورة على شاكلة حادثة مدني التي تعرض فيها طبيبان للضرب بعد نقلهما عنوة على ظهر مركبة "بوكس"، تلتها حالة طبيب كوستي الذي تلقى ضربة عكاز على رأسه من أقرباء مريض توفاه الله، لكن أخطر ما في هذه الظاهرة أن معظم الحالات يكون فيها المتهمون هم بعض منسوبي الأجهزة النظامية المحمية بحصانات، أو من قبل الذين يظنون خاطئين أن انتسابهم للأجهزة الأمنية يخول لهم الاعتداء على طبيب أو إهانته.

محصنون ضد القانون:

يبدو للوهلة الأولى أن مقولة (من أمن العقاب أساء الأدب) انطبقت على جهات بعينها أدمنت عملية الاعتداء على الأطباء حتى أضحت ظاهرة، وهذا الحديث حسب أطباء ظلوا يشكون مرّ الشكوى من الاعتداءات المتكررة عليهم أثناء تأدية واجبهم كملائكة رحمة، إلا أنهم افتقدوا عنصرين مهمين لحمايتهم هما الرادع والوازع.

هذه الحالات المتكررة دفعت نقابة المهن الطبية والصحية لاستشعار الخطر على منسوبيها في غياب استشعار الدولة بالخطر الكبير الذي يسببه مسلسل المعاملات العنيفة بين بعض منسوبيها وبعض مواطنيها الأطباء، كما تسببت هذه الظاهرة في توقف الأطباء عن العمل وتأدية واجبهم دفعاً للوضع المهين الذي يتعرضون له رغم أن الدولة هي الفاعل الأول بحسب مختصين سيما أن معظم الذين يقومون بعملية الاعتداء هم ضحايا الوضع الاقتصادي وحاجتهم لتوفير ما يشترون به دواء لذويهم، كما أن الدولة هي المسؤولة عن عدم البيئة المناسبة بالمستشفيات التي تعتبر مسرحاً الجريمة وعدم وفرة المعينات والمستهلكات والأدوية المنقذة للحياة التي يحتاج إليها المريض، وتكون النتيجة الحتمية الموت، الأمر الذي لا يحتمله نفسياً ذوو المرضى الذين يثورون في كثير من الأحيان على فقدان الحيلة وينفسون عن ذلك الشعور على الأطباء.

ولكن يبدو أن استشعار نقابة المهن الطبية والصحية الخطر يُجابه بسدٍّ منيع من بعض المؤسسات الرسمية التي ينتسب إليها كثير من المتهمين بهذه الاعتداءات، وترفض هذه المؤسسات أوامر دفعت بها وزارة العدل خاصة بعدم حماية المتهمين بارتكاب هذه الجرائم على الأطباء ورفع الحصانة عنهم.

تشريعات للحماية:

ويجيء ذلك على خلفية تحركات ماكوكية قامت بها نقابة المهن الطبية والصحية أثمرت أوامر دفعت بها وزارة العدل تطالب بها وزارة الداخلية برفع الحصانة عن منسوبيها الذين تورطوا بالاعتداء على الأطباء، إلا أن الأخيرة رفضت الأمر برمته، وظلت تماطل حسب منسوبي نقابة المهن الصحية، وأضحى الأطباء لا يجدون حماية كافية سوى منشورات لا تمثل سنداً قانونياً دائماً يعمل على معاقبة الجاني، وفي هذا الوضع المتأزم يسعى الأطباء إلى تأزيمه بأكبر من ذلك، إذ أن هناك ثرثرات بين الأطباء بالخروج بقرار يرفض بموجبه الأطباء علاج أفراد القوات النظامية والاكتفاء بمعالجة تلك القوات بمستشفياتها التي تنسب غليهم مثل مستشفى الشرطة ومستشفى القوات المسلحة بعد أن أصبحت القضية كالجريمة المنظمة حسب ما يثار في أروقة المستشفيات من قبل مجموعات من الأطباء.

ويؤكد رئيس نقابة المهن الطبية والصحية د. أحمد إبراهيم في تصريح لـ(الصيحة) أن هناك اتصالات لنقابته مع وزارة العدل والداخلية لوضع ترتيبات لسن تشريعات لقوانين من شأنها تشديد العقوبات على الكوادر النظامية. وكشف إبراهيم عن تكوين لجنة لسن قوانين رادعة توطئة لرفعها للنائب العام. وقال إنه التقى بوزيرة الدولة بوزارة العدل والمدعي العام في حضور كبير مستشار وزارة العدل د. بدر الدين، إذ أن الاجتماع ناقش تكرار الاعتداء على الأطباء، وتم الاتفاق على سن تشريعات محددة.

