• ×

مهنة ترفض أن تندثر رغم تقادم السنوات.. بائعات الكسرة.. نواعم في مواجهة (اللهب).

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية ـ تفاؤل العامري 
رحل زوج حاجة التومة بت ابراهيم -كما يحلو لأهل الحي مناداتها- تاركا لها (كوم لحم) من الصغار واصبحت التومة في وجه الرياح رافضة الانحناء لها بل ازدادت صموداً تصارع اهوال الزمن ومرارته من اجل تربية ابنائها والخروج بهم من نفق الحياة المظلم الى بقعة الضوء. سنوات محفوفة بالألم عاشتها بت ابراهيم مابين انصهار الحزن والفرح وانصهار الهزيمة والانتصار. مابين الأمل والإحباط وقسوة الدروب. عانت ما عانت من النار والدخان لأنها لم تنل حظها من التعليم، واختارت في النهاية بيع (الكسرة) حتى تضمن لقمة شريفة لصغارها.
بقية مشهد
ظلت حاجة التومة مثل الجبل العتيد تحتمل كل عثرات الحياة، بينما ابناؤها (طارق ونبيل وهاشم وايمان) ينظرون إليها بفخر، خصوصاً بعد ان تركهم والدهم في بداية الطريق، وهي لم تبخل عليهم براحتها فتصحو باكرا تؤدي صلاة الفجر وتتجه ناحية (التكل) للعواسة، وتحضر (الحطب والعجين) منذ الليل. تجلس على (بنبر) متهتك تحمل (القرقريبة والمعراكة) بكل حب وتهم بخلط العجين ليستقبل (الصاج) اول (طرقة) وتواصل بهمة حتى تنهي (جردل العجين) وتمتلئ (الريكة). في تلك الأثناء تبدأ الشمس برسم أول خيوطها. يصحو صغارها على صوتها تدعوهم لشرب الشاي لتخرج هي وصغيرتها إيمان لبيع الكسرة لأهل الحي ثم تعود تحمل لهم مايسد رمقهم دون أن تمد يدها لأحد، وهكذا ظلت حاجة التومة على هذا الحال حتى تخرج أبناؤها من الجامعات المختلفة ومنهم من ساعده الحظ في إيجاد وظيفة وكم كانوا فخورين بعظمة والدتهم.
نيران العواسة
وقصة حاجة التومة هي قصة حقيقية من واقع هذا المجتمع السوداني، تمثل اضطرار الكثير من النسوة للعمل من أجل أبنائهن، بينما تشكل (الكسرة) وجه الشبه مابين تلك المعاناة، خصوصاً بعد اتجاه الكثير من النسوة اليها في السنوات الأخيرة، والكسرة هي أكلة شعبية محببة لكل البيوت السودانية. تعتبر تاريخا وتراثا جميلا من ضمن موروثاتنا، تقوم ببيعها بعض النسوة اللائي تمثل حاجة التومة إحداهن، (السوداني) خرجت للشارع وتجولت بين ممالك بائعات الكسرة وعكست بعض الحكايات الواقعية من هناك.
دخل مقبول
الخالة حليمة ابكر تجلس أمام مخبز بمحطة الفردوس بأبوسعد حدثتنا قائلة: (طولت شديد في بيع الكسرة عشان ابو العيال شغلتو ما بتكفينا والحمد لله عملت زبائن كمان بحجزوا من بدري والشغلة فيها قروش كويسة خاصة في الشهور الفاتت لما العيش كان مافي)، ولم تكمل حديثها لنا لأن زبائنها كانوا على عجل من أمرهم فتركناها لحالها وذهبنا.
ديلفري وكدا
الوضع عند (الشيخة) مختلف- وهو الاسم الذي تنادي به من قبل زبائنها وأهل المنطقة- اسمها بالكامل سعاد عبدالرحمن عملت مدرسة واختارت بنفسها ان تنزل المعاش لأنها رأت أن العمل الحر أفضل لها من المرتب الشهري الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. طرقنا باب (الشيخة) بأحد أحياء أم درمان العريقة ووجدناها تتربع على سرير وثير، بينما عدد من الفتيات يعملن باجتهاد مابين بيع الكسرة وعواستها. ألقينا عليها السلام وجلسنا جوارها وهي في الأصل كانت تقطن بجوارنا في الحي قبل أن تستقر بمنزلها الجديد، لذلك كانت صريحة معنا في إفاداتها وقالت: "أولا احمد الله كثيرا أن شهرتي تخطت ام درمان الى بحري والخرطوم"، لافتة الى أن عملها لم يقتصر على عواسة الكسرة وبيعها في الأحياء فحسب بل انها تقدم طلبات للمناسبات والمطاعم الفخمة وأردفت بقولها: "زبائني البعيدين برسل ليهم الكسرة دليفري، وأنا مبسوطة والحمد لله ان ربنا فاتحها علي من أوسع أبوابه".
تربية كسرة
أمام سوبر ماركت فخيم بالرياض عدد من النسوة يضعن أمامهن بضاعتهن التي لم تبعد عن أشيائنا البلدية من دكوة وكسرة وويكة وبهارات مختلفة ما يعني أن القادم نحوهن لا يحتاج أن يأتي بشيء من الخارج، أمام إحداهن وقفنا وألقينا عليها السلام رغم برودة التعامل لكن لم نتوقف عن سيل الأسئلة التي كانت محفورة بالذاكرة ردت علينا عائشة باختصار قائلة: "بعمل في بيع الكسرة من سنين وعندي ولد طبيب ـ ربتو الكسرة دي ـ واخواتو الحمد لله كلهم في الجامعات، سوقنا مابقيف وبيعنا طوالي بالذات لما تحصل أزمة عيش غير كدا نحن بنبيع في حي راقي نسوانو مابعوسن"، وقبل أي إضافة جديدة مني أشاحت بوجهها معلنة نهاية اللقاء.

السوداني


بواسطة : admin
 0  0  1486
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:18 صباحًا السبت 20 أبريل 2024.