من جانبها أصدرت وزارة الداخلية منشورات شددت على منسوبيها بموجبها الكيفية التي يتم بها دخول المستشفيات، وكُونت لجان لمحاكمة منسوبيها الذين يقومون بعملية الاعتداءات، الأمر الذي اعتبرته النقابة غير كافٍ، مطالبة بسن تشريعات ووضع قوانين تنهي الظاهرة وتوثق في النظام القضائي العدلي سيما أن المنشورات تعتبر سنداً مؤقتاً وليس لها مرجع في وزارة العدل، وكشفت النقابة عن تحركات مرتقبة عقب عطلة العيد التي انتهت أمس لوضع حد للتصرفات التي اعتبرتها شاذة ودخيلة على المجتمع السوداني، كما اعتبرت أن الجهات المختصة لم تضع العقوبات الرادعة حتى الآن، وكشف عن مماطلة وزارة الداخلية في طلب دفعت به وزارة العدل وهو رفع الحصانة عن النظاميين الذين قاموا بالاعتداء على طبيبي مستشفى مدني وكوستي والأطباء الذين تم الاعتداء عليهم عقب عيد الفطر الماضي الأمر الذي أدى إلى عدم ردع المعتدين ومعاقبتهم.

طرق احتجاج:

يصف رئيس النقابة حالات الاعتداءات بالكثيرة مؤكدًا أن نقابته ستظل تجدد مطالبتها والضغط على الجهات المعنية وأعلن عن وقفة احتجاجية تنفذ غدًا الإثنين بمستشفى مدني بمشاركة كل الجهات النقابية من كوادر طبية من مختلف أنحاء السودان.

من جهته اعتبر مدير مستشفى بحري د. أحمد زكريا صعوبة استمراية عمل الأطباء بالمستشفيات في الوضع الراهن إذا لم تفعل القوانين على الجهات الشرطية والقانونية، مؤكداً أن الطبيب الذي تم الاعتداء عليه بمستشفى كوستي طبيب معروف بأخلاقه العالية، وشدد على أن القوات الشرطية أضحت مصدر إزعاج بالمستشفيات، وعزا أسباب المشكلة من المواطنين غير الرسميين للوضع الاقتصادي وجهله بالوضع الذي يعمل به الطبيب وقراراته التي يصدرها والأولويات التي يجب أن يتبعها الطبيب، وقال إن هناك تفاصيل لا يستطيع الطبيب شرحها للمريض معولاً على الإعلام أن يبصر المواطن بذلك، ووصف الاعتداءات على الأطباء بالجرائم المنظمة، وكشف عن اتجاه وعزم الأطباء على سلوكه وهو عزوف الأطباء عن معالجة النظاميين وذويهم على أن يتعالجوا بالمستشفيات الخاصة بهم. وقال إن معظم المشاكل لا تأتي من المريض وإنما تأتي من المرافق.

البيئة الطبية:

من جهته عزا الخبير الصحي د. سيد قنات في حديثه لـ(الصيحة) أسباب المشكلة إلى تدني إمكانيات المستشفيات وعدم وفرة الأسرة وأجهزة الفحص والأشعة والأدوية مؤكداً أن تلك المكونات ليست مسؤولية الطبيب ولكنها مسؤولية وزارة الصحة، وأضاف أن الطبيب لا يملك إلا عقله وقلمه، مؤكداً أن الطبيب يتساوى مع المريض وإذا خرج عن مشفاه لا يجد العلاج، ووجد للأطباء العذر في إحجامهم عن معالجة الحالات الباردة سيما أنهم افتقدوا القانون الرادع والوازع الأخلاقي من جهات بعينها، وقال إن القانون موجود وهو عدم التعدي على موظف أثناء ساعات العمل إلا أنه غير مفعل.

التوعية العامة:

وحسب متابعات (الصيحة) لهذه الظاهرة فإنه رغم الانتقادات الموجهة إلى الأطباء أنفسهم والشكاوى المتكررة من سوء أساليب معاملة بعضهم للمرضى وذويهم، إلا أن هذه الأسباب ما تزال غير منطقية ولا أخلاقية للاعتداء على الأطباء، مما يؤكد ضرورة زيادة التوعية بين الأطباء أنفسهم للتعامل مع المرضى وذويهم، وفي المقابل ضرورة التوعية العامة وسط المواطنين بالطرق الحضارية للشكوى من سوء معاملة بعض الأطباء عبر اللجوء إلى أجهزة تنفيذ القانون واللوائح داخل المؤسسات الصحية أو خارجها.
ابتسام حسن ـ الصيحة


بواسطة : admin
 0  0  1505
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:01 مساءً الأربعاء 24 أبريل 2024.